هجر من سكان وادي سوات، في شمال غرب باكستان، ما يربو على المليون إلى مناطق سهلية إلى الجنوب، مناطق حارة في الصيف. ويعيش المهجرون حالة صعبة لا يمكن تصورها،
فاللاجئون قادمون من الجبال الباردة إلى السهول الجنوبية الحارة التي لم يعتادوا العيش فيها. ولقد حذر طالبان باكستان أنهم سيهاجمون مناطق من باكستان، ونفذوا تهديداتهم. وفي مدينة لاهور التي تعاني من آثار المشكلة الاقتصادية التي تعيشها باكستان، تنقطع الكهرباء عن المدينة لمدة 12 ساعة يومياً. هناك حلقة مفرغة: لا تستطيع الدولة مساعدة شركات الكهرباء والشركات غير قادرة على شراء الوقود اللازم لتشغيل محطات الوقود.
منذ وسط مايو تعرضت بشاور، عاصمة المقاطعة الشمالية الغربية، إلى سبع هجمات، وعانت لاهور ثلاث هجمات تخريبية، هناك تفجيرات انتحارية في كل مكان في المدن وليس في مناطق القبائل. يحاول الناس في لاهور وغيرها من المدن ألا يذهبوا إلى الفنادق ولا إلى حفلات الزفاف والمطاعم، وحتى المدارس لم تسلم من التهديدات. وتعتبر لاهور مركزاً تعليمياً متميزاً في باكستان، ففيها توجد مدارس وكليات. ولم يحصل هجمات على المدارس حتى الآن ولكن هناك تهديدات ومخاوف. وتهدد طالبان باكستان بشن هجمات على لاهور وبشاور وروا لبندي، شمال غرب باكستان، وأصبح هنالك تخوف في بشاور وغيرها من المدن من إرسال الطلبة إلى المدارس. ولقد قدر عدد اللاجئين المنتقلين من وادي سوات ما يقارب الاثنين ونصف مليون خلال الأسابيع الماضية. وفي روا لبندي هناك منظمات عالمية جاءت لتدبر أوضاع اللاجئين، ويقدر أن 90 في المائة ممن جاؤوا من الجبال إلى هذه الأودية لم ينتقلوا للمخيمات بل ذهبوا إلى أقاربهم والى المساجد والمدارس. وهذا الزخم من اللاجئين، يذكرنا بما حصل في حالة رواندا في عام 1994م. وتحاول المنظمات الدولية تغذية هؤلاء اللاجئين وبهذه الأعداد الكبيرة، وهنالك محاولات لنقلهم إلى المخيمات ليسهل العناية بهم. وتحاول الدولة والجيش أخذ الوادي بسرعة وإعادة الناس إلى مساكنهم، أما إذا استمرت المشكلة أو طالت فمن الصعوبة إعادة بناء الوادي وإعادة الكهرباء والخدمات.
وفي مدينة مردان، جنوب وادي سوات، هناك طالبان الذين يحاولون إرهاب الجنود. أما قرية دير، في مقاطعة التخوم الشمالية الغربية من باكستان، وتقع في واد يرتبط بوادي سوات، فيحاول سكانها صد طالبان بأنفسهم، وكون القرويون مليشيات لمحاربة طالبان، ولا يريدون أن يساعدهم الجيش. وفي الوقت نفسه يحاول الجيش الباكستاني ضربها، باستخدام الأسلحة الثقيلة، لتخليصها من طالبان، الذي يناضل من أجل السيطرة عليها. ويعارض أهل القرى تدخل الجيش لحماية قراهم ويحاولون الدفاع عن أنفسهم دونما تدخل الجيش للمحافظة على قراهم من هجمات الطيران المدمرة.
ويطبق الجيش الباكستاني، بمساعدة من الأمريكان، تكتيكات الجنرال باتريس، المجربة في العراق. والسؤال المطروح: هل نجح أهل القرى في الدفاع عن قراهم والتصدي لهجمات طالبان؟ من غير الواضح ماذا يحصل خلال الشهر الماضي في وادي سوات، وحتى الجوالات لم تعد تعمل، إذ قطع الجيش وسائل الاتصال حتى لا يستعملها طالبان، ولا يوجد معلومات عن الضحايا من المدنيين، هنالك ضحايا مدنيون ولكن لا تتوفر أرقام عنهم. وتأتي معلومات من بعض الأسر الذين يذكرون أن أقرباءهم قتلوا وجرحوا، وليس هناك معلومات عن القتلى ولا عن الجرحى. إسلام أباد مدينة حديثة نسبياً، إلا أن الوضع قد تغير بالنسبة لهذه المدينة، الحواجز في كل مكان وهناك تواجد للجيش ولرجال الأمن غير عادي، لم تشهده إسلام أباد من قبل.
أما الرئيس الباكستاني فيشتكي من قلة المساعدات المرسلة إلى بلاده، وذكر له أن الدول هي الأخرى تشتكي من عدم مبادرة باكستان للتحكم في الوضع الحالي. وباستثناء المساعدات الأمريكية، هناك مساعدات قليلة تأتي من الدول الإسلامية وبعض الدول الغربية. لا يوجد ضمن الترتيبات الأمنية إدارة مركزية للتعامل مع الترتيبات اللوجستية بعد ما تعاد منطقة وادي سوات، وبالطبع يعتبر الجيش أكثر تنظيما من المدنيين لمساعدة المسئولين عن الإغاثة الدولية.
التنقل داخل باكستان ليس فيه مشكلة، ولكن تكمن المشكلة في المدن بسبب العمليات الانتحارية الموجهة لمحطات الشرطة وأماكن تواجد الأجانب في المطاعم والفنادق. وبعض هذه الهجمات غير منظمة وينفذها أطفال يلبسون الأحزمة الملغمة. أما فندق الإنتركونتننتال في بشاور فدمر نصفه من قبل جهة إرهابية. ويعيش في الفندق المشرفون على المساعدات الدولية، كان فيه 50 موفداً من الأمم المتحدة، ويقطنه الأمريكان الذين يحاولون مساعدة السلطات الباكستانية في المناطق الريفية، كما يعيش فيه بعض كبار القبائل والعاملون في الجهات الاستخباراتية، وكان لهذا السبب هدفا استراتيجيا لطالبان. ولذلك تم تنظيم الهجوم الذي دمر نصفه، وقبل تدميره كانت هنالك مشاورات ليتحول مقراً للقنصلية الأمريكية، إما بالشراء أو الاستئجار، وفيما يبدو أن هذه الأخبار وصلت لطالبان.
والسؤال الذي يمكن أن يطرح هنا: هل يمكن اعتبار باكستان على مفترق طرق؟ أو بعبارة أخرى هل تتوجه نحو طريق آمن أو نحو طريق محفوف بالمخاطر؟ أولا، تعتبر طالبان باكستان الخطر الكبير بالنسبة لباكستان، ولذلك لا بد من أن يكون هناك هجوم معاكس لصد ذلكم الخطر. ثانيا، هنالك تعاطف شعبي عام، تجاه الدولة والجيش. ثالثا، هناك اتفاق بين الأحزاب يتمثل في الوحدة ضد طالبان، وهذه الأيام تعتبر حرجة بالنسبة لباكستان، التي ينتشر فيها القتل العشوائي. أما ما يتعلق بالاتفاق الأصلي بين الحكومة المتمثل بالسماح بتطبيق الشريعة في مقاطعة الشمال الغربي، كان ذلك موجوداً من 60 سنة مضت. أما الاتفاق القريب فقد مكن طالبان من أن تأخذ وادي سوات والسماح بتطبيق أحكام الشريعة، شريطة أن ينزع السلاح من قبل طالبان، وما حدث الآن هو استيلاء طالبان على مراكز الشرطة والإدارات ومدارس البنين، أما مدارس البنات فقد تم إغلاقها من قبل طالبان، كما استولت على أودية أخرى. وفي واقع الأمر لم تف طالبان بوعودها بل حطمت الاتفاق، ويخطط التنظيم لجعل الوادي قاعدة انطلاق لعملياته العسكرية.
أما الآن فيحاول الجيش إخراج طالبان من الوادي، يرى المسؤولون في باكستان الخطأ الذي ارتكبوه بتوقيع الاتفاقية مع طالبان، وأدركوا أنه كان يجب التحرك بسرعة في الوادي، وكانوا يظنون أن مجرد إعادة الشريعة يمكن لطالبان أن يخضع، وأثبت الواقع أن حسابات الدولة كانت خاطئة، لقد تحقق لطالبان مطالبها ولكنها لم تف بوعودها. ويبدو أن لطالبان هدفا يتمثل في القفز على الدولة والسيطرة وفرض الديمقراطية حسب منظورهم.
أما هاجس الحصول على السلاح النووي من قبل الجماعات المتطرفة، فهناك من يرى أن الجيش محكم السيطرة عليه، ولكن لو امتد نفوذ طالبان في البنجاب، حيث السلاح النووي، فثمة خطورة في ذلك. هنالك ما يربو على العشرين مركزاً لإنتاج مواد نووية، وهذا الانتشار يشكل خطورة في حد ذاته. لقد وثقت طالبان باكستان روابطها بقبائل البشتو في أفغانستان وباكستان بعد 11-9 وهزيمة طالبان ولجوء فلوله إلى باكستان وانضوائها تحت ألوية قبائل البشتو في باكستان. وأصبحت طالبان الأفغانية محمية من طالبان الباكستانية، ومن ضمن ذلك فلول القاعدة أيضا.
وخلال الأربع سنوات الماضية لم يعمل الجيش الباكستاني، في عهد الرئيس مشرف، شيئا مما أتاح الفرصة لتوحد هذه القبائل وتعزيز طالبان باكستان، ومنذ عام 2004 تطور الأمر للمطالبة بإمارة مستقلة لهم في غرب باكستان وينتشر البشتو في مناطق من السند وبلوشستان. ولديهم حركة وطنية أكثر في أفغانستان مبنية على أساس عرقي في الشمال والغرب من أفغانستان. ولكن هذه الفرق مشتتة في باكستان وليس جميعهم من قبائل البشتون ويمكن أن يعتمدوا على فرق وجماعات أخرى، ولهم شبكة في شمال باكستان، وهنالك 15 فرقة في البنجاب، وكانوا يقاتلون في منطقة كشمير ولهم خبرة في الحرب مع الهند، كما أن لهم اتصالات مع الجيش ويعرفون كيف يحصلون على الأسلحة والمتفجرات. هنالك مخطط لمهاجمة الجيوش القادمة من أمريكا من قبل طالبان أفغانستان، والمتوقع أن يزداد القتال ضراوة وسوف يحاولون إثبات أن مجرد تعزيز التواجد الأمريكي في أفغانستان لن يساعدهم. ولكن في المدى الطويل يمكن أن تتراجع طالبان أفغانستان. ومن باكستان تأتي المساندة اللوجستية لطالبان الأفغانية، ومن المهم ألا يفقدوا قواعدهم في باكستان، ماذا يمكن أن تساعد أمريكا لمحاربة طالبان أفغانستان، أهم شيء المساعدات المالية. ويحاول المبعوث الأمريكي لأفغانستان والباكستان، ريشرد بروك، مع دول الخليج العربية ومن الصين واليابان أن تقدم مساعدات لباكستان، التي تواجه أزمة مالية حادة، وتقدر احتياجاتهم بما لا يقل عن بليون دولار أمريكي لإعادة بناء وادي سوات.