Al Jazirah NewsPaper Monday  29/06/2009 G Issue 13423
الأثنين 06 رجب 1430   العدد  13423

الرئة الثالثة
حديث عن (الدكتوراه) و(ملاعق) الرفاهية!
عبدالرحمن بن محمد السدحان

 

ينالني شيء من الجذل (المعتق) بالخجل، حين يلصق أحدهم لاسمي قاصداً أو بلا قصد، حرف (الدال)، وذاك شرف لم أتأهل أصلاً له حتى أدعيه، من جهة، وليقيني، من جهة أخرى، أن (الدكتوراه) (وزر) من المسؤولية على كاهل حاملها لا (إزار) من حرير يتدثر به في البيت والمكتب والشارع تباهياً أمام القريب والبعيد!

***

* وأستأذن القارئ الكريم بطرح نبذة قصيرة من (التأصيل التاريخي) للعلاقة بيني وبين هذه (الدال) العجيبة، فقد توقفت عند بوابتها العاجية في أمريكا طائعاً مختاراً قبل أكثر من ثلاثين عاماً، بعد اجتياز مرحلة الماجستير، وسبق اتخاذ ذلك القرار مخاض صعب بين: (1) خيار عبور تلك البوابة حتى النهاية أو: (2) الاكتفاء بالماجستير والعودة إلى المملكة لتكوين أرضية صلبة من المعرفة والخبرة الإدارية الميدانية تكون زاداً لي فيما بعد لمشوار الدكتوراه.

خاصة إذا كنت سأعمل في الجامعة بعد عودتي إلى المملكة! وقد اتخذت القرار لصالح الخيار الثاني بإرادة ذاتية، رغم كلمات النصح التي تلقيتها من بعض المحبين لمصلحة الخيار الأول.

***

* ثم عدت إلى المملكة.. لأبحر وظيفياً على متن سفينة معهد الإدارة العامة إبحاراً استغرق خمس سنوات سمان هي من أمتع مراحل عمري الوظيفي، وتلاطمت موجات التحدي الوظيفي منذئذ تتلقفني من كل صوب، فاستجبت لها طائعاً بالإغراق في العمل بحثاً وتدريساً وإدارة، لكنني لم (أغرق) على نحو ينسيني حلمي القديم سعياً لإحراز (الدال الذهبية)، وبعد مرور خمس سنوات، ساقني القدر الرائع للعمل مستشاراً إدارياً في ديوان رئاسة مجلس الوزراء، ثم أميناً عاماً لمجلس الخدمة المدنية لمدة (18) عاماً، قبل أن يستقر بي قارب الوظيفة في مجلس الوزراء قبل نحو خمسة عشر عاماً تقريباً!

***

* قد يسأل سائل: هل تبخر حلم (الدال الذهبية) في وجداني بعد هذا المشوار الطويل؟ فأقول، لم يتبخر ولم يهو إلى قاع النسيان، لكن تغيرت الأولويات عندي في ضوء تجربتي الإدارية الطويلة.. فلم يعد هاجس (الدكتوراه) خياراً ضرورياً يرجح بسواه!

والحمد لله من قبل ومن بعد!

***

* يفتنني أبداً الحديث تكراراً عن جيل اليوم، ماذا يرجى منه وماذا يرجوه هو من نفسه لنفسه، وما هي عدته لهذا أو ذاك، وهل عانت نماذج النجاح التي يشهدها أو يسمع عنها اليوم مرارة الفشل بادئ الأمر في إدراك الأماني، قبل أن تبلغ ما بلغته، رغداً في العيش، ووفرة في الدخل، واستقراراً آمناً في الحياة!؟

***

* وقول كهذا يذكرني أبداً برائعة الشاعر:

وما نيل المطالب بالتمني

ولكن تؤخذ الدنيا غلابا

* وفي هذا البيت حكمة لا تبلى، وجيل اليوم الذي ولد الكثيرون من أفراده وفي أفواههم (ملاعق الرفاهية) لابد أن يدركوا ضرورة بناء قاعدة قوية من التأهيل لأنفسهم.. كيلا يبقوا أسرى (أبوة) الرعاية النفسية والاجتماعية من قبل أولياء أمورهم، وأن عملية التأهيل هذه طويلة الأجل، بطيئة الحركة، محفوفة بمفازات الصعاب، لكنهم لابد في النهاية أن يبلغوا بعون الله محطة من الفوز تحددها قدراتهم.. وحصاد بذلهم لينعموا بعد ذلك (بثمرة) الشقاء بعيداً عن (مهزلة) الاعتماد السرمدي على من سواهم من وليّ أو حميم، وليتذكروا أبداً أن زمنهم هذا قاسي المسار، صعب النجاح، بعيد الحلم، لكن لا شيء يبقى بإذن الله مستحيلاً لبلوغ قدر من النجاح!


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد