احتدم النقاش في الولايات المتحدة الأميركية حول مديونية البطاقات الائتمانية وانعكاساتها المتوقعة على القطاع المالي؛ هناك تخوف كبير من أن تخلق البطاقات الائتمانية أزمة مالية جديدة تقوض الإصلاحات الاقتصادية الأميركية. عندما تعتمد الشعوب على بطاقات الائتمان كوسيلة لشراء السلع والخدمات، وتعمل ماكينة الدعاية التسويقية على إرغام المستهلكين على الشراء، ويتغلغل مسوقو البنوك في المجتمعات بحثاً عمن يرغب في اقتناء البطاقة الائتمانية المجانية، تصبح النتائج وخيمة، ولا شك معظم الشعب الأميركي يعاني في الوقت الحالي من أقساط البطاقات الائتمانية ورسومها وفوائدها القاتلة. الوضع غير المريح دفع الرئيس الأمريكي باراك أوباما للتوقيع على قانون يضع قيوداً مشددة على قدرة شركات بطاقات الائتمان الأمريكية على زيادة الرسوم ورفع سعر الفائدة، حماية لمستخدمي البطاقات من أي رسوم غير متوقعة أو زيادة في نسبة الفائدة. التدخل الأميركي قد يفيد إلى حد ما، إلا أنه لا يمكن أن يصل إلى مرحلة متقدمة من معالجة مشكلة المديونية التي توشك أن تعصف ببعض الشركات، و المصارف الأميركية في حال بقي الوضع الاقتصادي الأميركي دون تحسن. أشرنا في أكثر من موقع إلى خطورة البطاقات الائتمانية على حامليها، ممن لا يحسنون استخدامها وفقاً لدخولهم الشهرية، أو أولئك الذين يستخدمونها كقروض سريعة لمعالجة أوضاعهم الطارئة ما يجعلهم مرتهنين لأقساطها القاتلة التي ربما عجزوا عنها فاضطروا لسداد الحد الأدنى من القسط الذي يمثل الفوائد المستحقة لا المبلغ المُقَتَرض.
خطورة البطاقات الائتمانية ارتدت على البنوك، والشركات المصدرة. القطاع المالي الأميركي ربما كان القطاع الأكثر تأثراً بالأزمة، إلا أن خطورتها تجاوزت الحدود وبدأت في الظهور وسط مجتمعات بعيدة ومتفرقة.
أطلق السيد ديفيد مارتن، المستشار التجاري ببنك رأس الخيمة الوطني، تصريحات صحفية ذكر فيها: أن ما يصل إلى 2500 عميل يغادرون الإمارات العربية المتحدة شهرياً دون سداد فواتير بطاقاتهم الائتمانية، وأضاف: إن دراسة أجراها البنك خلصت إلى أن بنوك الإمارات شهدت مغادرة 1500 إلى 2500 عميل شهرياً في الستة شهور الماضية بدون دفع الديون المستحقة عليهم.
ما يحدث في الإمارات العربية المتحدة قد يحدث في دول الخليج الأخرى التي تشكل الأيدي العاملة الأجنبية فيها نسبة كبيرة من عدد السكان. المملكة العربية السعودية الأكثر استقداماً للأيدي العاملة الأجنبية في الخليج، وربما كانت الأكثر تضرراً من أية تداعيات مستقبلية قد تحدث بسبب البطاقات الائتمانية أو القروض الشخصية.
سياسة إصدار البطاقات الإئتمانية، والقروض الشخصية الحالية في حاجة إلى مراجعة دقيقة، كما أن مديونية بعض القوى البشرية غير السعودية ربما كانت من القروض المسمومة التي لا يمكن تحصيلها في حال السفر، خاصة وأن أنظمة السفر المحلية لا تضمن بقاء المدين حتى انتهاء مديونيته، أو سداده المبكر.
كي لا نُتهم بالعنصرية، نقول إن نسبة لا يستهان بها من السعوديين ينطبق عليهم ما ينطبق على إخواننا القادمين من الخارج. الإسراف في استخدام البطاقات الائتمانية يؤدي بالكثير منهم إلى العجز عن السداد والتعثر. سياسة البنوك الإغراقية ذات العلاقة ببطاقات الإئتمان تدفع بالمجتمع إلى حافة الهاوية، وربما تسببت في تكبدها خسائر فادحة نتيجة الديون المشطوبة. بعد انخفاض أسعار الإقراض، وخفض المؤسسة لسعر الريبو العكسي، أصبحت البنوك مرغمة بالبحث عن قنوات تمويلية أكثر ربحية، وهي لن تجد أكثر أفضل من بطاقات الائتمان التي تحقق أسعار فائدة سنوية بحدود 22 في المائة. نحن على مشارف الصيف، ولن أتفاجأ بحملات إعلان البنوك الإغراقية المحركة لعواطف البشر لا عقولهم. الإعلان عن سحوبات على سيارات فارهة، ومكافآت نقدية، ورحلات خارجية، وقروض مجانية هو المدخل الرئيس لتسويق الكم الأكبر من البطاقات، وإرغام حامليها على استخدامها بشراهة بغية الفوز بالجائزة الكبرى التي ربما تحولت إلى قيود حديدية تكبل أيدي مستخدميها!!. لا أستبعد أن تكون القناة الأكثر ربحية للبنوك -بطاقات الإئتمان- سببا في تكبد البنوك خسائر فادحة في المستقبل القريب إذا لم تتعامل مع أزمة البطاقات الائتمانية بمسؤولية، وحكمة وذكاء، ومزيداً من التحوط. المجتمع المنتج يكسب ويساعد البنوك على الكسب، في الوقت الذي يُدَمّر فيه المجتمع الاستهلاكي مكوناته البشرية، والمالية الاقتصادية بالإفراط وسوء التدبير.