فرحتي غامرة هذه الأيام. والسبب ليس البث التلفازي الرقمي الذي أصبح إجباريا في أمريكا، ولكن السبب هو أن أطباق الالتقاط التي تملأ سطوحات وأحواش منازلنا ستصبح في خبر كان.
أمريكا تقود العالم في كل شيء ولا سيما التقنية، وما يحدث فيها يعطي المؤشر لما سيحدث فيما بعد بأرجاء الدنيا. الناس، كعادتهم، انشغلوا بما يحتويه خبر انتقال أمريكا بالكامل للبث الرقمي، وفرحوا بأن عهدا جديدا من الصورة النقية والصوت الرقمي الباهر قد انفتح، كما فرحوا بأن الخطوة تمهد لخطوات جبارة أخرى مثل التلفزيون التفاعلي، وهو ما سيمكن الناس من (زحلقة) البرامج المملة في قنواتهم المفضلة، والهروب لبرامج يختارونها مباشرة في نفس القناة فتكون خلال لحظات طوع بنانهم!!
آخرون فرحوا لأن المسافة بين التلفزيون والإنترنت ستنكمش وتذوب، فالأجهزة المحمولة من كمبيوترات وهواتف جوال ستصبح أكثر قدرة على التقاط القنوات التلفازية، وستتسع رقعة التسوق عبر شاشة التلفاز، وسيصبح المتلقي شريكا أساسيا في توجيه برامج التلفزة بل والتحكم في تفاصيلها!
طبعا مصانع الأطباق اللاقطة سيعتريها الفزع؛ لأن التلفزيونات ستكون إما مزودة في داخلها بخاصية الالتقاط للبث الرقمي، أو سيكفيها الارتباط من خلال سلك بجهاز صغير يقوم مقام الدش.
كما أن الكثير من العاملين في نشاط الأطباق اللاقطة سيبحثون من الآن عن مجالات جديدة لأكل العيش، في حين سيرتاح أهل التلفزيونات من تحكم العمال الذين يأخذون الأموال الطائلة لتركيب الدش وضبط قنواته.
لكن الأثر الأكبر للبث الرقمي أنه سيزيد من عزلتنا عما حولنا. فلقد كنا من قبل نجتمع حول المسلسل الواحد، ونتابع برامج محددة، ونتقاسم المعرفة المشتركة، فأصبحت القنوات بالمئات، والمذيعون والمذيعات بالآلاف، والمطربون بالملايين، وتشتت جمعنا ليغرق كل واحد في عالمه التلفزيوني الخاص.
والآن البث الرقمي سيزيد حتما من هذا الانكفاء على عوالمنا الذاتية، وسنغرق في جوالاتنا، وسنتمتع، ربما، بأجواء الخصوصية، لكننا سنفقد الكثير من متعة المشاركة مع الآخرين.
المهم أن (الدش) سيتوارى عن منازلنا، فنصبح أكثر قدرة على الاستمتاع بالسطوح والحوش، وهذا ما يشعرني بالرحابة.. في زمان لا يعرف سوى الضيق والزحام!
Shatarabi@hotmail.com