لا أذكر أنني قد سمعت خطيباً أو واعظاً دينياً سواء عبر الفضائيات أو وسائل الإعلام المختلفة أو من خلال المنابر أو الملتقيات، وهو يحث الشباب على الانخراط في المعاهد المهنية، أو التخصصات العلمية التي تخرج لنا الطبيب والمهندس والصيدلي والجيولوجي وغيره، فكل المواعظ والخطب تصب في أقنية الاستعداد ليوم الرحيل، والإعداد للجهاد، والدعاء على أصحاب الديانات الأخرى.
هذا الخطاب (الوعظي) الذي يتجاهل حاجة المسلمين إلى العمل العلمي المبدع في شتى التخصصات الحياتية والذي عن طريقه يمكننا منافسة الأمم، ودحر من أراد بنا شراً، والمساهمة في إسعاد البشرية.. هو أحد معوقات الإبداع العلمي لدينا.
نحن بحاجة إلى (وعاظ) يدعون إلى الحياة، والعمل، وعمارة الأرض، ومجارات الأمم الأخرى في ميادين الطب والهندسة والابتكارات العلمية الخلاقة.. فالدين الإسلامي ليس دين تخلف، ولا هو في حالة عداء مع العلم، ولا أحسبه يطالب أتباعه بأن يتخلوا عن كل شيء ويتقوقعوا على أنفسهم في انتظار (ملك الموت) ليقبض أرواحهم دون أن يقدموا للبشرية أي شيء؛ فخير للمسلم الحق أن يأتيه الموت وهو (يغرس شجرة) لإسعاد الناس من أن يأتيه وهو خاوي الوفاض إلا من ذنوبه!
علينا كوعاظ، وخطباء، ومعلمين أن نشير إلى أهمية التمسك بالدين، وأنه - أي الدين الإسلامي - دين يدعو إلى العمل والإبداع، والمساهمة الفاعلة في المنجز العلمي الإنساني.
إن الخطاب الإسلامي - في تقديري - والمتكئ على آراء فقهية ينبغي أن يتجدد، ويتطور، آخذاً في الاعتبار المتغيرات التي طرأت على بنية المجتمع، والتحولات الحياتية، والأوضاع المزرية للعالم الإسلامي اليوم؛ ودون المساس بمرتكزات العقيدة، وثوابت الشرع الحنيف. وينبغي أن نتذكر أن أقصى ابتكراتنا العلمية التي لم نزل نفخر بها في ماضينا التليد هي ساعة (هارون الرشيد) والتي أهداها إلى (شارلمان)، ولو افترضنا جدلاً بأن ذلك الماضي البعيد كان حافلاً بالابتكارات العلمية، والنظريات الفلسفية والرياضية.. فإن ذلك لا يشفع لنا بوضعنا الحاضر الذي نحتل فيه (ذيل) الأمم المتحضرة بل هي مسؤوليتنا جميعاً حكومات وشعوباً ومؤسسات المجتمع المدني.
وإني لأعجب من هؤلاء الذين يصرون على أننا في حالة عداء مع الغرب والشرق، وأنهم أعداء يضمرون لنا الشر المستطير.. وينسون أننا أمة لا تشكل هماً أو معضلة لأحد لأننا ببساطة أمة ضعيفة، بائسة، غير منتجة، بل نحن مجرد (أفواه) شرهة تبتلع ما ينتجه الغرب (الكافر) أو الشرق (البوذي).
إذن فنحن لسنا في حالة تنافس مع أحد إلا مع أنفسنا؛ لأن التنافس بين الأمم لا يكون إلا من خلال المنافسة العلمية والاقتصادية والفكرية.
علينا كأمة خالدة ذات رسالة سماوية أشاعت النور في كل أرجاء العالم أن نتنبه إلى أن طريق التقدم والارتقاء والمنافسة يكمن في قدراتنا العلمية المتركزة على قيمنا الدينية. فالإسلام دين يحترم العلم، ويدعو إلى التقدم، وحب الحياة لا كما يصوره أعداء الحياة، ومعتنقوا ثقافة الموت والدمار بأنه دين يتعلق بالآخرة فقط. ولنتذكر أن الأمم تبنى بالإيمان والعمل لا بالأمنيات، والتقوقع في انتظار (ملك الموت) الذي هو قادم لا محالة، وخير للمرء أن يموت تاركاً من خلفه أعمالاً صالحة فيها سعادة البشرية.. بدلاً أن يموت كما يموت (البعير) فلا نامت أعين الجبناء! أريد أن أقول في النهاية: الويل كل الويل لأمة تأكل خبزها من قمح الآخرين، وتقاتل أعداءها بسلاح من صنع الآخرين.
إلى الله نشكو ضعفنا، وقلة حيلتنا، وهواننا!!
ALASSERY@HOTMAIL.COM