Al Jazirah NewsPaper Saturday  20/06/2009 G Issue 13414
السبت 27 جمادىالآخرة 1430   العدد  13414
الإعلام الإلكتروني والثورة الاجتماعية القادمة
د.علي بن شويل القرني

 

بناء الأحداث الجارية في إيران هو بناء ثورة جديدة أو على الأقل تشكلات احداث تغييرات محورية في النظام السياسي والاجتماعي هناك. فالانقسام الجاري بين المحافظين والإصلاحيين

هو بناء تراكمي حدث على مر السنوات الماضية، ومنذ الثورة الخمينية عام 1979م، فهناك أصوات كانت مدفونة بحكم فرض الأمر الواقع، وهناك أصوات قد يكون استفزها النظام، وهناك أصوات من النظام بدأت تدرك انحراف النظام عن مساره، وهناك أصوات من داخل النظام بدأت تكتوي بهيمنة الصوت الواحد في الحياة العامة.. ما يحدث في إيران منذ إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية هناك هو إرهاصات حقيقية لإمكانية واقعية في تغيير في المشهد السياسي الإيراني.. وفي خضم تداعيات هذه الأحداث، وتعقيداتها، وتشابكها، فإن مسارها سيكون مدفوعا بما يفرضه الشارع الإيراني على منطق الأحداث الجارية.. والشارع الإيراني ليس مدفوعا من خلال قوى خارجية كما تشير إلى ذلك أصوات من داخل النظام الحالي فقد أعلنت أطراف دولية مهمة انسحابها من التأثير على مجريات الشأن الإيراني، كما فعل ذلك الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وهي خطوة مهمة نحو تعزيز التيار الإصلاحي - التغييري في الأحداث الحالية.. ولو تدخلت الولايات المتحدث بتصريحات غير ناضجة، فلربما تعزز نصيب المحافظين في الضغط على الشارع الإيراني بحجة أن حركتهم هي ترجمة مباشرة لتدخل الولايات المتحدة.. ومما عزز فرصة الإصلاحيين في محاولاتهم للتغيير هو ما ذكره أوباما من أن أي طرف سيفوز بالرئاسة الإيرانية سيؤدي إلى نفس النتائج بخصوص السياسة الخارجية الإيرانية.. وهذه التصريحات كانت صدمة ربما للمحافظين، فكانوا يتوقعون تدخلا سافرا في الشأن الداخلي الإيراني يعطيهم الحجج الكافية لوأد حركة التغيير المتوقعة في الحياة الإيرانية.. ومن أهم ما يحدث في إيران حاليا هو دخول الإعلام الإلكتروني كفاعل أساسي في التأثير على الحياة السياسية، وتسييره للأحداث هناك.. ويمكن وضع بعض ملاحظات في الدور الإعلامي وتقاطعاته مع الأحداث الحالية:

1- الإعلام الرسمي الإيراني، المرتبط بالحكومة الحالية للرئيس احمدي نجاد هو إعلام مؤيد للرئاسة الحالية، ومحرض ضد حركة التغيير التي يقودها موسوي.. وهذا الإعلام يشعر بخطورة الوضع القائم على النظام الحالي.. وهكذا فقد بدأت وزارة الإرشاد (الإعلام) في انتقائية واضحة في بث ما ينشر عن هذه الأحداث، في محاولة للتأثير على مسار الأحداث.. كما أن من يشاهد التلفزيون الإيراني الرسمي سيجد أن حالة القلق والتوتر موجودة، ويتم عرض أناشيد وأغاني وطنية، إضافة إلى لقطات من (الحرب الإيرانية العراقية (بدون منطق فيها، عدا التذكير بأهمية الوحدة الوطنية.. وهذا يعكس محاولة الخروج عن الأزمة الحالية، والتذكير بالمخاطر الخارجية)..

2- الإعلام الأجنبي داخل إيران يلعب دورا مهما في نقل ما يحدث من أحداث وتداعيات، وتركيزه الأكثر على الشارع الإيراني.. وهناك مضايقات كبيرة لحركة الصحافيين والإعلاميين وبخاصة تغطياتهم للمظاهرات من التيار الإصلاحي.. التي لا تجد أي تغطية تذكر من الإعلام الرسمي.. وقد هددت وزارة الإرشاد مراسلي الصحافة والقنوات الأجنبية الذين جاؤوا خصيصا لتغطية هذه الأحداث بعدم قانونية تغطياتهم، وهددتهم بمقاضاة، إضافة إلى طردهم من مسرح الأحداث الجارية.. أما المراسلون المرخصون من وزارة الإرشاد، فقد أجبرتهم على نقل الأحداث من مكاتبهم، دون النزول إلى الشارع..

3- بالنسبة لمحطات التلفزة الخارجية، فقد كانت شبكة ال BBC الفارسية والإنجليزية هي التي تقود التغطيات إلى العالم من خلال مراسليها داخل إيران ومن المتعاونين معها، ومن خلال وسائل إعلام إلكترونية مرتبطة معها. أما شبكة ال CNN فقد أخفقت في تغطياتها للأحداث الإيرانية، ولم تقدم ما هو معهود لها في التغطيات الدولية الكبيرة.. ووجدت هذه الشبكة نقدا كبيرا من داخل الولايات المتحدة ومن كبرى الصحف فيها مثل النيويورك تايمز على تقديراتها غير الصائبة وجهودها الضعيفة في تغطية مثل هذا الحدث الكبير.. ولربما أن شبكة CNN قد قرأت تصريحات الرئيس أوباما حرفيا دون قراءة ما بين السطور، وكأنها فهمت أن الولايات المتحدة الأمريكية يجب أن تنسحب كاملا من الشأن الإيراني، مما انعكس كثيرا على ضعف تغطيتها.. ولكن من المتوقع وأمام ردة فعل كثير من المؤسسات الإعلامية الأمريكية، فإن شبكات التلفزة الأمريكية ستدفع بإمكانياتها الكبيرة في الدخول في هذا الحدث خلال الأيام القادمة.. وبخاصة مع تقدم ال BBC وريادتها في تغطية هذا الحدث..

4- القوة الإعلامية الحقيقية للتيار الإصلاحي هي في الإعلام الإلكتروني، فقد جندت القوى الإصلاحية سواء خلال الحملات الانتخابية لها أو بعد إعلان نتائجها واعتراضهم على هذه النتائج كافة الوسائل الإلكترونية الحديثة للتواصل مع الناخبين ومع عموم الجماهير الإيرانية. وهذا هو ما يعرف بالإعلام الاجتماعي social media مثل فيس بووك وتويتر وماي سبيس وجميع أنواع المدونات السياسية.. وهذه الوسائل هي الثورة الجديدة في عالم اليوم.. وقد كانت هذه الوسائل أفضل الأدوات الجديدة التي تم توظيفها في خدمة الحملة الانتخابية السياسية في إيران، ثم تلا ذلك تنسيق ردود الفعل بين قادة التيار الإصلاحي واتباعهم، ولا سيما أن الإعلام الرسمي قد حجب وجهات نظرهم، وحاول التشويش على الرسائل التي كانوا يودون توصيلها لأتباعهم ومؤيديهم، وإلى كافة مواطني بلادهم، وإلى العالم اجمع.. ومن الواضح أن دول المنطقة ودول العالم أقل تدخلا في الشأن الإيراني، إلا أن الإعلام هو القوة التي تفرض حضورها وتأثيرها على مستوى الأحداث الإيرانية.. والأحداث التي تمر بها إيران حاليا هي أحداث غير مسبوقة منذ اكثر من ثلاثة عقود من الزمن، وتجد ظلالها ممتدة على منطقة الخليج، ومنطقة الشرق الأوسط.. وأحرى بدول المنطقة أن تبدأ في دراسة عميقة للأوضاع الداخلية في إيران، وقراءة تداعياتها على سياسات المنطقة بشكل عام.. ومن المتوقع أن كثيرا من دول العالم بدأت في تشكيل غرف عمليات طوارئ لمتابعة الأحداث أولا بأول.. ونحن في منطقة الشرق الأوسط بحاجة إلى دراسة هذه الأمور بشكل علمي ودقيق، تحسبا لأي تداعيات غير متوقعة..

أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود


alkarni@ksu.edu.sa

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد