Al Jazirah NewsPaper Monday  22/06/2009 G Issue 13416
الأثنين 29 جمادىالآخرة 1430   العدد  13416
الشرق الأوسط يتحرك
يوشكا فيشر

 

إن الخُطَب العصماء كثيراً ما يُبخس قدرها ويُستهان بشأنها باعتبارها مجرد كلام رنان.. لكنها في الحقيقة قد تخلف عواقب بالغة الأثر.. وهذه بكل وضوح حال الخطاب الذي ألقاه الرئيس باراك أوباما من القاهرة مؤخراً، فالأمور في الشرق الأوسط كانت في تغيُّر مستمر منذ ذلك الحين - سواء كان ذلك راجعاً إلى التوقيت الممتاز أو الصدفة المحضة.

فمنذ خطاب أوباما في القاهرة، عُقِدت الانتخابات في لبنان، حيث ولدهشة الجميع، سجَّل تحالف الأحزاب الموالية للغرب انتصاراً واضحاً ضد حزب الله وحلفائه.

ومن الجدير بالإشارة هنا أيضاً أن الطرف الخاسر في هذه الانتخابات تقبَّل الخسارة على الفور وأن سوريا الآن جادة بشأن بناء علاقة جديدة وثيقة مع لبنان.

كما شهدت الانتخابات الإيرانية الأخيرة تلاعباً صارخاً لصالح الرئيس الحالي، الأمر الذي حرض على اندلاع انتفاضة جماهيرية.. وما يدهشني أن حكومة إيران لم تبادر إلى اختيار الشفافية على الفور، وذلك من خلال عرض الحقائق بشكل عاجل وشامل بشأن عملية التصويت، وهي الحقائق التي لا يمتلكها غيرها.. وفي كل الأحوال، فإذا كان الرئيس محمود أحمدي نجاد قد فاز حقاً بهامش اثنين إلى واحد، فليس هناك ما تخشاه الحكومة.. غير أن ما يحدث الآن هو العكس تماماً، وليس لهذا سوى تفسير واحد: ألا وهو أن الانتخابات زوّرت.

لقد تسبب تزوير الانتخابات في إيران في انطلاق حركة جماهيرية في مختلف مدن البلاد، وهذه الحركة سوف تؤدي في النهاية إلى إحداث تغيير جوهري.. فإما أن يلجأ النظام إلى القوة الغاشمة لقمع الاحتجاجات، فيتخلى بالتالي عن أي ادعاء بالديمقراطية الشرعية لصالح دكتاتورية عسكرية تفرض نفسها بحكم الأمر الواقع، وإما أن يكتشف استحالة إلحاق الهزيمة بجني الديمقراطية المدمر وإعادته إلى القمقم، فتنفتح إيران بالتدريج على العالم وتصلح من شأنها.. وفي حالة وقوع أعمال قمع عنيفة فسوف يجد الغرب صعوبة كبيرة في عقد محادثات مع إيران بشأن برنامجها النووي، وذلك لأن النظام لن يتمكن من حماية فرصه في البقاء إلا بالاعتماد على العزلة والمواجهة مع العالم الخارجي.. فضلاً عن ذلك فإن الدخول في محادثات مع النظام من شأنه أن يثير مشاكل ضخمة متعلقة بالشرعية في الغرب.

وبعيداً عن أمور السياسة الداخلية ومسألة الحرية الداخلية، فإن الاختيار بين المرشحين الرئيسين يتوقف على الإجابة على هذا التساؤل: هل يتعيَّن على إيران أن تسعى إلى تحقيق قدر أعظم من التكامل الدولي؟ إن أحمدي نجاد يمثل سياسة المواجهة والعزلة الجزئية.. أما موسوي فيمثل المزيد من الانفتاح.. ومن ثَم فإن سياسة الانفتاح من شأنها أن تهدد قدرة النظام على البقاء.

إذا كانت الغلبة لأحمدي نجاد في النهاية، فإن معضلة الغرب سوف تتلخص في اضطراره إلى التعامل مع نظام فقدَ مصداقيته بتزوير الانتخابات، ولكنه يظل يُشكّل أهمية كبرى فيما يتصل بحل الأغلبية العظمى من المشاكل المهمة التي يعاني منها الشرق الأوسط: البرنامج النووي لدى إيران ذاتها، والصراعات في أفغانستان وباكستان والعراق ولبنان وفلسطين.. كما تُشكِّل إيران لاعباً رئيساً في تهدئة بؤر التوتر في القوقاز وآسيا الوسطى.

إن النظام الإيراني الذي يضطر إلى استعراض قوته الخارجية حتى يتمكن من البقاء رغم شرعيته المنهارة في الداخل من شأنه أن يجعل التوصل إلى التسوية الشاملة من خلال التفاوض، والتي يسعى إليها الغرب، أكثر صعوبة وأشد خطورة، إن لم يكن مستحيلاً.

كما بدأت الأمور في التحرك في منطقة ثالثة: الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين.. إن أوباما يناصر حل الدولتين، ولكن خلافاً للرئيسين بل كلينتون وجورج دبليو بوش، فهو لم يؤجل التعامل مع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى نهاية ولايته الثانية في المنصب.. بل لقد بادر أوباما إلى مواجهة القضية بصورة مباشرة منذ البداية.. وهو أيضاً لا يخشى الدخول في صراع محدود مع حكومة إسرائيل بشأن مستوطنات الضفة الغربية.

بَيْد أن الظروف الواجب توفرها لإجراء مفاوضات جادة للتوصل إلى حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني ليست جيدة على الإطلاق، وذلك نظراً للافتقار إلى الشركاء على كل من الجانبين.. فقد التزم رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو الآن بإقامة دولة فلسطينية، أما قيادات حماس التي ترفض حق إسرائيل في الوجود فقد وافقت على إقامة دولة فلسطينية على حدود ما قبل الخامس من يونيو - حزيران 1967غير أن الشروط التي سوف يطالب كل من الطرفين الآخر بتلبيتها من شأنها أن تشكك في صدق التزام الطرفين بحل الدولتين.

بَيْد أن إنهاء توسع المستوطنات ليس بالغاية التي قد يتمكن من تحقيقها سوى حكومة مؤلفة من اليمين الإسرائيلي، وحماس وحدها هي القادرة على وقف العنف ضد إسرائيل.. والحقيقة أن هاتين المسألتين - المستوطنات والأمن - لا بد وأن يكون السعي إلى حلهما متزامناً وعملياً إن كنا راغبين في استئناف عملية السلام.

وإذا كان أوباما راغباً في إحراز تقدم حقيقي في هذا الصراع، فسوف يكون لزاماً عليه أن يحمل حكومة نتنياهو وحماس على الجلوس إلى مائدة التفاوض.. قد يبدو هذا مستحيلاً من منظور الظروف القائمة اليوم، ولكن المظاهر خدَّاعة.. ذلك أن استئناف المفاوضات سوف يصبح أمراً ممكناً إذا نجح كل من الطرفين - إسرائيل والفلسطينيين - في تشكيل حكومة وحدة وطنية من جانبه.

إن التغيُّر المستمر الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط اليوم يُشكّل حالة شديدة التضارب والتباين، وذلك لأن الموقف قد يتحسن، أو قد يتدهور (وهو الاحتمال الأرجح) في أي وقت.. لكن هناك أمراً واحداً مؤكداً: إذا ما استمر المأزق الراهن، فإن الوضع سوف يتفاقم سوءاً.. لذا فمن الحكمة أن نخوض المجازفة التي يتطلبها التغيير الآن.

وزير خارجية ألمانيا ونائب مستشارها أثناء الفترة من 1998 إلى 2005م.
خاص «الجزيرة»



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد