هل نحن أمام أزمة مالية إقليمية؟ وهل بدأت المياه الآسنة بالتسرّب للسفينة الضخمة من خلال خُرم الإبرة الذي أحدثته بعض القروض المسمومة؟
نسأل دون أن نُجيب، فالمعلومة الدقيقة تمتلكها المصارف والجهات الإشرافية، وهي المسؤولة أمام المستثمرين، المتداولين، والمودعين. قد نجد للجهات المسؤولة العذر في تأخر إعلان حقيقة انكشاف بعض المصارف في حال رغبتها استيفاء جميع المعلومات المتعلّقة بالقروض المتعثرة، وحصرها.
لكن من المحزن أن تتصدر أخبار مديونية بعض المجموعات السعودية وكالات الأنباء، والقنوات الإعلامية المتخصصة.
وكالة (بلومبيرغ) للأنباء نشرت بالتفصيل حجم انكشاف مصارف عالمية وخليجية لمؤسسات مالية سعودية متعثرة. القائمة لم تخل من أحد المصارف السعودية الذي يُعتقد، وبحسب، وكالة (بلومبرغ) أنه أحد الدائنين بمبلغ 300 مليون دولار. مؤسسات التصنيف العالمية أعادت تصنيف أحد المصارف السعودية على خلفية محفظته الائتمانية التي يُعتقد أنها ستؤثّر في ربحيته المستقبلية.
بعض البنوك المركزية الخليجية، الاستثمارية، والتجارية أعلنت بوضوح حجم انكشافها، وما تملكه من ضمانات مقابل القروض المتعثرة.
مؤسسة النقد العربي السعودي وبحكم إشرافها على البنوك يفترض أن تقدم المعلومات الدقيقة للمساهمين، المودعين، المستثمرين، والمتداولين، وقبل كل ذلك يفترض أن تكون على اطلاع تام بنوعية المحافظ الائتمانية وكفاءتها منذ نشوب الأزمة العالمية، ومحاصرة المسموم منها ومعالجته، ما يمكن أن يجنب القطاع المصرفي الكثير من تبعات الأزمة الحالية. تطورات الأمور، وانكشاف المصارف العالمية والخليجية!
هيئة السوق المالية مسؤولة عن سلامة تداولات سوق الأسهم، وتحقيق العدالة والشفافية. وما دام أن قطاع المصارف والخدمات المالية هو أحد أهم قطاعات سوق الأسهم ويمثّل ما يقرب من 28 في المئة من حجمه، فمن المفترض أن تقوم الهيئة بدورها الفاعل في الاستيضاح المباشر من إدارات البنوك التي ورد اسمها في التقارير العالمية، لتفنيد الشائعات والمعلومات الصحفية، ونفيها، أو تأكيدها. ضبابية الموقف في قطاع المصارف تسببت في التأثير السلبي في تداولات السوق وجرها إلى ما دون 6000 نقطة. انحدار السوق، وانخفاض حجم التداولات، واهتزاز ثقة المتداولين كان نتيجة لما يُثار عالمياً ومحلياً حيال القطاع المصرفي.
وضوح الرؤية ودقة المعلومة قد تعيدان الثقة المفقودة لسوق التداول. كما أن الإعلان الرسمي عن حجم انكشاف المصارف المحلية، إن وجد، وأسلوب معالجة الموقف قد يحميان القطاع المصرفي من هدير الشائعات التي استغلها بعضهم لتكريس التأثير السلبي في القطاع ومحاولة هز الثقة في الاقتصاد.
أعتقد أن التوضيح لم يعد كافياً لطمأنة السوق في الوقت الحالي، وأي معلوماتٍ تتعارض مع ما أعلنت عنه الوكالات العالمية قد يفسر على أنه نوع من التضليل. شراء المديونية المحلية نقداً، وتحويل الأصول المالية (الأسهم) للصناديق الحكومية دون تسييلها في السوق تضمن تجنيب القطاع المصرفي تبعات انكشافه على القروض المتعثرة، وتجنيب سوق الأسهم عمليات البيع الإغراقي المدمرة. حل الأزمة لا يعني تبرئة المتسببين من القطاع الخاص، وإدارات المصارف والجهات الرقابية، بل يفترض أن يكون بداية المساءلة القانونية لكل من عرض الاقتصاد الوطني، والقطاع المصرفي للخطر.
أختم بالتذكير بمطالبتنا منذ نشوء الأزمة المالية العالمية بوجوب تشكيل فريق عمل من وزارة المالية، الاقتصاد، التجارة، مؤسسة النقد، وهيئة السوق المالية، لإدارة الأزمة وتحديد تداعياتها على القطاعات الاقتصادية المختلفة. كان من الممكن، بقليل من الجهد والتعاون، تجنيب الاقتصاد الكثير من التداعيات الأخيرة التي ظهرت بعد مرور أكثر من عشرة أشهر على نشوب الأزمة يبدو أن بعضهم اقتنع متأخراً بنجاعة تشكيل فريق عمل لإدارة الأزمة الحالية، وهو أمر إيجابي نرجو الله أن يوفق أعضاءه لما فيه خير البلاد والعباد.
****
F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM