يتفق الجميع على أن نقل معارف الأمم الأخرى من خلال ترجمة ثرواتهم الفكرية والعلمية عامل أساس في نهضة أي أمة.
ومن المعلوم أن نهضة أوروبا العلمية الحاضرة استفادت كثيراً من معارف وعلوم العرب وهم أنفسهم يعترفون بذلك.
ابن سينا والفارابي والرازي وغيرهم كثير ساهموا بشكل أو بآخر في هذه النهضة العلمية للإنسانية جمعاء، ولا أحد من الغرب ينكر فضل العقول العربية والإسلامية على الحضارة الإنسانية، وإن كان بعض أبناء العرب والمسلمين (للأسف) يحاولون التقليل من تأثيرنا في هذه الحضارة..!!
واليوم وأنا أقرأ لمسؤول في مكتبة الملك فهد الوطنية، حيث أشار إلى أن جميع ما ترجم حتى الآن لا يتجاوز 2200 كتاب..! وقبله قرأت تصريحاً لمسؤول في جمعية الترجمة أشار إلى أن جميع ما ترجم منذ توحيد المملكة وحتى الآن فقط 1260 كتاباً..!! وسواء كان الرقم الأول أو الثاني فإن الرقم متواضع جداً ولا يمكن أن يكون مقبولاً لدولة لديها من الإمكانات المادية والعلمية الشيء الكثير، إن لم تخنِّ الذاكرة فإن إسبانيا تترجم سنوياً ما يربو على 2000 كتاب أي ما قمنا بترجمته خلال قرن من الزمن..!!
وإن أردنا الإنصاف فإننا سنقول إن نهضتنا العلمية والتعليمية قد لا تحسب إلا مع بداية التوحيد أي منذ أكثر من سبعين سنة وفي كلتا الحالتين فالوضع غير مشرف أبداً.
إن أكثر الكتب قراءةً في كل المجتمعات هي الكتب المترجمة، وما ذلك إلا لما تحمله من معارف ذات أهمية بالغة، سواء كانت كتباً ثقافية أو علمية.
وإذا كنا فعلاً نريد الرقي بمجتمعنا على كل الأصعدة فإنه من الأهمية بمكان أن نهتم بالترجمة وأن تكون ترجمة منتقاة ذات أهداف واضحة، لا ترجمة الغث من أفكار الآخرين، ولا أن تكون ترجمة ركيكة كما هي بعض الكتب المترجمة من بعض الجهات التجارية في مجال الإدارة والأعمال.
في التاسع من شوال 1427 صدرت موافقة مجلس إدارة مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بإنشاء جائزة عالمية للترجمة من اللغة العربية وإليها باسم (جائزة خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة) ومقرها مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض وهي جائزة تقديرية عالمية تمنح سنوياً للأعمال المتميزة، والجهود البارزة في مجال الترجمة، وهذا عمل تُشكر عليه مكتبة الملك عبدالعزيز وينظر له على أنه جهد سيؤتي ثماراً يانعة للأمة جمعاء.
ولكن المأمول أن يكون هناك جائزة خاصة بالترجمة من اللغات الأجنبية إلى العربية، فهذا ما نحن في حاجة ماسة إليه وهو الذي ستستفيد منه أمتنا في ثرائها الثقافي وإنتاجها العلمي.
لا أقلل من أهمية نقل تراثنا وثقافتنا للأمم الأخرى ولكني أرى أننا أكثر فقراً من الغرب في هذا المجال، ولذا فالمأمول تركيز الجهود للترجمة من اللغات الأجنبية إلى العربية، لعلنا نرقى بالأجيال القادمة في تفكيرها وإبداعها.
إن المشاريع الحقيقية التي تبقى بل وتزداد رسوخاً مع الزمن هي المشاريع العلمية القائمة على أساس متين من حيث التأسيس والمتابعة، بل إن نفع مثل هذه المشاريع متعد وممتد لقرون قادمة.
ومن أجل أن تبقى هذه المشاريع والجوائز دون تأثر بالتقلبات الاقتصادية فإنه من الضروري جعل أوقاف دائمة لهذه المشاريع والجوائز فذلك حري باستمرارها بل ونموها، وما مشاريع جامعة الملك سعود التي بدأت بداية مشجعة إلا خير دليل على أن الناس لديهم الاستعداد للبذل في هذا الاتجاه.