د. حسن الشقطي
11 هو رقم مميز للوسطاء الحقيقيين الذين يديرون عمليات الوساطة في سوق الأسهم.. ومنذ أكثر من عام ونصف قامت الدنيا وقعدت تكيل الاتهامات للبنوك المحلية بلعب أدوار مزدوجة كوسيط ومقرض ومستثمر في سوق الأسهم، ووصلت الاتهامات إلى حد التشكيك في استغلالها هذه الازدواجية لخدمة مصالحها الذاتية كبنوك.. وعندها قامت هيئة السوق المالية بتدارس الوضع، وصدرت بالفعل لائحة تنفيذية تنظم وتقنن طبيعة وكيفية عمل الأشخاص المرخص لهم، وحينها ساد التفاؤل بانقضاء عهد سيطرة البنوك على أدوار مزدوجة تسبب بعض القلق لدى المتداولين والمراقبين للسوق.. ولكن كيف هو الحال بعد انقضاء أكثر من عام على صدور اللائحة الجديدة للأشخاص المرخص لهم؟ هل انتهى عهد سيطرة البنوك وازدواجيتها في سوق الأسهم؟
لكي نجيب على هذا السؤال، ينبغي التعرف على مدى التوسع في عدد الأشخاص المرخص لهم، وحدود مشاركة كل منهم من عملية التداول، ثم السعي لتحديد دور ونصيب البنوك فيها. نعتمد في هذا السياق على تقرير شهر مايو لتوزيع قيمة التداول على الوسطاء، وهو التقرير الصادر عن شركة تداول، كما يتضح من جدول (1) والذي يوضح أن القيم المعنوية أو المهمة للتداول قد حصلت عليها 11 شركة مالية، ولكن الأمر المستغرب أن هذه الشركات جميعها تنتمي للبنوك المحلية، أو أن هذه الشركات هي شركات مالية مستقلة أنشأتها البنوك كشركات متخصصة في أعمال الوساطة في ضوء اللائحة الجديدة للأشخاص المرخص لهم.. هذه الشركات الـ 11 حصلت على نصيب وصل إلى 96.8% من إجمالي قيمة التداول في السوق، في حين حصلت الشركات الخمس وعشرون المتبقية على نسبة 3.2%.. بل إنه من المفارقات أن أياً من شركات الوساطة المالية خارج نطاق البنوك لم تتمكن من الحصول على نسبة 1% من قيمة التداول، بل إن ما يناهز 10 شركات منها لم تصل نسبة مشاركتها في السوق إلى 0.01%.. أي أن نسبة مشاركتها في قيمة التداول كانت تعادل الصفر تقريباً.. فما هي الأسباب وراء هذه المشاركة الزهيدة للوسطاء الجدد؟ هل عدم إقبال من المتداولين على الوسطاء من غير البنوك أم اختلافات في مستويات العمولة؟ أم قدرات فائقة تمتلكها البنوك ولا يمتلكها سواها؟
لسوء حظ هؤلاء الوسطاء الجدد أن السبب هو خليط من كافة هذه المسببات، فالشركات الجديدة غير التابعة للبنوك لا تمتلك القدرة على إدارة مباشرة لحسابات الوساطة لأنها ليست بنوكاً، كما أن قدرتها على طرح تخفيضات على نسب العمولة تعتبر متدنية؛ لأن كثيراً منها يعمل عند نقاط التعادل ويتحمل تكاليف ثابتة عالية ولا توجد لديها أنشطة متنوعة تمارسها تقلص من مستويات تحميل هذه التكاليف الثابتة، فهي ترغب في تحميل نسب مرتفعة من تكاليفها الثابتة على عملائها خلافاً عن الشركات التابعة للبنوك التي تتمكن من خلال تبعيتها للبنوك في تحميل أجزاء كبيرة من تكاليفها الثابتة لأنشطة أخرى.
ولكن الوسطاء الجدد خارج نطاق البنوك ليسوا 25 وسيطاً فقط، بل وصل عددهم إلى 102 وسيط (العدد الإجمالي المرخص لهم هو 113 وسيط حتى الآن)، فأين هم؟ ولماذا لم يدخلوا إلى مرحلة التشغيل حتى الآن؟ بالطبع هناك فرق بين المرخص له والعامل فعلاً، وعدد منهم لم يدخل وفي اعتقادي لن يدخل للسوق، كما أن حتى أولئك العاملون الحاليون عددهم منهم مؤهل للخروج منه إذا استمر الوضع الحالي على ما هو عليه.. فكيف يمكن حماية هؤلاء الوسطاء والحفاظ على النظام الجديد؟ وهل ذلك يتطلب حتما ضمانات لعدم تبعية شركات البنوك لبنوكها؟ إن أخطر ما في الأمر هو ما يمكن أن يترتب على فشل عدد كبير من هؤلاء الوسطاء الجدد، وهو توجههم إلى الأسواق الإقليمية المحيطة، وبالتالي ما يترتب عليه من استنزاف للموارد المحلية.
محلل اقتصادي