حماس (متَّقد) تكسوه الإرادة (الجادة) يسمو فوق هامته الشعار الصادق (أنا سعودي) الذي يحمل بين أحرفه الرنانة الرغبة الجادة في بذل الغالي والثمين من أجل هذا البلد النفيس؛ هذا هو حال الشباب الذين لم تفارق صورهم مخيلتي.
طالما يتردد على مسامعنا تلك العبارات الجافة وإن حوت في مضامينها بعضاً من الواقع، وجلّها يشير إلى عدم قدرة السواعد السعودية على تولي الأعمال المهنية والتقنية بشكل مباشر دون الحاجة إلى الأيادي السحرية (الأجنبية) التي يعتقد العرب بأنها -وحدها دون غيرها- هي القادرة على فك ألغاز تلك الصناعات المعقدة فضلاً عن صيانتها وتطويرها؛ لِمَ لا، فهناك من لا يصنفهم من بني البشر!، كل ذلك تبدد وتناثر في تلك اللحظة الرائعة التي أثبتت فيها تلك العصبة من رجال الوطن أنها قادرة على العمل والتعلّم والتعامل مع أكثر الأجهزة تعقيداً وتقنيةً، مشهد جميل ومؤثر كان من ضمن عدة مشاهد طالعتنا قبل أن نطالعها وهي تقول: ها نحن نبني الوطن ونسوق هامته نحو المعالي الشاهقة.. كان ذلك أثناء زيارة وفد (الجزيرة) برئاسة ربَّانها الأستاذ خالد المالك إلى المؤسسة العامة للتعليم التقني والمهني بدعوة من الدكتور على الغفيص، وبعد وصولنا إلى المبنى الرئيسي استقللنا الحافلة فتوجهنا إلى اثنين من المعاهد الصناعية الموجودة في جنوب الرياض وهي (المعهد العالي السعودي الياباني للسيارات)، و(المعهد العالي للصناعات البلاستيكية) ويعنى الأول بتدريب الشباب الحاصلين على شهادة الثانوية العامة تِقَنِياً في مجال صيانة السيارات اليابانية وهو ثمرة تعاون المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني والوكالة اليابانية للتعاون الدولي (jica) واتحاد مصنعي السيارات في اليابان (jadik) وقد أنشئ عام 1422هـ، ويخرج سنوياً (200) شاب.
أما الثاني فهو يشكِّل دعماً لمستقبل الصناعة البلاستيكية في المملكة، وذلك بتوفير كوادر سعودية مدربة على التعامل الدقيق مع أحدث أجهزة صناعة البلاستيك وبعد انتهاء مدَّة الدراسة المحددة بسنتين يحمل خريجو المعهد شهادة الدبلوم في تصنيع البلاستيك، ويدرب المعهد سنوياً 350 متدرباً.
كان د. الغفيص متحمساً وجاداً وهو يجول بنا داخل هذه المنشآت الصانعة للرجال.. قبل أن أهُمّ بالدخول لم يكن يخطر ببالي بأن الشباب السعوديين هم من سيشغل هذه الآلات وليس ذلك فحسب، بل لديهم القدرة على شرح أدق التفاصيل (مكنوناتها, طريقة عملها, جودتها, مواصفاتها، أعطالها..)، فكل شيء كان واضحاً في أذهانهم (الواعدة) الأمر الذي ينبئ بمستقبلٍ مشرق في ظل إرادتهم الإيجابية (الجادة) التي لا يمكن أن تتقهقر لأي سبب كان.
تلك المعدات المعقدة، والأيدي المتوشحة بالشحم والزيت، والجباه التي تتفصّد عرقاً، والأعين التي تبرق حزماً وعزماً وحماساً تستحق منا الوقوف احتراماً وتبجيلاً والتأمل عرفاناً واستحقاقاًً، فهؤلاء هم مستقبلنا الحقيقي وشمعتنا المضيئة في نفق الحياة المظلم؛ وأنا على ثقة بأن هذه السواعد هي من سينقل وطننا من عالمه الثالث ليكون في صدارة الأول.. شكراً يا مؤسسة التعليم المهني والتقني.