Al Jazirah NewsPaper Saturday  27/06/2009 G Issue 13421
السبت 04 رجب 1430   العدد  13421
نتانياهو وطلبه العقيم
أبراهام ب. يهوشوا

 

حيفا - منذ حرب حزيران 1967، ذهب عدد قليل من الإسرائيليين، وليسوا كلهم من اليسار، إلى تأييد فكرة الدولتين كحل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.. غير أن أغلب الإسرائيليين رفضوا الفكرة، ولقد برر الإسرائيليون موقفهم بهذا السؤال: منذ متى أصبح الفلسطينيون أمة تستحق دولة؟.. وتساءل الفلسطينيون بدورهم: لماذا يصبح لليهود دولة وهم عبارة عن جماعة دينية مشتتة في مختلف أنحاء العالم؟

كان لا بد أن تقع أحداث وتتغير أمور كثيرة قبل أن تبدأ فكرة حل الدولتين، سواء من الناحية الأخلاقية أو العملية، في الترسخ في وجدان البيئتين السياسيتين الإسرائيلية والفلسطينية.. واعتاد الناس بالتدريج على تعبير (الدولة الفلسطينية)، وحصل هؤلاء الذين اعتنقوا الفكرة على الدعم واكتسبوا لأنفسهم مكانة على الساحة الدولية.

وبعد أن تبنى زعماء حزب العمل، شيمون بيريز، وإسحق رابين، وأيهود باراك، مفهوم الدولتين، جاءت أولى الخطوات المترددة في ذلك الاتجاه من جانب أعضاء حزب الليكود: تسيبي ليفني، وأيهود أولمرت، وأرييل شارون.. والآن، ومن نفس معقل اليمين، جاء بنيامين نتانياهو.. والآن نستطيع أن نُهنئ أنفسنا، فمهما تأخر الأمر أفضل من عدم حدوثه على الإطلاق!

نحن جميعاً ندرك أن الطريق نحو تحقيق هذا الحلم مفروش بالعقبات والمصاعب، سواء من الجانب الإسرائيلي أو الجانب الفلسطيني.. وأنا أعتقد أن بعض الشروط المسبقة التي فرضها رئيس الوزراء الإسرائيلي في خطابه الأخير الذي حظي بتغطية إعلامية واسعة النطاق مبررة.. ولكن بقية شروطه عقيمة ولن تؤدي إلا إلى تعقيد موقف معقد بالفعل.

إن طلب نتانياهو بأن تكون الدولة الفلسطينية المستقبلية منزوعة السلاح معقول وضروري.. ونظرة واحدة إلى الخريطة تكفي لفهم ذلك.. وحتى مصر، وهي دولة كبرى وذات سيادة، قبلت تجريد سيناء من السلاح كجزء من عملية السلام مع إسرائيل.. والحقيقة أن نزع سلاح سيناء يشكل واحداً من العناصر الأساسية لاستقرار السلام بين مصر وإسرائيل.. وهناك دول كبرى ومستقلة أخرى، مثل اليابان، وألمانيا، والنمسا، خضعت لعقود من القيود التي حدت من قدرتها على حيازة أسلحة ومعدات عسكرية معينة.

وبالمثل فإن رفض حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى إسرائيل أمر مفهوم.. فبأي منطق يُعاد الملايين من الفلسطينيين إلى دولة أصبحت شخصيتها ورموزها أجنبية بالنسبة لهم - دولة تنتمي أغلبية سكانها إلى مجموعة عرقية مختلفة؟ وهل من المفترض أن يعودوا إلى مساكن ومزارع لم يعد لها وجود؟

وقد يكون من الأنسب لهؤلاء اللاجئين أن يرسخوا أنفسهم في دولة فلسطين الجديدة، أو موطنهم الأصلي، بين مواطنيهم وتحت علم فلسطيني وسلطة فلسطينية، على مسافة لا تتجاوز الثلاثين كيلومتراً من مساكنهم ومزارعهم التي هجروها، أو التي طُرِدوا منها، منذ أكثر من ستين عاماً.

بيد أن الشرط الآخر الذي يطالب به نتانياهو، وهو أن يعترف الفلسطينيون بحق الشعب اليهودي في دولته، أو الإقرار بوجود الدولة اليهودية، فهو شرط تعسفي واعتباطي.. وفي اعتقادي أنه من غير المجدي على الإطلاق أن نطالب الفلسطينيين بالاعتراف بالسيادة القومية لشعب يمتد تاريخه إلى آلاف السنين في الماضي ودولة تقيم علاقات دبلوماسية مع 150 دولة في مختلف أنحاء العالم.

إن طلباً من هذا النوع لم يُطلَب من مصر أو الأردن حين وقَّعت إسرائيل مع كل منهما على اتفاقية سلام، وهذه المسألة تشكل عقبة لا ضرورة لها بتاتاً على الطريق إلى السلام مع الفلسطينيين.. ويكفي أن نطلب من الفلسطينيين الاعتراف بشرعية دولة إسرائيل، وهي الدولة ذات الحدود والهوية السياسية المعروفة للجميع.. ومن جانبنا أيضاً فلن نُقِر بالكثير إذا ما اعترفنا بحق الشعب الفلسطيني، الذي قد يندمج ذات يوم مع شعب الأردن، في دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة داخل حدود 1967م.

إن وضع القضية في هذا الإطار أمر منطقي لسببين.. الأول أن مسألة الجنسية اليهودية معقدة للغاية، حتى بالنسبة لليهود أنفسهم، حيث يعتبر الكثير من الناس أنفسهم يهوداً استناداً إلى المعنى الديني فقط.

الأمر الثاني أن رفض الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية راجع بين أمور أخرى إلى وجود أقلية فلسطينية في إسرائيل.. غير أن العلاقات بين الأغلبية اليهودية والأقلية العربية في فلسطين تُشكّل مسألة داخلية وحساسة وليس من الحكمة أن يتورط فيها فلسطينيون من خارج إسرائيل.. فلأكثر من ستين عاماً كان بوسع المجموعتين أن يعيشا معاً على نحو مقبول، وفي مواجهة جحيم الإرهاب واحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة بقدر من الكرامة النسبية.. وبإحلال السلام فإننا نتمنى جميعاً أن يتبلور هذا الارتباط ويتعزز حول جنسية إسرائيلية مشتركة.

سوف يكون هناك ما يكفي من المشاكل في التفاوض بشأن إقامة دولة فلسطينية.. لذا فمن الواجب علينا أن نتجنب إضافة المزيد من المشاكل، والعقبات التي لا مبرر لها ولا مسوغ.. يتعين علينا أن نركز على حل أهم هذه المشاكل - نزع السلاح، والمستوطنات، والحدود، واللاجئين - وأن نسمح لواقع السلام بأن يخلف وراءه، أو يؤجل إلى المستقبل البعيد، المشاكل التي تتسم في الأساس بطابع تاريخي أو عقائدي.

* واحد من أبرز الروائيين في إسرائيل
خاص «الجزيرة»



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد