في اللقاء الممتع الذي أجراه الأستاذ محمد السيف مع الدكتور صالح العمير نائب وزير المالية سابقاً على صفحات جريدة (الاقتصادية) جاء فيه: (طوال فترة دراسة صالح العمير في أمريكا كان الملحق التعليمي فيها هو الشيخ عبدالعزيز المحمد المنقور، الذي عمل ملحقاً تعليمياً في أمريكا خلال الفترة (1961 - 1977) يقول الدكتور صالح في اللقاء: (كنا كطلبة محظوظين جداً بوجود الشيخ عبدالعزيز هناك، فقد كان حريصاً علينا ومتابعاً لنا، ويحل ما يعترض الطلبة من مشكلات شخصية أو أكاديمية ويتابع بدقة النشاط الدراسي والأكاديمي للطلبة ويسافر من ولاية إلى أخرى ليزور الطلبة ويشجعهم ويحثهم على الاجتهاد، كما أن بساطته وتواضعه سهلا على الطلبة الشيء الكثير. بالفعل لقد كان الجندي المجهول، وأتمنى منك مقابلته ومحاورته، فلديه الشيء الكثير مما يستحق أن يروى ويقال).
كل من عاصر الشيخ عبدالعزيز المنقور - أمد الله في عمره - حينما كان ملحقاً تعليمياً في الولايات المتحدة، يتحدث عنه، وعن تفانيه، وإخلاصه، بما يستحق الكتابة والتدوين؛ ولا سيما أن من أشرف على تعليمهم هناك هم من صنع التنمية فيما بعد. ولا أدري - بالمناسبة - لماذا يتفادى جيل الرواد لدينا تسجيل تجاربهم وتوثيقها. كتابة مثل هذه التجارب من شأنه أن يشكل في نهاية المطاف ثقافة تنموية (تراكمية)، ستستفيد منها الأجيال، بما يسهم في إثراء التجربة التنموية الوطنية، ويجعل الخلف على اطلاع كاف بتجارب السلف. ويخطئ من يظن أن كتابة السير الذاتية ضرب من ضروب تلميع الذات التي ينأى عنها الكبار. حياة الرواد الذين أسهموا في صناعة التنمية، بمفهومها الشامل، ليست ملكاً لهم، وإنما ملكاً للوطن؛ وأجد أن من تأدية (الأمانة) التي اضطلعوا بها عندما قبلوا تحمل مسؤوليات مناصبهم، أن يسجلوا تجاربهم بعد التقاعد؛ هذه آخر حقوقنا عليهم.
كانت فترة الشيخ المنقور التي أشرف فيها على الطلبة المبتعثين إلى أمريكا ذات طبع تاريخي مهم؛ فقد كان الطالب السعودي المبتعث إلى أمريكا يأتيها خالي الوفاض تقريباً إلا من التعليم الرسمي الذي كان يتلقاه في المملكة في مراحل التعليم الثانوي، أو من خلال التعليم الجامعي بالنسبة لطلاب التعليم العالي، إضافة إلى الثقافة التي كان يلتقطها الطلبة من مدرسيهم العرب، أو مما يصلهم من الصحافة المصرية واللبنانية، أو ما تلتقطه أسماعهم من الإذاعات العربية. كان (المد القومي) في الستينات وفي بداية السبعينات هو الثقافة المسيطرة على الطيف الثقافي، ليس في المملكة فحسب وإنما في كل أرجاء العالم العربي، وكذلك لدى الجاليات العربية في أوروبا وأمريكا، وكان هذا المد هو المتحكم أيضاً بتوجهات الطلبة العرب في أمريكا. وفي هذه الأثناء مُني العرب بهزيمة 67م؛ هذه الهزيمة كانت بمثابة حجر الزاوية لما جاء بعدها من أحداث وتقلبات ثقافية عميقة ما زلنا نعايش انعكاساتها. آنذاك كانت (منظمة الطلبة العرب) هي المنظمة شبه الوحيدة المسيطرة على توجيه الطلبة السعوديين، وصناعة توجهاتهم السياسية. وقد انخرط فيها، وتشبع بثقافتها، كثير من الطلبة السعوديين، الذين عملوا بعد عودتهم للوطن في صناعة التنمية. ولن يتحدث عن هذه الفترة، وعن هذه المنظمة، أفضل من عبدالعزيز المنقور. ربما أن الحديث عن هذه الفترة في الماضي يكتنفه بعض الحساسيات، أما اليوم، وفي ظل الحرية الصحفية والثقافية التي نعايشها، أعتقد أن بالإمكان الحديث بقدر أوسع من الحرية؛ فضلاً عن أن شهادة المنقور ستصب في إثراء تاريخ الابتعاث، الذي هو جزء مهم ومفصلي من مسيرة التعليم والتنمية البشرية في البلاد. إلى اللقاء