Al Jazirah NewsPaper Monday  29/06/2009 G Issue 13423
الأثنين 06 رجب 1430   العدد  13423
الظن أو الشك بدون نفي أو إثبات.. عبث بيّن
د. عبدالمحسن بن عبدالله التويجري

 

بنفي الأسباب أو إثباتها يتميز القرار حول أمر تعصف به الظنون والشكوك، ومثال ذلك العلاقات الشخصية (الصداقة)، إنها علاقة قد تتميز بتماسك وقوة في عناصر التأسيس، وقد يعتريها شيء من الضعف أو عائق تنتهي معه..

وحين يعتمد أمر ما على جهد إنسان فهو جهد يحمل الصواب أو الخطأ، القوة أو الضعف، ومن وراء هذا عوامل وأسباب مسؤولة ومؤثرة في متانة العلاقة أو ضعفها أو ما قد تؤول إليه من تطوّر أو فشل ذريع.

والقدرة على مدّ العلاقة بالقوة وتجنب ضعف ينال منها من مسؤولية تلك العوامل التي قد ينتابها شيء من الظن أو الشك الذي قد يحدث في ظروف معينة، مع إدراك أن الظن أو الشك فكر وفعل سلبي يحتاج أمره إلى تأنٍ ومراجعة.

ومصدر تلك العوامل التي تقوى بها العلاقة ودّ وقيمٌ، والعلاقة المتميزة بين الصديق وصديقه بقوة وثبات الأسس قد يطلق عليها البعض صفة المثالية، وعلى علاقة أخرى علاقة جيدة وهكذا.

وفي العلاقة المثالية نجد أن جذورها مزيج من عاطفة وقيم، أما الجيدة فإن الوصف بها يوحي بأن تكون علاقة بين الدول أساسها مصالح مشتركة، وهي علاقة مستقرة باستقرار تلك المصالح وفعاليتها لهذه العلاقة.

وفي العلاقة الشخصية فإن القوة فيها تؤدي إلى متانة العلاقة وتوطيد مبادئها وتعميق الأساس اللازم لها، لكن القدرة على مدها بالقوة وتجنب الضعف من مسؤولية العوامل التي تدفع بالعلاقة إلى القوة أو الضعف، ويشكل هذه العوامل رصيد من القيم والودّ، والودّ هنا لا يعني ذوبان أي من الشخصيتين في إحداهما، ولا يرمز إلى شيء من التملك.

وهذه القيم تستمد من الأخلاق الحميدة بما يعزز ذلك من ود وإخاء تأنس بهما النفوس وتعمر بذلك مؤسسة العلاقة. ومن المسلَّم به أن القيم ذات طابع واحد لا يتغير؛ فمن غير المعقول أن يكون أحدنا صادقاً ومخلصاً لهذه العلاقة في كل نهاره، ويكذب في المساء؛ ففي هذه الحالة تعتبر من القيم المهزومة الضالة التي قد يدفع بها شيء من الانتهازية، كما أن العلاقة المثالية أو المتميزة أو التي تدعمها قوة في الأساس لا بد أن تعتمد على ودّ وقيم وبتتابع حتى لا تفشل أو يصيبها شيء من الوهن، ومن هذه القيم الإيثار والتضحية والإخلاص الصادق، وإن أثر شيء سلبي في تلك القيم وتسرب إلى نفس أحدهما بالظن أو الشك وجب التأني والأخذ بالتسامح والغفران، ومن ثم أن يدعم الظن إثبات أو نفي، فتميز العلاقة لا يتحمل التفريط وضياع فرصتها بالظن أو الشك، كما أن الحوار والصراحة لهما مردود جيد في مثل هذه الحالة، وحتى يتميز أي قرار حول العلاقة فلا بد من نفي أو إثبات متى سيطر على النفس شيء من وساوس الشك أو الظن.

والعلاقة الجيدة حين يطلق عليها هذا الوصف فهي علاقة لحمتها وسداها مصالح متبادلة ومنافع مشتركة يسود مناخها كثير من التفاهم فتبقى مستقرة، وكلما زاد حجم المصالح تستقر وتمتد، وغالباً مثل هذه العلاقة تقوم بين دول مصالحها مشتركة، ومن المهم في مثل هذه العلاقة أن نحيط بكل ما يتعلق بهذه المصالح وكيف نفعلها ونعتمد عليها كرابط أساسي.

وفيما يتعلق بالعلاقة الشخصية، وحين يحسّ أحد الطرفين بتبدل في القيم أو تراجع في الودّ، فقبل أن يصدر حكماً لا بد أن يفهم الكثير عن العوامل التي أدت إلى ذلك، وألا يتسرع في ظنه أو شكه، ومثل هذه العلاقة لا تقبل النميمة أو أي متطفل بالحسد والإفساد هو بالمرصاد.

فالعلاقة بالناس تقوى وتتميز، وبالناس تفسد قبل أن تحقق شيئاً من أهدافها الإنسانية وهي حاجة للإنسان، أهداف طويلة المدى تعود بالخير والطمأنينة على علاقة الإنسان بمجتمعه، فبقدر ما هي علاقة شخصية إلا أنها مؤشر على قبول المجتمع لأحد أطراف العلاقة وتقدير من المجتمع لقيمه وقدرته على تبادل الودّ.

إن المكسب في الصديق لا يجوز أن نحسبه صدفة تتكرر وقتما نريد، فمن له صديق يماثله وجب أن يتمسك به ويحافظ عليه بصدق المعاملة والنظرة واعتماد اليقين بحقائق نثبتها أو ننفيها وليس وفق مزاج يبدل ويغير في العلاقات وقتما شاء.

ومن المعطيات المسلَّم بها أن للتسامح والغفران أثراً فعالاً؛ لأنها علاقة بين إنسان وآخر، العجز والنقص أبرز ما هما فيه، فإنجاز الإنسان لن يكون كاملاً محكم وفي منأى عن الخطأ أو الصواب.

كما أن ذكريات الطفولة المشتركة والفرص فيها قد يتبلور عنها مثل هذه العلاقة، ومع خلاف السن والمفاهيم يجدر بنا إعادة النظر لتوطيد العلاقة أو أن ننأى بها عن تجارب يسودها النجاح والفشل، كما أن رابطة الفهم المشترك والرؤية المتشابهة على مستوى الفكر يقوي العلاقة ويعزز من لحمتها ويعمق جذورها فمن له صديق يشبه بعضا مما فيه؛ فإن الأمنية تتداعى في النفس بفهم يؤكد أن ذلك إنجاز موفق، ومثل هذا الإنجاز لا نفرط فيه.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد