يقول خبراء الإدارة وصنَّاع الإبداع إنك متى ما أردت الإبداع في أي مجال ولأي فكرة أو مشروع (ما) فكل ما عليك أن تتطلق لنفسك العنان بالخيال لتتصوّر ما تريد تحقيقه بلا حدود وذلك بجلسة استرخاء وإغماض للعينين.. ثم تحاول التخطيط لما تصورته وتضع له الخطط التي حتماً ستصل إلى ما لم تكن تتوقعه..
هذا المفهوم نتعلمه من خلال دورات تطوير الذات التي نسعى لها - أفراداً - أردت بذلك أن أدلف لموضوع التعليم بحكم معاناة حقيقية لواقع تعليمنا.
إن الحديث عن تعليمنا العام وتخبطه في لجج ودهاليز التجارب الارتجالية يتطلب منا وضوحاً في الطرح ونقداً صادقاً بناءً لتلك الارتجاليات بغض النظر عن صاحبها ومن صدرت عنه. ولن يتأتى لنا ذلك دون الاستفادة من تجارب من سبقنا والأخذ بتلك الأساليب والخطط لنسير معهم لا لأن نقف عند بداياتهم، بل لنواكب العصر بنظرة واعية ثاقبة متجردة عن حب الذات أو التعصب لفكرة يتم إقرارها وإنزالها على أرض الواقع لتتم دراستها على حساب عقول طلاب ومستقبل وطن بأكمله.
ولقد أجاد من أثنى من الكتّاب وأساتذة لي على كلمة فخامة رئيسة جمهورية فنلندا في كلمتها القصيرة: (إن وراء تطوّر وتقدّم فنلندا ثلاثة أسباب هي: أولاً التعليم الجيد وثانياً التعليم الجيد وثالثاً التعليم الجيد). ويحق للشعب الفنلندي أن يفتخر بما آلت إليه حالهم بمثل هذا التوجه.
بل إن دولة صغيرة بحجم سنغافورة وصلت إلى مصاف الدول المتقدمة بذات التوجه بعد استقلالها. كما يذكر ذلك صانع الحضارة - بعد الله - لي كوان في محاضرة شهيرة له ألقاها في السعودية، للحديث حول الإصلاح التعليمي في بلاده، كأهم عنصر لتحقيق التنمية الاقتصادية، مشيراً إلى أن التعليم لا يعني بناء مدارس، ولكن توفير مدرسين أكفاء ذوي مهارات عالية، وتعليم الطلاب مهارات حرفية تساعدهم على كسب القوت مثل الحدادة، والطلاء، وقال (ورثنا خليطاً من المدارس بعضها يعلّم الإنجليزية، والبعض يعلّم باللغة الصينية، أو المالاوية، أو الهندية، ولم نحاول تغيير ما وجدناه أو فرض لغة معينة، ولكن السوق هو الذي حدد النمط التعليمي الأفضل)، وأضاف: (لا تهم اللغة التي تتقنها، بل الكفاءة التي تتمتع بها). ا.هـ. كلمات لها أبعاد يجب الوقوف عندها وتأملها.
إن مما يؤسف له عندنا وداخل أروقة التربية والتعليم عدم النظرة الشمولية التي من خلالها يتبيّن حيوية هذه الوزارة وارتباطها بكل بيت وفي كل شأن فتكرر قرارات تفرض ثم تنقض لهو مؤشر غير صحي لوزارة بهذا الحجم ولها ارتباط بهذا الكم من الأفراد. وكثيراً ما نردد تناقض ما لنا إلا السكوت له!!
إننا كثيراً ما نعزي أنفسنا بأن تلك فترة تنسب بخيرها ونقصها للوزير السابق فالعزاء بالوزير الجديد ولكن ما تلبث تلك الطموحات والآمال أن تزول ونعيش المآسي تلو المآسي. ولن نيأس أو نقنط فالمأمول من وزيرنا الجديد أن يكون ناقلاً معتمداً لمسيرة التعليم والثبات في البرامج والقرارات المدروسة. من حيث المواعيد وتواريخ بدء الدراسة والإجازة وأن يستشار في القرارات من هم في الميدان لا أن يكونوا هم آخر من يعلم.
ولعلي أختم بقولي إن كل دولة تهتم بالتعليم وتعلي من شأن المعلمين وتحميهم من كل عابث وساخر وحاسد جنباً إلى جنب مع اهتمامها بالصحة فإن لها شاناً عظيماً بين الأمم والعكس بالعكس.
وإحقاقاً للحق فإن الدولة لم تأل جهداً في هذا المجال ولكن يبقى الدور على وزارتنا الموقرة.
عزيزي القارئ.. إن توالي تلك الأخبار عن الاعتداء على المعلمين دون تعليق من وزارتنا إن ذلك زمان ولّى وسيكون القادم أحلى وأجمل وأروع لنا كمعلمين وما ذلك على الله بعزيز. ولعل بوادر ذلك قد رأت النور من خلال اعتماد إدارة إعلامية متخصصة لرفع الوعي لدى منسوبي الوزارة ودفع ما يوصفون به من عيوب وتجاهل لدورهم التربوي لا أن تكون كغيرها من الإدارات التي تكتفي بجمع شتات ما يكتبه الكتَّاب على اختلاف مشاربهم وتنوّع في مقاصدهم.
yhaay@hotmail.com