Al Jazirah NewsPaper Saturday  20/06/2009 G Issue 13414
السبت 27 جمادىالآخرة 1430   العدد  13414
بين الكلمات
لماذا تقتل الثورة أبناءها..؟!
عبدالعزيز السماري

 

تمر إيران في مرحلة مختلفة نوعاً لكنها بالتأكيد ليست بجديدة في التاريخ، فمنطق الدولة واستقراره هو أكبر تحدٍ لما بعد مرحلة انتصار الثورة الدينية..، والتحدي المتجدد يكمن في أن منطق الثورة أصبح يسكن في جسد الأمة، ويتم استدعاؤه في حال فشل الدولة في تطبيق مبادئها المعلنة، أو عندما تحاول أحد أجنحة الثورة اختطاف السلطة...

عادة ما تخسر الدولة عندما يصطدم منطق الدولة مع منطق الثورة، الذي تم بناؤه في المنطق الشيعي السياسي خلال مئات السنين، والذي لن يكون من السهل إخماده دون إعلان انتهاء عصر الثورة، ثم الدخول في حرب أهلية من أجل فرض فلسفة الدولة عبر إعادة بناء النظام الهرمي السياسي، والذي تحكمه طبقات اجتماعية يكون أعلاها الطبقة البرجوازية وأدناها طبقات المهمشين من الأقليات الأخرى..

تقوم الثورات عادة على سياسة التحريض الشعبي المتواصل وعلى نظام سياسي هرمي جامد، والذي كان ممثلاً في إيران في عصرها الإمبراطوري، لذلك لم يقبل الإصلاحيون والأقليات إعادة إنتاج هذا الكيان من جديد في عصر أحمدي نجاد، والذي لن يجد مخرجاً من المأزق الحالي إلا بالتراجع عن فلسفته الجديدة في إعادة صياغة مبادئ الثورة، أو الشروع في الدخول في مرحلة جديدة من تصفية المعارضين للتوجه الجديد.. ثم فرض منطق الدولة القومي على الجميع مهما اختلف وتعددت الأثنيات والقوميات..

قد قيل (تقتل الثورة أبناءها)، والتي تمر عادة في مرحلتين.. تتم تصفية المنافسين الايديولوجيين في مرحلتها المبكرة، والذي قامت مبادئ الثورة لديهم على ايديولوجيات مخالفة للايدلوجيا الدينية المعلنة، لكنها كانت متفقة مرحلياً مع الدينية في ضرورة الخلاص من الحقبة السياسية السابقة..، ولكن مهما قتلت الثورة من أبنائها، سيظل في الجماهير الغفيرة من يتذكر القتل لأول مرة، وسيكون مستعداً في الأيام القادمة لإعادة روح الثورة من جديد..

تمثل المرحلة الحالية في إيران مرحلة الإقصاء الثانية في حلقات الصراع بين منطق الدولة ومنطق الثورة، منطق الدولة الذي يقوم على المركزية والديموقراطية التي من المفترض أن تخدم فقط البعد القومي في إيران، والذي يمثله الفرس منذ آلاف السنين، وسيعملون المستحيل من أجل فرضه كروح للدولة الإيرانية، لكن العملية الديموقراطية أو سباق الانتخابات الأخيرة لم يأتِ كما كان معداً له، فقد أدخلت نتائجها إيران سريعاً في مرحلة الصراع الأثني، فالأقليات وقفت صفاً واحداً مع المرشح الأذري مير حسين موسوي، وكان موقفهم نتيجة لتهميشهم في الحقبة السياسية الماضية.. ولم يغب ذلك عن تيار الإصلاحيين من الفرس الذي يؤمن أن في فرسنة الثورة فناءها، وبالتالي سيكون انتخاب الأذري موسوي بمثابة الدليل القاطع على أن الثورة كانت وما زالت دينية، ولم تكن تخبئ بين جوانحها الروح الفارسية..

ما يحدث الآن هو في اتجاه تصفية مبادئ الثورة الدينية لمصلحة منطق الدولة القومي، وليس الديني، فبعد ثلاثين عاماً اكتشف أبناء الأقليات وزعماؤها أن الثورة كانت تخبئ بين بعض أجنحتها منطق القومية الفارسية، وهو ما أشعل فتيل الثورة من جديد في صدور أبناء الأقليات الأخرى..

وفي صياغة أخرى.. دخلت إيران في المرحلة الثانية من الصراع بين منطق السلطة وفلسفة الثورة.. أو بين حسم منطق الدولة بين مفهوم هيغل الشمولي، الذي يتطابق فيه العقل السياسي مع التاريخ والدولة من خلال فلسفة عرقية أو قومية تقوم على الجمع بين العناية الإلهية وعناية الدولة، تعتمد على الصراعات المتضادة والمتناقضة بين التيارات اليسارية واليمينية، وتغذيها الحروب إذ ينادي هيغل بقدرية الحرب الخارجية، بحكم أنها الوسيلة التي يوطد الفرد من خلالها علاقته بالدولة..، وبين مفهوم العقد الاجتماعي لروسو الذي يقوم على المشاركة بحرية ودون إكراه..




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد