أهم ما ظهر به الرئيس الأمريكي باراك أوباما لدى مراجعته سياسة بلاده تجاه المنطقة العربية، هو أن التفرد الأمريكي لتحقيق تسوية سلمية في المنطقة قد أدى إلى تأخير إنجاز هذه التسوية، وهو ما يتطابق مع ما أفادت به الدراسات والأبحاث التي تؤكد بأن تحليل الوضع الحالي في الشرق الأوسط يشير بوضوح إلى فشل المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية الطويلة منذ اللقاء في أنابوليس في شهر تشرين الثاني (نوفمبر عام 2007م)، وعدم قدرة واشنطن على إخراج عملية السلام من المأزق بمفردها. فقد أصبح من الواضح بأن توجه أمريكا الاستثنائي والمنحاز إلى إسرائيل لا يسمح بالقول بأن أمريكا وسيط عادل ونزيه في عملية السلام. فالمواقف الأمريكية المساندة للتعنت والسياسة الإسرائيلية القمعية والتي تصل إلى حد ارتكاب الجرائم الإرهابية ضد شعب بكل شرائحه من أطفال ونساء وشيوخ وكل من يعيش على أرض فلسطين، مثلما حصل في قطاع غزة الذي تعرضه أهله إلى حرب إجرامية إرهابية استهدفت إبادة السكان هناك، وقد شجعت المساندة الأمريكية المطلقة الأعمال الإسرائيلية على تواصل الهجمة الإسرائيلية الهمجية ومنع الأمم المتحدة من وقف العملية العسكرية الإسرائيلية ولا تزال المساندة الأمريكية تمنع المجتمع الدولي من رفع الحصار الظالم المفروض على أهل غزة وفي نفس الوقت لم تمارس واشنطن أي ضغط جدي على تل أبيب لتنفيذ التزاماتها السابقة التي تم التوصل إليها في إطار عملية السلام، ومن أهمها عقبة المستوطنات الإسرائيلية التي تحاول إسرائيل فرضها وبدلاً من الاستجابة إلى الطلب الدولي بتفكيك هذه المستوطنات وإلغائها تماما لأنها أقيمت على أرض محتلة، وأنها تعرقل أية تسوية سلمية، وبدلاً من أن تضغط واشنطن بقوة وتمارس نفس سياستها الصارمة ضد حماس والجهاد وغيرها من التي تتصف بأنها تمارس أعمالاً إرهابية تنحصر المطالبة بوقف الاستيطان وعدم التوسع في تمدد هذه (المستعمرات) وخاصة تلك التي تحيط بمنطقة القدس بهدف تغيير الوضع الديمغرافي حول القدس والضفة الغربية لصالح الإسرائيليين، والهدف واضح وهو ما يساعد عليه الأمريكيون هو جعل المستوطنات القائمة في الضفة الغربية المحيطة بالقدس والمحيطة بنابلس و الخليل ورام الله وبيت لحم (حقائق ثابتة على الأرض) في حين لا القانون الدولي ولا المنطق ولا مصلحة السلام والتسوية تسمح بذلك..!!
بدلاً من ذلك يحصر الأمر في وقف إنشاء مستوطنات جديدة وتصوير الموقف إذا ما حصلت واشنطن على وعد بوقف إنشاء المستوطنات بأنه نصر وانتزاع تنازل إسرائيلي..!! في حين هو نصر لإسرائيل.. وفرض أمر واقع على الفلسطينيين..!!
بدلاً من أن يكون مواجهة مبدأ وجود المستوطنات أصلاً، والعمل على إزالتها يجري صياغة رأي عام يسمح بالإبقاء على هذه المستوطنات وأن يكون وقف إنشاء مستوطنات جديدة (في الوقت الحاضر) وكأنه معركة النصر الكبير، في حين تخوض واشنطن حرباً ضروساً لإبعاد سورية وحماس من عملية المفاوضات بالمنطقة بتهمة ارتباطهما بالإرهاب.
واستمرار هذا الموقف الأمريكي رغم التوجه الجديد الذي يقوده أوباما إلا أن واشنطن وبإصرارها على إبعاد حماس عن هذه المفاوضات والمواقف الخجلة بالاقتراب من سورية، بأنها لم تفهم بعد التطورات والأحداث في المنطقة، وأن تأخر هذا الفهم لابد وأن يزيد من حدة التوتر في المنطقة، فالرفض الأمريكي المستمر والاعتراف بحركة حماس كقوة رئيسية ممثلة للشعب الفلسطيني إلى جانب حركة فتح أدى إلى استمرار الخلافات الفلسطينية وأنها إحدى أهم أسباب عدم التلاحم الفلسطيني الأمر الذي يجعل تل أبيب ترفض الانخراط بمفاوضات متوازنة مع السلطة الفلسطينية بحجة أن محمود عباس لا يسيطر على كل الأراضي الفلسطينية ولا يستطيع تقديم ضمانات لتطبيق الالتزامات.
وهكذا، ورغم كل حملة (العلاقات العامة) التي يؤديها أوباما بنجاح فلا نزال نفتقد لموقف أمريكي جاد وحاسم، وهذا ما يستوجب إشراك أطراف دولية مؤثرة، لا تنازع الأمريكيين دورهم ولكن لتعزيز أية مواقف هادفة لتحقيق حل عادل ومنصف مثلما يقول أوباما.. وهذا ما سوف نناقشه غداً عن مؤتمر السلام القادم المزمع عقده في موسكو.
****
jaser@al-jazirah.com.sa