استكمالاً للتقرير السابق فإن التركيز الآن على إبراز أهم العقبات التي تواجه الشراكات والتعاون البحثي للجامعات، إن هناك العديد من العقبات والمشكلات التي تواجه المبادرات الناجحة لتفعيل وظيفة معظم الجامعات في بلادنا وهي وظيفة البحث العلمي .
وخدمة المجتمع وحتى تلك التي أشرت إليها من مشاركات بارزة وفاعلة مع المجتمع وهي على سبيل المثال جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وجامعة الملك سعود وجامعة الملك عبدالعزيز فإن الشراكات والتعاون ربما لا تمثل الطموحات والمستوى المأمول، ولعلي أرصد ما يلي من العقبات والصعوبات التي تواجه الشراكات الفاعلة والشاملة:
أولاً: العقبات المالية والإدارية والنظامية:
والمقصود بها هي اللوائح التي تحكم وتنظم العمل داخل الجامعات ومعاهد البحوث وترسم لها السياسات العامة - والتي جرى آخر تحديث لها في عام 1419هـ أي قبل حوالي أحد عشر عاماً - وما تشتمل عليه لائحة البحث العلمي في الجامعات السعودية فيها كثير من القصور وعدم متابعة التطورات الاقتصادية والفكرية المحلية والعالمية بل وبها الكثير من عدم المرونة.
1- ضعف المكافآت والمخصصات المالية للبحث العلمي:
فلا تزال المكافآت تسنها اللوائح والمخصصة للباحثين الرئيسيين ومساعديهم والفنيين ومن يقوم على مساعدة أعضاء فريق البحث العلمي ضعيفة بل وتعتبر رمزية.
2- كثرة الإجراءات الروتينية الموجودة في اللائحة فيما يخص الطباعة والنشر والتأليف وغيرها:
وبالنسبة للطباعة والنشر والتأليف والأعمال الإبداعية والفكرية فليست ببعيدة عن القيود المالية ويمكن التحقق من ذلك من خلال القراءة والتمعن في بقية بنود اللائحة وللإنصاف فلابد من الإشارة إلى أن هناك تحديثاً لهذه البنود يجرى حالياً وفقاً لدراسات ومستجدات ملحة وبما سمعناه من مصدر موثوق في وزارة التعلم العالي فإنها مجزية ومغرية للباحثين.
3- غياب ما يشير إلى التعاون والشراكات بين الجامعات والجهات الخارجية ضمن بنود اللائحة فلم يرد ضمن اللوائح والقواعد ما يشير إلى العقود والشراكات والتعاون بالنسبة للجامعات مع القطاع الخاص والشركات فلم يرد ضمن اللوائح والقواعد ما يشير إلى ذلك وقد يكون ذلك من مصلحة الجامعات التي تستفيد من هذه الثغرة البيروقراطية فتنفذ إلى لزوم ما يلزم وما يدفع بالبحث العلمي وحاجة الجامعة إلى رحاب أوسع وأفضل وقد استفادت بعض الجامعات من هذه المرونة أو الثغرة وبادرت بعقودها وفعلت علاقاتها مع المجتمع.
4- ضعف الثقافة والاتجاه الإيجابي نحو البحث العلمي داخل الكادر المالي والإداري للجامعات، وإن العقلية الروتينية للإداريين سواء الذين يعملون في قيادة الجامعة (الإدارة العليا) أو الشؤون المالية بالجامعات أو أولئك الذين يعملون ضمن منظومة البحث في معاهد ومراكز وعمادات البحث العلمي بالجامعات والذين لا يدركون القيمة الحقيقية والمهمة للبحث العلمي وضرورة إنجاز المشاريع والمعاملات البحثية بسرعة فائقة وعدم إدخال الباحثين ورؤساء الفرق والعقود البحثية في متاهات العمل الروتينية والورقية والتي تعيق أي مشروع أو توقف مواضع بحثية لها ارتباط بالأعمال الإدارية سواء كان ذلك يتعلق بتواقيع أو ارتباطات مالية أو تعبئة نماذج معينة أو إنهاء مستخلصات أو عهد أو توقيت رفع الموازنات والحصول عليها أو غيرها. مما يجعل الكثير يتوقفون حتى عند مجرد الحديث عن الانخراط أو التقدم بمشاريع بحثية - ولذا فإن بعض المسؤولين عن البحث العلمي في بعض الجامعات وتسهيلاً على الباحثين وتحفيزاً لهم يلجؤون لكسر وتحاشي هذه العقبات أو التحايل على الأنظمة بطريقة أو بأخرى.
وتعتبر تلك العقبات الإدارية المقيدة باللوائح التي أقرها مجلس التعليم العالي تعيق إلى حد كبير إسهامات ومشاركات الأساتذة والباحثين الذين يرغبون ولديهم القدرة والاستعداد لتفعيل وظيفتهم وأحد أهم أدوارهم الأساسية وهو البحث العلمي.
ثانياً: العقبات المهارية والفنية:
في هذا المجال يمكن تقسيم هذه العقبات إلى:
1) نقص مهارات البحث العلمي لدى الأساتذة.
إن كثيراً من الأكاديميين وأساتذة الجامعات الطامحين للانخراط في البحث العلمي سواء كان ذلك بحكم مستلزمات الترقي العلمي أو كان ذلك بهدف تحقيق وإشباع الميول والاهتمامات والمسؤوليات الشخصية والوطنية والعلمية، يفتقرون إلى المهارات البحثية الكافية لإجراء البحوث والمشاركة فيها وبخاصة تلك التي تتطلب مهارات معقدة في المنهج والتصميم والبحث أو مهارات التحليل الإحصائي أو كتابة التقارير أو مهارات الحاسب الآلي والبحث في شبكة قواعد المعلومات العنكبوتية.
فكثير من الباحثين الذين أنهوا رسائلهم للدكتوراه وتم تعيينهم أعضاء هيئة تدريس بالجامعات ليس لديهم المعرفة الكافية بأصول ومهارات البحث العلمي وبخاصة تلك البحوث التي تتطلب المشاركة مع فرق بحثية في مشاريع بحثية سواء كانت في المجالات العلمية البحثية والتطبيقية أو الهندسية أو الطبية أو تلك النظرية التي تتطلب تحقيق مخطوطات تراثية أو المشاركة في تأليف موسوعات أو ترجمات لكتب ومؤلفات قيمة أو عمل مشاريع بحثية في المجالات التربوية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية وهكذا. إن مجرد الحصول على شهادة الدكتوراه لا يكفي لتأهيل صاحبها بأن يكون باحثاً فما بالنا بباحث أصيل ومبتكر. إن البحث العلمي علم وفن ومهنة ولذا نجد أن الكثير من الإخفاق في المشاركة في البحوث أو عدم إتقانها أو التردد في المشاركة فيها يعود إلى نقص المعرفة العلمية والمهارات البحثية لدى الكثير من أستاذة الجامعات والكوادر المؤهلة فيها لكي تقوم بالأبحاث العلمية لنفسها ولجامعاتها ولمجتمعها.
2) الأعباء التدريسية والإدارية الضاغطة على الأساتذة والمؤهلين للقيام بالأبحاث:
إن الأنصبة التدريسية التي يتطلب من أعضاء هيئة التدريس القيام بها بالإضافة إلى بعض المهام الإدارية غير الضرورية والتي تشكل ضغطاً على معظم هيئة التدريس تحول إلى حد كبير التفرغ للبحث العلمي والمشاركة بدرجة كافية. وهذه الأنصبة شكلت عبئاً نفسياً إضافياً على المؤهلين للبحث العلمي من القيام بما هم مؤهلون له.
3) نقص الكوادر الفنية والفنية المساعدة:
وتشمل هذه الكوادر مساعدي الباحثين من فنيين ومساعدي فنيين في مختبرات أو معامل أو نساخ أو مشغلي أجهزة أو خلافهم، وهناك نقص واضح ومعترف به لدى كثير من المسؤولين في مراكز ومعاهد البحث العلمي بالجامعات بل وفي مؤسسات البحث العلمي بصفة عامة في هذه الفئة، وهذه الفئة من المهنيين تؤثر تأثيراً كبيراً وسلبياً سواء في مساعدة الباحثين في جمع المعلومات أو تحليل المواد أو تشغيل المعامل والمختبرات أو صيانتها أو طباعة التقارير أو الأبحاث وخلافها. وربما يكون أحد أسباب هذا النقص أو القصور في هذه الفئة جوانب إدارية ومالية واتجاهات مجتمعية ساهمت وتساهم في قلة إعداد هؤلاء الملتحقين بهذه الفئة بل ونقص كفاءة المتواجدين فيها وترتب على ذلك قلة المشاريع والبرامج البحثية الداخلية بالجامعات فضلاً عن تلك التي تقوم على خدمة المجتمع وترتبط بشراكات معه. فالباحثون أفراداً وفرقاً لا تستطيع أن تقوم وتنفذ مشاريعها بدون مساعدي الباحثين والفنيين والفنيين المساعدين كما هو الحال مع الجراحين والأطباء الذين لا يستطيعون أن يجروا عملياتهم بدون أطباء التخدير والممرضين وغيرهم.
4) ضعف الإيمان بأدوار الجامعات المحلية ومراكزها البحثية من قبل الشركات والقطاع الخاص:
إن هذا الاتجاه السلبي نحو الكفاءات المحلية والكوادر البحثية المتاحة في الجامعات ممثلة بمراكزها البحثية وعلمائها سمة اجتماعية متوارثة نسبياً ومتوائمة مع المقولة (عقدة الخواجة). فبالرغم من أن كثيراً من جامعاتنا ومعاهدنا العليا قد خطت خطوات متقدمة ورائدة في مجال البحث العلمي وتوفر لديها العقول العلمية العالية التي تحتضنها والتي لا تقل شأناً عن مثيلاتها في الدول الغربية، إلا أن الإيمان بالتعاقد والاعتماد على تلك التي توجد في الغرب هي السمة الغالبة للشركات والمصانع ومؤسسات القطاع الخاص مع العلم بأن الخبرات والاستشارات التي قدمتها بعض الجامعات مثل جامعة الملك فهد للبترول والمعادن للشركات وللمصانع عبر سنين طويلة وحالياً ما تقدمه جامعة الملك سعود والملك عبدالعزيز من نماذج مشرفة من عقود شراكات وتعاون مع كثير من المؤسسات والوزارات والشركات والأفراد في مجال البحوث المختلفة والكراسي البحثية والشراكات المختلفة يستوجب إعادة النظر وتغيير الاتجاهات لإعطاء الثقة وترجمة المواطنة إلى الشراكة العلمية والبحثية الفعلية مع الجامعات ومؤسسات البحث العلمي وبخاصة الجامعات التي بدأت تعيد تأهيل نفسها وتطور مفاهيمها وبنيتها التحتية للقيام بوظائفها الحقيقية بجودة وإتقان.
5) غياب الجهات التنسيقية بين مراكز البحث العلمي وبين الشركات والقطاع الخاص:
إن ما يتم من عقود وشراكات بين بعض الجامعات والمراكز البحثية وبين الشركات والوزارات والقطاع الخاص إنما يأتي ذلك في كثير من حالاته بمبادرات شخصية من أي من الطرفين أو بطلبات مسبقة أو بتنسيق فردي من جهة معينة وفي كثير من دول العالم هناك وزارات خاصة بالبحث العلمي أو قطاع كبير من وزارات التعليم العالي تتضمن البحث العلمي في اسمها ووظيفتها ومن مهامها الرئيسية رسم السياسات البحثية بين الجامعات ممثلة في مراكزها ومعاهدها البحثية وبين الشركات والمؤسسات في القطاع الأهلي والخاص ومتابعتها وتقنيتها والعمل على تجسير الفجوة بين هذه الجهات وتسهيل الحواجز وتذليل العقبات في سبيل قيام الشركات الحقيقية والفعلية وإذابة الإجراءات الروتينية والرسمية في هذا المجال.
ZOZMSH@HOTMAIL.COM