Al Jazirah NewsPaper Saturday  20/06/2009 G Issue 13414
السبت 27 جمادىالآخرة 1430   العدد  13414
التعليم طريقنا لتحقيق حلم العالم الأول
خالد الخضري

 

أثناء لقائه بمنسوبي جامعة أم القرى في مكة قبل أيام، أبدى أمير منطقة مكة خالد الفيصل رغبته في أن نتجاوز العالم الثالث ونأخذ نصيبنا من العالم الأول، وقال سموه إننا لا نطمح ولا نريد البقاء تحت هيمنة القوى الكبرى، ولا نريد أن نطور جيوشاً كبيرة ولا أن نكون قوة عسكرية كبيرة، لكننا نريد أن نكون قوة ثقافية كبيرة.

ومع هذه الأحلام المشروعة والطموح الكبير لأبناء شعب المملكة اسمحوا لي أن أتوقف قليلاً عند الواقع الذي نعيشه، وهل يؤهلنا هذا الواقع لتحقيق هذا الحلم، بخاصة بعد القرارات الحكيمة التي اتخذها خادم الحرمين الشريفين وتم فيها إحداث تغييرات كبيرة في عدة وزارات، وأولى هذه الوزارات التي يجب أن نتوقف عند واقعها (وزارة التربية والتعليم) بخاصة أن هذه الوزارة هي الأهم، والتي يعول عليها في صناعة الإنسان، مع الخطوات الجادة في هذا الصدد، والتي تستهدف التغيير بهدف صناعة أجيال جديدة قادرة على تحقيق الكثير من الأحلام.

إن هذه السطور أحسبها تحمل رسالة صادقة لسمو وزير التربية والتعليم الأمير فيصل بن عبدالله آل سعود، وهو القيادي الكفء الذي تسنم موقعاً في غاية الأهمية، وبمناسبة انتهاء المهلة التي حددها سموه بمائة يوم قبل إصدار أي قرار من أجل دراسة واقع الوزارة، والذي لا أشك بأنه كان قراراً حكيماً، وإدراك سموه بأنه لا يجب أن تتخذ القرارات المهمة دون دراسة جادة لواقع وزارة تمثل المحرك الأهم لكافة المشروعات التنموية في المملكة والتي على مخرجاتها تنهض تنمية الإنسان القادر على الإنجاز والتقدم.

وما يجب النظر إليه أولاً، هي المقررات الدراسية، والتي على الرغم من أن الحديث عنها يبدو مستهلكاً، إلا أن الكثير من المقررات لا تستطيع مجارات الطموحات الكبيرة في بناء الإنسان الجديد.

وهي في وضعها الراهن، لا تساعد على تلبية حاجات الأبناء الفكرية، باعتمادها على التلقين والحفظ والاسترجاع، وهو نمط من التعليم يؤدي إلى تبلد العقل، وعدم مقدرته على الابتكار، بل إنه يصل إلى مرحلة لا يتمكن بعدها من تقبل أي نمط آخر من العمليات العقلية العليا، والتي تساعد على الابتكار، وأهمها: التركيب والتفكيك، والاستنتاج والتحليل، والتقويم، ومثل هذه العمليات إذا لم يتم استخدامها والتدرب عليها فإنها تموت، وتضمحل لدى المتعلم، مثلها مثل أي عضلة في الجسم إذا لم يتم استخدامها ماتت مع الزمن.

والدراسات الحديثة تؤكد أن اكتشاف الموهبة لدى الطفل هي أولى خطوات التعلم، حيث إن التعلم باللعب، والتعلم من خلال الميل، والتعلم من خلال النشاط الفكري والجسدي، أساليب تتبعها العديد من الدول السبع المتقدمة التي بدأت من خلال هذه المنظومة التعليمية خطوات التغيير إلى مستوى بناء الإنسان منذ الخمسينيات.

وهناك أمثلة كثيرة على ذلك في بعض دول شرق آسيا مثلاً، ولن نتحدث عن الصين التي باتت الآن دولة منافسة صناعياً وتتفوق على أقوى دول العالم، وتزاحم أمريكا في الجوانب التقنية والصناعية، حيث تحولت إلى قوة صناعية تهدد أمريكا ودول أوروبا قاطبة، لكن لدينا التجربة الكورية الجنوبية التي استطاعت أن تتجاوز ما خلفته حرب عام 1953 من دمار في بنيتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وتدني الإنتاج إلى نحو ثلث ما كانت تنتجه عام 1945م، ورغم أن إنتاجها حين ذاك كان زراعياً بالدرجة الأولى، دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى استثمار حوالي 1.7 مليار دولار في هذا المجال، إلا أن كوريا بدأت بشكل جاد عام 1960م في التخطيط الفعلي لمشروعات التطوير الصناعي، وخلال عشر سنوات (1956- 1965م) تم ضخ 2.5 مليار دولار أمريكي، في شرايين الاقتصاد الكوري، وتم استقطاب أعداد كبيرة من الشركات متعددة الجنسيات التي نقلت نشاطها إلى كوريا حيث الأيدي العاملة الرخيصة، وحيث الانضباط (شبه العسكري) في العمل والإعانات الغربية ومجاورة السوق الآسيوي الواسع، أعطاها كل ذلك موقعاً استراتيجياً فريداً، ووضعت الحكومة حين ذاك هدفاً اقتصادياً مفاده (الصناعة للتصدير) من أجل منافسة الإنتاج العالمي حيث بات ذلك هدفاً رئيسياً لها.

لقد وصلت كوريا الجنوبية اليوم إلى مستوى الدول المتقدمة، وغدت من أكثر دول العالم نمواً على مستوى التصنيع في العديد من المجالات الاستهلاكية المهمة، ولم تعد صانعة للسفن والناقلات الكبيرة فقط، بل تجاوزت ذلك لتصبح من أكبر مصنعي الإلكترونيات، فسامسونج المتخصصة في إنتاج السلع الكهربائية لم تقتصر فقط على هذا الجانب، وإنما تجاوزت في استثماراتها إلى قطاع التشييد والبناء والفنادق والبحث العلمي، وفي هذا الجانب تحديداً، اهتمت كوريا بمراكز البحث العلمي فلديها أكثر من 77 مؤسسة علمية خاصة، إلى جانب مراكز الأبحاث العلمية التي تتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية في مجال الصناعات الذرية. ولنعد إلى واقعنا، لدينا أمثلة كثيرة، ونماذج يمكن أن تستفيد منها في مجال تطوير التعليم على رأسها التجربة الماليزية التي استطاعت أن تقفز خلال عقد واحد من الزمان، لتتحول إلى دولة تصدر الكثير من الصناعات لدول العالم، دون أن ننسى أنها دولة إسلامية كانت متخلفة إلى وقت قريب، فما الذي صنعته لتحقق هذا التحول؟ والجواب على ذلك أنها قررت أن تغير نظام التعليم فأثمر ذلك عن دولة متقدمة وشعب قادر على الإنجاز والتقدم. ومن ناحية ثانية تواجهنا مهمة تطوير المعلم نفسه، وقد بدأت الوزارة بشكل فعلي في عمل دراسات في هذا الخصوص والتي تستهدف منح المعلم رخصة، لا يستطيع بدونها الاستمرار في العمل في هذا الميدان المهم، دافعة بذلك المعلم للعمل على تطوير ذاته، والاشتراك في برامج تطويرية بشكل دوري ليواكب مستجدات العصر، نحن إذن في الطريق الصحيح، وأتمنى أن تحقق هذه الخطوات الكثير من الآمال على يدي وزيرنا الجديد.

مستشار تدريب - معهد الأمير أحمد بن سلمان للإعلام التطبيقي، باحث في الشؤون الإعلامية



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد