ما رأيك لو ننسى الإبداع والتكنولوجيا لبعض الوقت. إن الناس لم يتعلموا حتى الآن كيف يستخدمون التقنيات التي نمتلكها بالفعل. لقد أمضيت العديد من ساعات فراغي طيلة الشهر الماضي في محاولة التأقلم على استخدام برنامج جديد للبريد الإلكتروني، بعد أن تحولت عن استخدام برنامج إيدورا Eudora على جهاز الحاسب الشخصي PC إلى استخدام برنامج أبل ميل AppleMail على جهاز ماك Mac.
كان ذلك تحدياً كبيراً، ولكن ما أريد أن أتحدث عنه حقاً هو كل الرسائل التي وجدتها في صندوق بريدي الإلكتروني: لماذا لا تزال هناك؟
فلنتصور معاً أنني وكيل لشخص ربما تحاول التواصل معه عن طريق البريد الإلكتروني وإقناعه بالعمل على تقديمك لطرف ثالث، أو تحديد موعد، أو استثمار بعض المال، أو غير ذلك.
رغم أنني أرد على العديد من رسائل البريد الإلكتروني على الفور، إلا أنني وجدت نحو 400 رسالة معلمة باعتبارها (مقروءة) ولكنني لم أرد عليها. أجل، لابد أن أكون أكثر مواظبة... ولكن ما السمة المشتركة في هذه الرسائل والتي جعلتها تتعرض للإهمال الطويل في صندوق بريدي الإلكتروني؟ ربما تجد الأسباب التي سأذكرها لك مفيدة باعتبارها قائمة بأمور يتعين عليك ألا تفعلها.
أولاً، ربما ينقص هذه الرسائل سطر الموضوع. (وهو سطر أساسي، ولكن بعض الناس ينسون إضافة موضوع الرسالة في الخانة المخصصة لذلك). وهذا يجعل نسيان هذه الرسالة أمراً سهلاً، أو قد تعتبرها حتى من البريد غير المرغوب فيه.
أو ربما يكون الموضوع المذكور بلا معنى، مثل (رسالة من خوان). أنا أعرف ذلك بالفعل. أو على الأقل أعرف ذلك إذا كان للمرسل عنوان رد صحيح، أو إذا ذكر المرسل اسمه بالكامل، مثل آليس هاينز وليس آليس فقط. فمن المحتمل أنني أعرف أكثر من آليس واحدة.
أو قد يكتب المرسل في موضوع الرسالة عبارة مثل (رسالة إلى استير). أنا أعرف ذلك أيضاً. وربما كان بوسع المرسل أن يقول (رسالة إلى الرئيس أوباما) إذا كان مشاركاً في رسالة مفتوحة، ولكن عدا ذلك...
إن أفضل سطور المواضيع لابد وأن يذكر الغرض من الرسالة وأن يشير إلى الاستجابة المطلوبة، مثل: (دعوة إلى إلقاء كلمة في باريس في 14 يوليو-تموز). أو (اقتراح استثماري نرجو أن تنظر إليه بعين الاعتبار).
من المؤسف أن العديد من الرسائل يصلني تحت عنوان (تحديث). فما لم أكن أعرف اسم الشخص صاحب الرسالة فقد لا أعرف حتى عن أي شركة تتحدث الرسالة. وبالنسبة لي فإن (تحديث) تعني (اقرأ في وقت لاحق).
غير أن رسائل التحديث هذه تنتهي عادة بسؤال: (نحن نتطلع إلى عقد اجتماعنا التالي في شهر يوليو-تموز. هل ستكون متاحاً؟). قد أتوقف عن استكمال قراءة الرسالة في كثير من الأحيان... ربما لو قال منتصف يوليو-تموز، لكن الأمر أقرب إلى العقل. من المهم أن تذكر في بداية الرسالة ماذا تريد بالتحديد؛ وبهذا تنال بعض الفرصة للحصول على طلبك.
هناك العديد من خطايا البريد الإلكتروني. من المفيد أن أعرف ماذا تريد، ولكن تذكر أنك عليك أن تفكر حقاً في كيفية تحفيز قارئ الرسالة. ولنأخذ هذا المثال المألوف: آليس تسألني (هل يمكنك تقديمي إلى خوان تايجر من فضلك؟).
بالتأكيد، يسعدني هذا، ولكن لماذا؟ حتى لو كنت أعرف السبب، وقد أعرفه أو لا أعرفه، فكان من الواجب على آليس أن تيسر عليّ الأمر. ما الذي يمنعها من ذِكر مقدمة سريعة؟
عزيزتي استير،
(أرجو أن تمرري هذه الرسالة إلى خوان تايجر؟ أنا من أشد المعجبين بفكرة HotNewThing، وأنا أعلم أنهم يحتاجون إلى مدير تسويق جديد. والواقع أن خبرتي كمديرة تسويق لصالح TiredOldThing تجعل مني مرشحة مثالية لهذه الوظيفة. فقد أضفيت على TiredOldThing مسحة التقليدية والقيمة، كما ساعدت في بيع الشركة في مقابل عشرين مليون دولار. والآن أود أن أخوض تحدياً جديداً وأن أساعد في إظهار ميزة الإبداع والحداثة في فكرة HotNewThing. لديّ أفكار عديدة عن استراتيجية HotNewThing في التعامل مع ZippyNewThing، وأود لو أحصل على الفرصة لمناقشة هذه الأفكار مع خوان. ويسعدني أن أرسل سيرتي الذاتية عند الطلب).
لا مشكلة! فما عليّ إلا أن أنقر على أمر تحويل الرسالة ثم أبحث عن عنوان البريد الإلكتروني لخوان، ثم أضيق تعليقاً موجزاً وأنقر على أمر الإرسال.
ولكن في أغلب الأحيان تلقي مثل هذه الرسائل بكل العمل عليّ. فلابد أن أحاول تذكر القصص التي أخبرتني بها آليس، وأن أتصور المهارات التي قد تكون ذات صلة بالمشاكل التي يواجهها خوان، وأن أرسل إليه مذكرة. لذا فمن الطبيعي في مثل هذه الأحوال أن أترك الرسالة وأنتقل إلى غيرها. أو ربما أرد على آليس سائلة إياها أن ترسل إليّ فقرة أو فقرتين لتفسير مرادها - ثم أفقد حماسي للمشروع. ليس الأمر أنني شريرة أو كسولة، بل إن الحقيقة هي أن أربعمائة رسالة أخرى تنتظر اهتمامي.
من بين الطلبات الأخرى التي لا تحوز على اهتمامي المباشر السؤال الثاني في رسالة يطلب صاحبها شيئين. فبمجرد انتهائي من التعامل مع الطلب الأول، أميل إلى نسيان أو تأجيل الطلب الثاني. كان من الأجدر بالمرسل أن يبعث لي برسالتين، حتى يصبح بوسعي التعامل مع كل منهما على حِدة.
فضلاً عن ذلك فأنا لا أقرأ كل الملحقات ولا أتبع كل الروابط، ما لم يكن نص الرسالة مثير للاهتمام حقاً. فأولاً، قد لا أكون متصلة بشبكة الإنترنت، وقد لا أتمكن حتى من فتح الملحقات أو اتباع الروابط. وثانياً، في هذه الأيام التي استشرى فيها البريد غير المرغوب والبرامج الخبيثة فليس من المأمون أن تفتح الملحقات التي لا تتوقعها. وإذا ما وصلتني رسالة بريد إلكتروني من شخص لا أعرفه تقول (اقرأ هذا من فضلك)، فأنا أحذفها بكل بساطة.
وأخيراً، أنا مشغولة! فحين أجد أربعين رسالة بعد عودتي من رحلة طويلة أو في الصباح، فلك أن تتخيل ما لن أفعله. بالطبع لن أنقر على رابط يدعوني إلى زيارة موقع على شبكة الإنترنت أو إلى مشاهدة عرضٍ ما.
لذا، أرجو أن تكون رسالتي واضحة. إن الأمر الرئيسي الذي يتعين علينا أن نفكر فيه حين نبعث برسالة على البريد الإلكتروني ليس الرسالة التي نرسلها، بل الرسالة التي يتلقاها المتلقي. هل ستكون ملحوظة وبارزة في بحر من الرسائل؟ وهل ستنجح في تحفيز قارئها على اتخاذ الإجراء الذي نرغبه؟
حين تقرأ هذا فقد تعتبرني شخصية كسولة مشتتة ولا أكلف نفسي عناء مساعدة الناس. ولكن هدفك لا ينبغي أن يكون إصلاحي أو إصلاح غيري من أمثالي. بل لابد وأن يتلخص هدفك في أن تساعدنا في الرد على رسائلك على الفور. وكلما يسرت الأمور كلما أصبحت أقرب إلى الحصول على الاستجابة التي تريدها.
استير دايسون رئيسة شركة EDventure القابضة، وهي مستثمرة نشطة في مجموعة متنوعة من المشاريع الناشئة في مختلف أنحاء العالم. ومن بين اهتماماتها تكنولوجيا المعلومات والرعاية الصحية والطيران الخاص والسفر إلى الفضاء.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2009
www.project-syndicate.org
خاص بـ «الجزيرة»