Al Jazirah NewsPaper Saturday  20/06/2009 G Issue 13414
السبت 27 جمادىالآخرة 1430   العدد  13414
في ذكرى البيعة
الملك عبدالله... اختصار التنمية في أربع سنوات

 

الجزيرة - فضل بن سعد البوعينين:

تمضي السنون، وتبقى الإنجازات شاهدة على حسن العمل. تُقاس الأمم بتقدمها وحضارتها وإرثها الثابت الذي يمكن أن يكون منارة إشعاع للآخرين. وهل هناك أعظم من الحضارة الإسلامية، في أرض الحرمين التي انطلقت منها بشائر الهدى لتُضيء الدُجى بمصابيح النور المضيء، وبشائر الخير الوفير.

نحن اليوم أمام حضارة جديدة تستمد قوتها من الحضارة الإسلامية التي وجهت لخدمة الإسلام والمسلمين، والعالم بأسره. حضارة بدأ في رسم خطوطها العريضة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز. إستراتيجية متكاملة تهدف إلى إحداث نقلة حضارية تقود المملكة إلى مصاف الدول المتقدمة. إستراتيجية تقوم على الثوابت الدينية، وتتطلع للاستفادة من خبرات الآخرين ممن حققوا النجاح بعد أن نهلوا من معين الحضارة الإسلامية الأولى. لا عجب أن تكون مكة والمدينة بداية غرس شجرة التطوير المثمرة. إستراتيجية تطوير مكة المكرمة، ونقلها إلى مصاف المدن المتطورة بخطط طموحة ورؤية شاملة تجمع بين روحانية المكان، وعظمة المقدسات، وشموخ البنيان الراسخ الذي تستحقه المدينة، وسكانها وزائروها من الحجاج والمعتمرين. رعاية المدينة المقدسة، وزائريها، صيانة لثوابت الأمة، وتعظيماً لمقدساتها، وهل هناك أعظم من خدمة الحجاج والمعتمرين ليؤدوا نسكهم بروحانية وسلام؟.

خلال أربع سنوات مضت، جعل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، التنمية هاجسه الأول، فنجح في تحقيق أهداف كثيرة في مدة زمنية قصيرة. اختصر الملك عبدالله الزمن في تنمية الوطن فجاءت النتائج مذهلة، وأينعت الثمار قبل وقت قطافها. وازن الملك عبدالله بين التنمية والقيم الدينية، فلا خير في تنمية تقوض من أركان الثوابت التي لا يمكن الحياد عنها مهما كانت الظروف.

حققت المملكة خلال أربع سنوات إنجازات ضخمة في المجالات السياسية، الاقتصادية، الصحية، الاجتماعية، العمرانية، والتعليمية، وغيرها من المجالات الأخرى. حرص الملك عبدالله على سن القوانين، الأنظمة، وبناء دولة المؤسسات، وأحدث تغييرات جذرية في القضاء، التعليم، والشؤون الإدارية الأخرى.

أولى الملك عبدالله عناية خاصة للاقتصاد، على أساس أنه أحد أهم جوانب الحياة، ومن خلاله تتحقق قوة الأمم، وكفايتها، ومستوى رفاهيتها، بل ربما يكون الأهم على أساس أنه المعين بعد الله سبحانه وتعالى في توفير الموارد التي يمكن من خلالها تحقيق خطط البناء والتنمية في مجالات الحياة، ومن هذا المنطلق نجد أن خام الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يتعامل بحرفية وكفاءة مع كل ماله علاقة بالاقتصاد الوطني من أجل بناء الوطن والمواطن، وتحقيق تنمية الفرد والمجتمع بالرغم من الأزمة الاقتصادية العالمية.

أثبتت الأشهر الماضية قدرته الفائقة على إدارة الأزمات الاقتصادية بحنكة وأناة، وبقلب مشفق محب لمواطنيه، حريص على مصالحهم ومهتم بالتخفيف عنهم. كشفت الأزمة الاقتصادية العالمية عن سريرة الملك المحب لشعبه، الباذل للخير، المعين على الإصلاح من أجل مصلحة البشرية، والشعوب الفقيرة على وجه الخصوص.

الأزمة الاقتصادية العالمية قد تكون الباب الذي نلج منه إلى جانب مهم من إنجازات الملك عبدالله بن عبدالعزيز في ذكرى البيعة المباركة. تُرى كيف تعاملت المملكة مع الأزمة العالمية، وكيف استطاعت زيادة الإنفاق الحكومي، على الرغم من انهيار أسعار النفط، وبالتالي الاستمرار في تنفيذ مشروعات التنمية؟.

خطاب الشورى.. شفافية الموقف

لم تكن الأزمة الاقتصادية العالمية مفاجئة لكثير من الباحثين والمراقبين، والعاملين في قطاعات المال والاستثمار، فكثير من المختصين توقع حدوثها منذ زمن، بل هناك من توقع تفاصيلها الدقيقة ومراحل تطورها، ومصدرها الرئيس. إلا أن الحقيقة أن غالبية المختصين والمتنبئين بحدوث الأزمة لم يتوقعوا حجم الدمار الذي خلفته الأزمة الاقتصادية. قطعاً هناك الكثير من بارونات المال والاقتصاد في الولايات المتحدة الأمريكية كانوا على علم تام بسوء الوضع المالي الذي يعيشه القطاع المصرفي، شركات الاستثمار، والبنوك الاستثمارية على وجه الخصوص.

الأزمة المالية حدثت بسبب أزمة الرهون العقارية التي تفجرت مطلع العام 2007م حين فشل ملايين المقترضين لشراء المنازل والعقارات في الولايات المتحدة الأمريكية من تسديد ديونهم. ونتيجة لذلك التعثر تعرض القطاع المالي الأمريكي إلى هزة عنيفة امتدت في فترة زمنية بسيطة إلى قطاعات الاقتصاد الأمريكي. ثم امتدت بعد ذلك لتصل اقتصادات أوربا، وآسيا متسببة في سقوط كثير من المصارف والمؤسسات العالمية الضخمة.

حاولت أمريكا والدول الأوربية معالجة الموقف من خلال ضخ مئات المليارات من الدولارات في الأسواق المالية العالمية إلا أن خطط الإنقاذ لم تفلح، فزادت الأوضاع سوءاً، وتعمقت الأزمة، وأصبحت أزمة اقتصادية عالمية شاملة ذكرت العالم بأزمة (الكساد العظيم) في ثلاثينيات القرن الماضي.

شهر سبتمبر العام 2008م كان شهراً دامياً للأسواق العالمية، وكشف عن الترابط الوثيق بين اقتصاديات العالم. فالأزمة المالية ضربت السوق الأمريكية إلا أن تداعياتها أصابت جميع الدول دون استثناء، وهو ما أرغم الدول الصناعية الكبرى على الدخول بقوة لمعالجة الأزمة، وحماية اقتصادها بالدرجة الأولى. لم تفلح خطط الإنقاذ رغم مئات المليارات المنفقة والتي تحولت، فيما بعد، إلى تريليونات، في وقف تداعيات الأزمة.

السعودية جزء من العالم، تؤثر وتتأثر بمكوناته الأساسية، ولا يمكن القول بعدم تأثرها بالأزمة الاقتصادية العالمية، على أساس أن تداعيات الأزمة لم تترك جزءاً في العالم دون تأثير. إلا أن السياسات الاقتصادية المتحفظة نسبياً، والتخطيط السليم للتعامل مع ميزانيات الأعوام الخمسة الماضية وفوائضها المالية، ساعد في تخفيف تداعيات الأزمة محلياً.

تحدث خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عن الأزمة العالمية في خطابه الذي ألقاه أمام مجلس الشورى بقوله: (شهد العالم في الأشهر الأخيرة أزمة مالية حادة أعقبها صدمات اقتصادية عنيفة عاني منها الجميع. ولم تكن بلادكم بمنأى عن التداعيات الاقتصادية للأزمة المالية العالمية. لذا باركت حكومتكم الجهود الدولية الرامية لمواجهة هذه الأزمة المالية، وضمن هذا التوجه شاركنا في اجتماع قمة العشرين الاقتصادية في واشنطن في الولايات المتحدة الأمريكية بغية احتواء الأزمة المالية والتقليل من آثارها على الشعوب. ولقد كشفت هذه الأزمة عن بعض الجوانب السلبية، وعن الخلل الملحوظ في الرقابة على القطاعات المالية خصوصاً في المراكز المالية العالمية مما أدى إلى الانتشار السريع للأزمة وتفشي آثارها. كما أظهرت الأزمة أنه لا يمكن الاعتماد على آلية السوق في مفهومها التقليدي لتحقيق الاستقرار المالي العالمي مما أوجد حاجة ماسة لتطوير مؤسسات وأنظمة للرقابة على القطاعات المالية العالمية.

لقد انتهت مرحلة من مراحل النظام الاقتصادي والمالي العالمي وبدأت مرحلة جديدة تتشكل ونأمل أن تتسم هذه المرحلة بالضوابط الموضوعية التي تحقق الاستقرار المالي، والأمن الاقتصادي، والرفاه الاجتماعي لشعوب العالم. ومما يبعث على التفاؤل في الخروج من الأزمة الراهنة توفر الإرادة السياسية لقادة دول العالم - خصوصاً الدول المؤثرة في الاقتصاد العالمي - لاحتواء هذه الأزمة والحد من آثارها وما تم اتخاذه من إجراءات مالية دولية غير مسبوقة يعزز الثقة والاطمئنان في الخروج من هذه الأزمة ومن ثم استقرار أسواق المال العالمية وعودة النمو للاقتصاديات الدولية. ولقد ركزنا في رؤيتنا للأزمة المالية على أهمية أن تقوم الدول المانحة والمؤسسات المالية الدولية بمسؤولياتها الخاصة تجاه الدول النامية وبخاصة الفقيرة منها والتي عانت أكثر من غيرها من آثار الأزمة).

قوة الاقتصاد السعودي ومتانته، وارتفاع معدلات النمو فيه، وملاءة الدولة المالية، وتمتعها باحتياطيات ضخمة من العملات الأجنبية، وقوة القطاع المصرفي وملاءته المميزة وكفاءة الرقابة المصرفية على البنوك، ساعدت، بفضل الله وبركته، على حماية الاقتصاد المحلي من آثار الأزمة العالمية المدمرة، وجعلت منه الملاذ الآمن للاستثمارات الداخلية والخارجية.

السياسة الحكيمة التي انتهجها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في إدارة موارد الدولة، وبناء الاحتياطيات المالية الضخمة، وتخفيض الدين العام، وزيادة معدلات الإنفاق الحكومي على التنمية، مشروعات البنية التحتية على وجه الخصوص، ساعد في تخفيف آثار الأزمة العالمية على الاقتصاد الوطني، فمرت بسلام، إلا من بعض التداعيات المقبولة في مثل هذه الأزمات الحادة.

القطاع المصرفي.. شهادة نجاح

أثبت القطاع المصرفي السعودي قدرته على تجاوز الأزمة العالمية في فترة زمنية قصيرة، وأثبت أيضاً أنه الملاذ الآمن للودائع والاستثمارات. إجراءات الحماية الرسمية، وأسلوب إدارة الأزمة فيما يتعلق بالقطاع المصرفي، أثمرت عن نتائج مميزة حمت، بفضل الله، المصارف السعودية مما تعرضت له القطاعات المصرفية العالمية. ولعلنا نشير إلى ترؤس خادم الحرمين الشريفين مجلس الاقتصاد الأعلى التي خصصت لمناقشة الأزمة العالمية وانعكاساتها على الاقتصاد السعودي. وتأكيدات الملك عبدالله على أن: (الاقتصاد السعودي يمر في الوقت الحاضر بمرحلة ازدهار ترتفع فيها معدلات النمو والاستثمار في قطاعات الاقتصاد المختلفة، وأن مسيرة التنمية مستمرة. وبالرغم من عالمية الأزمة فإن أثرها في اقتصاد المملكة سيكون محدوداً - بإذن الله - بسبب النهضة الاقتصادية المحلية التي تعيشها المملكة، وسلامة الوضع المالي للبنوك المحلية).

تركيز المجلس الاقتصادي الأعلى على القطاع المصرفي الذي تمر في شرايينه جميع عمليات الاقتصاد، وهو القطاع الذي تعتمد عليه القطاعات الاقتصادية الأخرى، وفي سلامته سلامة القطاعات دون تحفظ، إنما هو تركيز شامل على جميع القطاعات الاقتصادية المعتمدة عليه.

قرارات المجلس الاقتصادي الأعلى التي نصت على قيام مؤسسة النقد العربي السعودي بالاستمرار في متابعة البنوك السعودية والحرص على سلامتها وتوفير السيولة اللازمة لها عند الحاجة. ومتابعة القيود الموضوعة على توفير السيولة للبنوك واستمرار الحكومة في ضمان سلامة المصارف المحلية، والودائع المصرفية أدت إلى زيادة الثقة بالقطاع المصرفي، وضمنت دوران السيولة في قطاعات الاقتصاد، والحؤول دون تعرضها للنقص، أو القصور في انسيابية الحركة. كما ساعدت في اتخاذ المؤسسة قرارات مؤثرة أدت إلى تجاوز البنوك تداعيات الأزمة العالمية خاصة فيما يتعلق بخفض سعر الإقراض، وخفض حجم ودائع البنوك النظامية لدى مؤسسة النقد. تلك الإجراءات انعكست على ربحية البنوك وقدرتها على الإقراض. على الرغم من شح السيولة العالمية فقد حقق الائتمان المصرفي العام 2009 نمواً ملحوظاً وهو ما يدل على استمرار النشاط الإقراضي وعدم تأثره بالأزمة العالمية.

قرارات المجلس الاقتصادي الأعلى، برئاسة خادم الحرمين الشريفين، أكدت الثقة بالقطاع المصرفي، وبالتالي الاقتصاد الكلي على أساس أن دعم هذا القطاع وتحقيقه مكاسب مالية يعني تحسناً متوقعاً في القطاعات الأخرى وزيادة في معدلات الثقة.

يمكن القول إن الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية هي أشد الأزمات العالمية منذ (الكساد الكبير)، ورغم التشاؤم الكبير بمستقبل العالم الاقتصادي، إلا أنه يعتقد أن تأثيرها على الاقتصاد السعودي كان محدوداً، بفضل الله وبركته، برغم انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية. ربما كانت العبرة في قدرة الاقتصاد على الخروج من عنق الأزمة وولوج منطقة الاستقرار ومن ثم تحقيق النمو.

الاقتصاد السعودي، قياسا بالخطوات المتخذة لمعالجة تداعيات الأزمة، ما زال في منطقة آمنة نسبيا، وباستطاعته البقاء كذلك ولو امتدت الأزمة، لا قدر الله، إلى ما بعد العام 2012م. الاحتياطات المالية الضخمة يمكن أن توفر للدولة موردا ثابتا وقت الأزمات، وهو أمر أستبعد الرجوع إليه خصوصاً مع ارتفاع أسعار النفط. فالعجز المتوقع في ميزانية العام الحالي يُعتقد بأنه سيتحول إلى فائض بإذن الله قياسا بمتوسط أسعار النفط، وحجم الإنتاج المحلي. وعلى اعتبار أن الصدمة الأولى في الأزمات عادة ما تكون الأعنف، والأكثر إرباكا، فيُفترض أن يكون النصف الثاني من العام 2009 أكثر استقرارا وانفراجا، وهو المتوقع بإذن الله.

قد تنخفض معدلات النمو عما كانت عليه، إلا أنه من المستبعد أن تتحول إلى نسب نمو سلبية، لا قدر الله، ويمكن قراءة بوادر المستقبل من خلال حجم الإنفاق الحكومي الذي أعلن عنه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في قمة العشرين وأكد عليه أكثر من مرة، المحدد بـ 400 مليار دولار للخمس سنوات القادمة، وهو مبلغ ضخم يضمن بإذن الله استمرار النمو، وزيادة الإنتاجية، والمساهمة في تنشيط حركة التجارة العالمية.

حكمة القائد واعتراف العالم

دفعت الأزمة الاقتصادية العالمية مجموعة العشرين لعقد قمتين في غضون ستة أشهر، الأولى في واشنطن، والأخرى في لندن. في القمتين كانت مشاركة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله لا فتة. أتت مشاركته، حفظه الله، في القمة للبحث في أسباب الأزمة العالمية وسبل معالجتها تتويجا للدور السعودي الرائد في تعاملها مع القضايا الدولية، وتأكيدا لقدراتها الاقتصادية المؤثرة. السعودية كانت وما زالت العامل المهم في استقرار أسواق النفط، وبرزت مؤخرا كواحدة من الدول الفاعلة في المساهمة بإصلاح النظام المالي العالمي.

عندما يزور رئيس وزراء بريطانيا غوردون براون السعودية بحثا عن دعم صندوق النقد الدولي، ودعم الاقتصاديات المتأثرة؛ ويسعى نائب وزير الخزانة الأمريكي روبرت كميت للحصول على تطمينات سعودية للمساهمة في الجهود الدولية المبذولة للسيطرة على الأزمة المالية فذاك يعني اعترافا دوليا بدورها الفاعل والمهم في الاقتصاد العالمي. القيادة الحكيمة، وتعاملها المسؤول مع صناعة النفط وأسواقها المتحكمة في معدلات النمو العالمية، متانة الاقتصاد، الملاءة المالية العالية، والثقة الدولية دفعت ساسة الغرب واقتصادييها، لاختيار المملكة هدفا رئيسا لجولاتهم المكوكية لإنجاح خطط الإنقاذ الدولية.

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وصفت مشاركة خادم الحرمين الشريفين في القمة الاقتصادية لمجموعة العشرين، بأنها (دليل واضح على الدور الكبير الذي تضطلع به السعودية اقتصاديا على المستوى العالمي ومساهمتها مع زعماء الدول الصناعية والغنية لإنهاء الأزمتين المالية والاقتصادية).

هناك ثقة عالمية بقدرات المملكة القيادية، وبمقدرتها على حلحلة الوضع المالي المتأزم؛ وقناعة تامة بأن الحلول الممكنة لإخراج الاقتصاديات المتأثرة من مرحلة الركود لا يمكن أن تتم بمعزل عن المشاركة السعودية. أسعار النفط، وضمان تدفق الإنتاج، والمحافظة على استقرار الأسواق العالمية هو العامل الأهم في عملية إنقاذ اقتصاديات العالم المتأثرة.

تصريحات رئيس الوزراء البريطاني غرودون براون قبيل قمة العشرين، وبعدها، أكدت على أهمية الدور الفاعل الذي يمكن أن يلعبه الملك عبدالله في خطط الإنقاذ. السيد بلير أشار إلى أن (الملك عبدالله مرحب به عالياً في القمة ونتطلع إلى الحديث معه حول المساهمات التي يمكننا مجتمعين عملها للاستقرار المالي ولنمو متعاظم في العالم وللمآزق التي يمر بها بعض من البلدان الأكثر فقراً في العالم)، وقال: (أنا أعلم أن الملك عبدالله سيكون له دور مهم وكامل في مناقشاتنا حول كل هذه المسائل).

قبل قمة لندن، كان الملك عبدالله قد تعهد من خلال خطابه الذي ألقاه في قمة العشرين التي عقدت في واشنطن بدعم الاقتصاد العالمي عن طريق ضخ 400 مليار دولار في الإنفاق الحكومي، على أساس أن الإنفاق الحكومي عادة ما يحفز من نمو الاقتصاد العالمي، إضافة إلى ما يشيعه من ثقة مستقبلية بالاقتصاد المحلي واستمرارية مشروعات التنمية.

أكد الملك عبدالله في خطابه أمام قمة واشنطن أن (العولمة وزيادة الاعتماد المتبادل بين الدول حتم وجود الدول الناشئة المهمة في عضوية المجموعة، ما يجعل دورها حيويا وضروريا في التصدي للقضايا الاقتصادية العالمية، حيث أثبتت خلال السنوات الماضية قدرتها على بناء التوافق بين الدول المتقدمة والناشئة، ومن ذلك المساهمة في دفع الإصلاحات في صندوق النقد الدولي، وفي تطبيق المعايير الدولية، وفي توفير نقاشات بناءة حيال التغيرات السكانية، وأمن الطاقة، والتجارة وغيرها من القضايا المهمة).

خطاب الملك عبدالله أكد على اهتمامه بالتنمية الاقتصادية في المملكة وتحريك عجلة الاقتصاد العالمي تفاديا لمراحل الركود الخطرة التي تنعكس سلبا على اقتصاديات العالم ومنها الاقتصاد السعودي. اهتمامه بالشأن الداخلي، وتنمية الاقتصاد لم ينسيه الاهتمام بفقراء العالم حيث أكد في خطابه على (ضرورة التزام الدول الغنية والكبرى بواجباتها تجاه الدول الفقيرة ومساعدة الدول النامية).

لم يكن للدول النامية دور يذكر في حدوث الأزمة العالمية، إلا أنها انكوت بنيرانها المحرقة. تجلى الدور السعودي الريادي في مواجهة تداعيات الأزمة بخطط داخلية وأخرى خارجية مشاركة مع أعضاء قمة العشرين. أثمرت الخطط الداخلية عن تحصين الاقتصاد السعودي من تداعيات الأزمة العالمية، وبخاصة القطاع المصرفي، ولم تخل الساحة من بعض التداعيات الأخرى التي لم يكن من الممكن تجاوزها لعظم الأزمة. ولكن يمكن القول إن التعامل الحذق أدى، بفضل الله وبركته، إلى تجاوز التداعيات الأضخم التي كان من الممكن أن تقضي على معظم الإنجازات، والإصلاحات الاقتصادية الرئيسة.

خادم الحرمين الشريفين..

لغة الافعال

بالرغم من الأزمة الاقتصادية الخانقة، وانهيار أسعار النفط من مستويات 140 دولاراً إلى ما يقرب من 40 دولاراً، ركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز على التنمية كخيار إستراتيجي، وحرص على استمرار مشروعاتها برغم الأزمة العالمية. كان للاحتياطات السعودية التي بنيت خلال السنوات الماضية دوراً بارزاً في هذا الشأن، على أساس أنه من المستحيل المغامرة بزيادة الإنفاق الحكومي بنسبة 36 على مشروعات التنمية في الوقت الذي تشهد فيه أسعار النفط انهياراً حاداً، يقابله خفض في الإنتاج، إضافة إلى تداعيات الأزمة الاقتصادية التي أثرت في قطاعات الإنتاج. لم يكن القرار هيناً، ومع ذلك اتخذه الملك عبدالله متوكلاً على الله، مستعيناً به. يمكن أن نستشف بعض أفكار الملك التنموية في خطابه الذي ألقاه أمام مجلس الشورى والذي جاء فيه:

(يحتل الشأن الوطني مكان الصدارة في اهتمام حكومتكم ومما يدعونا إلى الاطمئنان والتفاؤل بمستقبل مشرق لبلادكم هو ما يسود الوطن من أمن وأمان، وما يتحقق فيه من تنمية، وما يتمتع به المواطن السعودي من مستوى معيشة ورفاه. ورغم الأزمات المالية والاقتصادية الحادة التي حلت بالعالم وما خلفته من آثار ومنها انخفاض أسعار البترول في الأسواق العالمية إلى أسعار متدنية فقد التزمت حكومتكم بخططها التنموية وما خصص لها من اعتمادات مالية، ويرجع ذلك إلى فضل الله وتوفيقه ثم صلابة الأسس التي بنى عليها الاقتصاد السعودي، وإلى سلامة السياسات المالية التي نأخذ بها).

التزام المملكة بخطط التنمية تؤكده أرقام ميزانية العام 2009 التقديرية التي اعتمدت برامج ومشروعات تنموية جديدة تزيد تكلفتها الإجمالية عن (225) مليار ريال بزيادة بلغت نسبتها (36) بالمائة عما تم اعتماده في ميزانية العام الماضي. في الوقت الذي تضمن فيه ميزانية العام 2009 استمرار خطط التنمية والصرف على المشروعات، فإن الأرقام الحقيقية في جانبي الإيرادات والنفقات للعام 2008 عززت الثقة بالاقتصاد السعودي وشددت على متانة الاقتصاد وملاءة الدولة وحسن التدبير في شؤون الاقتصاد والإنفاق العام.

مجلس الوزراء وجه بالتصدي لأي تأثيرات سلبية للأزمة المالية وضرورة استمرار تنفيذ المشروعات التنموية؛ حيث شدد المجلس على (أن المملكة عازمة بإذن الله على الاستمرار في اعتماد مشاريع البني التحتية وكل ما من شأنه زيادة الطاقة الإنتاجية للاقتصاد السعودي وتوفير بيئة آمنة للمزيد من الاستثمار فيه).

الأقوال التي صدرت عن الملك عبدالله، ومجلس الوزراء تحولت إلى أفعال على أرض الواقع. فمشروعات الخير والنماء استمرت في جميع مناطق المملكة، ولم يُعلن عن توقف أي منها، حتى المشروعات الضخمة ومنها مشروع السكك الحديدية الطموح، ومشروعات التنمية الصناعية، والمدن المتخصصة استمرت دون توقف.

زيارات الملك عبدالله بن عبدالعزيز الأخيرة لبعض مناطق المملكة، ووقوفه على مشروعات التنمية، في الوقت الذي تمر فيه اقتصاديات العالم بأزمة اقتصادية خانقة، تحمل دلالات اقتصادية تنموية كثيرة. رسالة صريحة بعث بها الملك عبدالله إلى مواطنيه والعالم الخارجي، بأن المملكة العربية السعودية، بفضل الله وبركته، لم تتأثر بالأزمة الاقتصادية العالمية، وهي قادرة على مواصلة مسيرة التنمية بخطى ثابتة، ووفق خطط مدروسة وإستراتيجيات شاملة. كما أنها ستمضي قدما في استثمار مواردها المالية للتنمية الداخلية، والتنمية الصناعية على وجه الخصوص.

زيارة الملك عبدالله، وتدشينه مشروعات صناعية ضخمة يمكن أن تكون أكبر شهادة على قوة ومتانة الاقتصاد السعودي، وملاءة الدولة، وقدرة الحكومة على مواصلة خطط التنمية دون النظر إلى ما يحدث في العالم الخارجي. وهي بلا شك تزيد من الثقة في الاقتصاد الوطني، وتوجه الحكومة في دعم مشروعات التنمية.

تدشين الملك عبدالله لمشروعات القطاع الخاص الصناعية تزيد من ثقة المستثمرين، السعوديين والأجانب، بالمناخ الاستثماري العام، ومثل هذه الثقة لا يمكن أن تتحقق بمعزل عن الثقة في إدارة الحكومة للاقتصاد، وموار الدولة. وأكبر الدعم وقوف الملك عبدالله شخصيا على مراحل إنجاز المشروعات الحيوية، وحرصه على تدشينها بنفسه.

التوزيع العادل لمشروعات الدولة

الإنجازات السياسية، الاقتصادية الاجتماعية، والتنموية التي حققها الملك عبدالله بن عبدالعزيز في السنوات القليلة الماضية أحدثت نقلة نوعية في تاريخ المملكة الحديث، ودفعتها لاحتلال مراكز متقدمة في بعض التصنيفات العالمية.

بعد أن أنعم الله على هذه البلاد بخيرات فضله، اجتهد ولي الأمر في توجيه الأموال نحو التنمية لتعويض النقص، وتلبية احتياجات المواطنين. التنمية المناطقية كانت المحور الرئيس الذي بنا عليه ولي الأمر إستراتيجية التوزيع العادل لمشروعات الدولة. وزعت المدن الصناعية، التقنية، الاقتصادية، والمالية على مناطق المملكة اعتماداً على طبيعة المناطق وحاجاتها الملحة. يؤكد الملك عبدالله في أحد خطاباته الشفافة على مسابقة الزمن في تنمية الوطن بقوله: (نحن نحاول اختصار الزمن، فالوقت لا يرحم. نريد أن تسبق أعمالنا أقلامنا، وسنكون أسعد الناس ونحن نرى ما وعدنا به قد أنجزناه). مضت خطط التنمية في مسارها الصحيح دون تغيير، ودون أن تتأثر بالأزمة الاقتصادية العالمية.

تقاس الدول بحضاراتها ونموها وتطورها، والقيادة الحكيمة هي التي تستطيع أن تستغل موارد الدولة في إيجاد البنية التحتية السليمة التي يمكن من خلالها بناء المستقبل. بناء الإنسان أولا، ثم الكيان، كيان الدولة الفتية التي تعتمد على إرثها الديني والثقافي وتتطلع إلى المستقبل برؤى الحضارة العصرية، فتوظف إيراداتها المالية لدعم عجلة التطور والبناء من أجل رفعة المجتمع ورقي الشعوب. الاستثمار الأمثل هو الاستثمار الذي يمكن من خلاله خلق قطاعات إنتاجية متنوعة، ذات تخصصات متقدمة يمكن أن تصبح رافداً من روافد الخير والعطاء.

لم يعد البناء سهلاً كما كان سابقاً، فالتطور الحضاري والصناعي فرض على الدول المتقدمة العمل من أجل إيجاد منظومة اقتصادية متكاملة، ومترابطة، لا يمكن الاستغناء عن أي من مكوناتها الأساسية، مهما صغر حجمها.

المدن الاقتصادية، التقنية، والصناعية أصبحت تشكل أهم الأسس الحديثة التي يبنى عليها الاقتصاد الفتي. يمكن من خلالها تنشيط حركة الإنتاج والإدارة، وجذب الاستثمارات الأجنبية التي يمكن لها أن تنقل الخبرات العالمية إلى المجتمعات العربية. لذا أصبحت المدن الصناعية، والتقنية، والاقتصادية، إحدى أهم مقومات بناء الدول المتقدمة التي تتطلع إلى حجز موقع لها في عالم الحضارة. ومن هذا المنطلق اعتمدت إستراتيجية الملك عبدالله في التنمية على خلق المدن المتخصصة في جميع مناطق المملكة. توقف البعض كثيراً عما سيحدث لتلك المدن تحت الإنشاء بعد الأزمة الاقتصادية. لم يطل بهم الانتظار فقد دشن الملك عبدالله وافتتح كثيراً من مشروعات التنمية، وتابع ووقف على بعض المدن المتخصصة الحديثة في إشارة واضحة إلى أن الخيار الإستراتيجي لا يمكن الحياد أو التراجع عنه.

مشروعات التنمية في مدينة الجبيل الصناعية شهدت زخماً كبيراً في السنوات الماضية.

مشروع (الجبيل 2) الذي يفترض أن يكون توسعة لل (الجبيل 1) أتى أكبر من المشروع الرئيس!. توسعة ضخمة ومشروعات تنموية متداخلة تمازجت بين الصناعة، التقنية، التعليم، البلدية، الطرق والإنشاءات الضخمة. دشن الملك عبدالله بن عبدالعزيز مشروع الجبيل (2) بمساحة 82 كلم2 لمراحله الأربع، حيث تنتهي مرحلته الأولى العام الحالي. وبالمقابل قامت الهيئة الملكية بتطوير مناطق سكنية بالتزامن مع المنطقة الصناعية الجديدة. مقارنة استثمارية جميلة أوردتها الهيئة الملكية حيث تشير تقاريرها الخاصة إلى أن الجبيل (1) نجحت في جذب استثمارات خاصة بنسبة 1 إلى 5 ما يعني أن كل ريال أنفقته الدولة نجح في استقطاب 5 ريالات من القطاع الخاص. أما الجبيل (2) فمن المتوقع أن يقابل كل ريال تستثمره الحكومة 15 ريالاً من القطاع الخاص.

بفضل الله وبركته، تمكنت الهيئة الملكية للجبيل وينبع من تحقيق أرقام قياسية عالمية سجلت باسم الوطن، ومنها اعتبار الجبيل الصناعية أكبر مشروع هندسي من نوعه على مستوى العالم يضم أكبر المجمعات الصناعية ومن أهمها مجمع شركة كيان الصناعي الذي يتكون من خمسة عشر مصنعاً عملاقاً؛ واحتوائها على أكبر نظام من نوعه في العالم لتبريد الصناعات بمياه البحر من خلال القنوات المفتوحة، إضافة إلى بنائها أكبر محطة مزدوجة لإنتاج المياه والكهرباء في العالم.

في عام 2004 تشرفت الجبيل بزيارة الملك عبدالله وترؤسه مجلس إدارة الهيئة الملكية حيث بارك قيام (الجبيل 2وينبع 2) ووضع حجر الأساس لمشروعات بلغ حجم استثماراتها سبعة وثمانين مليار ريال ثم دشن عدداً من المشروعات بحجم استثمار بلغ أربعة عشر مليار ريال. في عام 2006 وضع الملك عبدالله حجر الأساس لمشروعات صناعية وتنموية بلغ حجم استثماراتها ثلاثة وخمسين مليار ريال ودشن مشروعات بلغ حجم استثماراتها عشرة مليارات ريال.

في العام 2008 وضع الملك عبدالله بن عبدالعزيز حجر الأساس ودشن تسعة وعشرين مشروعا تنمويا وصناعيا في مدينة الجبيل الصناعية باستثمار يزيد على ثمانية وستين مليار ريال. وشملت المشروعات تطوير منطقة المطرفية السكنية وتطوير موقع المدينة الجامعية وإنشاء الوحدات السكنية (المرحلة الثانية - حي جلموده)، وافتتاح مشروع المرحلة الثانية من (الجبيل 2) ووضع حجر الأساس لمشاريع الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) ومشروعات القطاع الخاص الشركة السعودية للبوليمرات (شيفرون فيليبس) وتوسعة شركة مصفاة أرامكو السعودية (شل - ساسرف) وشركة مجموعة ابن جار الله للمقاولات المحدودة والشركة السعودية للطاقة الشمسية وشركة مصنع فوسفات الخليج وشركة الفنار ومصنع الشرقية للبتر وكيماويات وشركة الجبيل لخدمات الطاقة والشركة السعودية للكيماويات الخاصة وشركة ترايومدى بلاستيك الدولية المحدودة.ومشروعات الشركة السعودية للإثيلين والبولي إثيلين (التصنيع - الصحراء) وشركة الجبيل شيفرون فيليبس وشركة البولي بروبلين المتقدمة وشركة كيمائيات الميثانول (كيمانول) وشركة (نما) للبتر وكيماويات (مشروع حصاد) ومصنع شركة الخليج لصناعات التغليف المحدودة والشركة العالمية للأنابيب الدكتايل المحدودة ومصنع مدى للأنسجة.

العام 2009 دشن الملك عبدالله جملة من المشروعات التنموية والصناعية في مدينة الجبيل الصناعية بحجم استثمار زاد عن 54 مليار ريال لكل من الهيئة الملكية للجبيل وينبع وشركة مرافق وشركة سابك وشركات القطاع الخاص. وأهمها تدشين محطة إنتاج المياه والكهرباء المزدوجة وهي أكبر مشروع مزدوج في العالم لإنتاج المياه والكهرباء، مشروع محطة (جواب) المزدوجة للمياه والكهرباء، البالغة تكلفتها 13 مليار ريال، سيعزز نصيب المنطقة الشرقية من المياه المحلاة بإضافة 800 ألف متر مكعب يوميا، وهي إضافة تعتبر المنطقة الشرقية في أمس الحاجة لها، في الوقت الذي ستوفر طاقتها الإنتاجية الكهربائية البالغة 2750 ميجاواط مزيدا من الاستقرار في إمدادات الطاقة للمنطقة الصناعية، والمناطق الأخرى.

إضافة إلى تدشين مشروعات مختلفة للمنطقتين الصناعية والسكنية، وتوسعة ميناء الملك فهد الصناعي، ومشروعات الإسكان والمباني العامة.. مشروعات الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) ومشروعات القطاع الخاص.

تدشين خادم الحرمين الشريفين مشروعات الهيئة الملكية للجبيل وينبع، مرافق، سابك، وشركات القطاع الخاص بحجم استثمار يزيد على 54 مليار دولار وسط الأزمة الاقتصادية العالمية يعكس إصراره، حفظه الله، على اختصار الزمن والمضي قدما في مشروعات التنمية بالرغم من الأزمة وتداعياتها الخطرة. رسالة ثقة وتأكيد يبعث بها الملك عبدالله للمجتمع الخارجي، وللمواطنين بأن اقتصاد المملكة ما زال متينا ويمتلك من الخيارات الكثير، بالرغم من انخفاض أسعار النفط إلى مستويات 45 دولاراً. تدشين المشروعات التنموية يعبر عن ملاءة الدولة، وقدرتها المالية العالية، ورغبتها في إمضاء مشروعات التنمية بعيداً عن حسابات الأزمة العالمية ومتغيرات الظروف.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد