الثورات دائماً ما توقد في أتون البحث عن العدالة وتزكية الأخلاق، غير أنها وفي كثير من تجارب التاريخ السياسي (الثورجي) تتعثّر في خيبة أمل المصالح الشعبية للمواطن البسيط، وإيران الثورة اليوم تشهد انقساماً حاداً لا تحده فقط حدود الصراع السياسي التقليدي في ميدان الثورة بين مرشحيْ الرئاسة (نجاد وموسوي)، بل يتجاوزه إلى ميدان مصالح الشعب الإيراني نفسه، فلغة الثورة المتواصلة التي خلقت مناخاً من الريب والشك لدى المجتمع الدولي وخصوصاً دول الجوار، باتت تخلق ذات الشك والإحباط في داخل حدودها، فالمجتمع الإيراني الذي يمثل الشباب أكثر من ثلث السكان فيه، لم يَعُد يستطيع تحمل أعباء الثورة والهدر المالي الضخم خارج الحدود لمجرّد استمرار ضجيجها دون مكاسب حقيقية تعود عليه بالنفع، فالبطالة والجوع وسوء الخدمات باتت اليوم أكثر مؤشرات أداء الثورة أهمية في عقول وقلوب الشباب والفتيات الذين سئموا التمايز عن العالم والانعزال عن التفاعل معه سوى بخطابات نجاد التهديدية، كما أنّ الصورة اليوم باتت أكثر وضوحاً في نواظر شباب إيران الذين شهدوا كيف قفزت زانة الثورة على خطاب اللعن والطرد للشيطان الأكبر ليتحوّل إلى شريك في تصفية شياطين أصغر منه. هذا الانقسام الشعبي داخل إيران لم يقتصر على مناصري موسوي الذين يشكِّل الشباب السواد الأعظم منهم، بل تجاوزه إلى عقر دار قم (عاصمة المراجع الدينية) بين مؤيد لإعادة النظر في فرز نتائج الانتخابات ومؤيد لنصرها المبارك، هذا الانقسام المرجعي يعيد إلى الذاكرة انقسام الثورة الأول بين الخميني ومرجع التقليد الشيخ حسين علي منتظري الذي كان ينظر إلى الحفاظ على مكتسبات الثورة بخفض صوتها المشاغب وتأطير علاقات إيران بناءً على المصالح لا الأماني والأحلام.
ما تشهده الأرض الإيرانية اليوم من غضب وفوضى يمكن النظر إليه من زاوية الرفض التام لثقافة الثورة التي يدعمها نجاد، وولاية الفقيه التي أعلن مرشدها الروحي قبل الانتخابات أنّ انتصار نجاد في الانتخابات عيد لإيران! واختيار يوم أمس وإعلانه يوماً للحداد من قِبل المكلوم بالانتخابات موسوي وشباب إيران الغاضب، يمكن تفسيرها في سياق الرفض لعيد خامنئي الذي زفّه للإيرانيين رغم اختلاف المبرّرات بينهم وبين مرشحهم المغلوب على أمره!
****