Al Jazirah NewsPaper Monday  29/06/2009 G Issue 13423
الأثنين 06 رجب 1430   العدد  13423
ربيع الكلمة
بلا هوية!
لبنى الخميس

 

نورة بنت سعودية تدرس في إحدى جامعات مدينة الرياض، مثقفة ومطلعة ولها قراءات متنوعة وخاصة في مجال علم النفس وتطوير الذات.. مما ولّد لديها قدرة جيدة على قراءة الشخصية وتحليلها؛ الأمر الذي جعلها من أكثر البنات شهرة وشعبية في الجامعة كلها.

فكانت الطالبات يلتففن بإعجاب حولها في وقت الفراغ، لتبدأ حديثها الجميل بكلماتها الأنيقة حول تفسير الشخصيات وكشف أسرارها، وكانت تبدأ بتحليل ذوات البنات واحدة تلو الأخرى، وكل فتاة تنتظر دورها بلهفة وحرارة لتعرفها نورة على نفسها وعلى شخصيتها!

وأحيانا كانت تحمل معها إلى المنزل، قائمة طويلة بأسماء البنات اللاتي لم يسعها الوقت لتحليل شخصياتهن.

تقول نورة: لقد كنت أتعجب وأستغرب من طريقة تفكير بعض البنات، فكان البعض يصدق ما أقول حرفيا حتى وإن كان كلامي يتأرجح بين الخطأ والصواب، فأنا لم أعش معهن ولم تكن بيننا عشرة طويلة لكي أجزم أن ما أقوله صحيحا، ولكنني كنت أؤكد لهن أن تحليلي مجرد توقعات تصيب حينا وتخطئ أحيانا أخرى.

الشيء العجيب الذي لا يصدق أن بعض البنات كن يرسلن لنورة صورة لمن يتقدم لخطبتهن، وإن شعرت نورة من ملامحه بأنه كاذب ومراوغ أو بخيل مثلا أخبرت صديقتها التي قد ترفضه بناء على كلام نورة!!.

حكاية نورة واقعية وليست من نسج الخيال، والبنات السذج من حولها موجودات على أرض الواقع بشكل مخيف.

السؤال هنا وكثير من القراء قد يتساءلون ما الذي يجعل البنات ينجذبن إلى نورة ويصدقنها بسذاجة مفرطة؟؟

الجواب في غاية البساطة والألم، لأنهم لا يعرفن أنفسهم وينجذبن إلى كل شيء قد يكشف لهن شيئا من ذواتهن ويعرفهن عليها.

وهذا قد يفسر أيضاً زيادة المبيعات بشكل لافت لكتب الأبراج وتحليل الشخصية من التوقيع أو الاسم أو الأكلة المفضلة.. إلخ.

ولأن كل شيء يحدث بسبب، دعونا نبحث عن الأسباب التي أعتقد أن أهمها على الإطلاق التنشئة في البيت والمدرسة.

لنعد قليلاً إلى الوراء ولنتأمل كيف نشأنا وتربينا.

لقد ربونا أهلنا على أساس أننا يجب أن نكون مثلهم، أو امتدادا لهم وهذا ما سحق شخصياتنا وألغى ذواتنا، وجعلنا إلى حد بعيد بلا شخصية أو هوية.

وللمدرسة والمناهج تحديدا نصيب الأسد في إلغاء شخصيتنا وجعل عنوان حكايتنا بلا هوية.

فقد علمتنا المدرسة كيف يفكر الآخرون لكنها لم تعلمنا كيف نفكر نحن!

علمتنا المناهج أين تقع المملكة العربية السعودية ولكنها لم تعلمنا أين نقع نحن من خريطة هذا العالم؟!

علمتنا أن ديننا دين المحبة والتسامح، ولكنها لم تسامحنا حين كنا نسأل ببراءة عن ديننا ونبينا فكانت تهاجمنا عيون غاضبة وجمل قاسية مثل: (استغفر الله العظيم سؤالك ذنب كبير!).

حفظنا عن ظهر قلب قصائد العروبة والقومية العربية ولكننا فعلاً ما زلنا نجهل ما معنى وما أجمل أن تكون هويتنا عربية.

للأسف أن كثيراً من الناس يعيش ويموت دون أن يعرف من هو؟ وماذا يريد؟ وما هي موهبته؟ فتجده يتخبط بين ما يحب وما يكره، ما يسعده وما يحزنه.. لا يعرف ما هي أهدافه.. تتلخص حياته في عدة مراحل معروفة ومحددة سلفا ولا جديد فيها.

الهوية عنوان كبير وعميق ولكي تتشكل الهوية الحقيقة يجب أن يبدأ الوالدان في المنزل بإفساح المجال للابن أن يعبر عن نفسه وعن آرائه حتى وإن كنا نختلف معه فيها.. يجب أن نعطيه الفرصة حتى يفكر ويحلم ويقرر من هي قدوته ويمارس هواياته ويعرف ميوله ورغباته.

يجب أن نكلفه ببعض المسؤوليات ونشركه في صناعة بعض القرارات حتى لا نجعلهم مسلوبي الإرادة ولكي نصنع من أبنائنا شخصيات واثقة من نفسها معتدة بذاتها وبهويتها.

كما يجب أن تسهم المدرسة في صنع هوياتنا من خلال تعريفنا على العالم ومتغيراته، يجب أن تمنحنا الفرصة لكي نسأل ونجد أجوبة صادقة ومتسامحة مع أسئلتنا، ويجب أن تسمح لنا بالإفصاح عن أفكارنا دون أن تنتقدها وتئدها.

يجب أن تشجع وتدعم مواهبنا مهما بدت متواضعة ولا تسخر كل وقتها وتوفر طاقاتها وإطراءها ودعمها للمتفوقين فقط!.

كما يجب أن تسهم في رفع ثقة الطلاب بأنفسهم من خلال إشراكهم في الحوارات واحترام آرائهم ومناقشتها معهم بهدوء وتواضع؛ لأن الثقة بالنفس من أغلى وأهم الصفات التي تصنع الهوية والقيادة والسعادة أيضا.

ختاماً أقول.. يضيع وقتنا وحياتنا لكي نجمع النقود لأولادنا وبعد ذلك ننفق الآلاف على لباسهم وطعامهم ومدارسهم وسياراتهم ومتعتهم اعتقادا منا أننا نقوم بواجبنا تجاههم، ولكن نغفل عن المهم بل الأهم من ذلك كله، وهي الشخصية والهوية والثقة بالنفس التي لا تحتاج إلى آلاف ولا الملايين، بل تحتاج إلى قليل من وقتنا لنسمعهم ونحاورهم ونشركهم في قراراتنا وأفكارنا وحياتنا التي هم أغلى ما فيها دوماً وأبداً.

نبض الضمير: (نقيم التماثيل من الثلج، ثم نشكو أنها تذوب!).

****








 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد