إعداد: عبد العزيز العيادة :
دائما باتجاه العمق.. باتجاه المواطن.. وهذه المرة نحو قضية تهمه كثيرا وهي قضية تعثر المشاريع الخدماتية المهمة، وذات المساس بحياة الناس ومعاناتهم، طارحين السؤال المهم: إلى متى ولماذا ومن المستفيد من تعثر المشاريع الخدمية؟.. فما بين طرح ناقم وطرح بعيد عن الواقعية.. تأرجحت هذه القضية بين مد وجزر دون طرح حلول ممكنة التطبيق و(الجزيرة) وإيمانا منها برسالتها الإعلامية وعلى ضوء التحركات الواسعة والمهمة لحكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني تسلط الضوء اليوم على جوانب مهمة لم تأخذ حقها من قبل في الطرح والبحث والمعالجة، وعلى رأسها مشاكل فئة مهمة من مجتمعنا يعتبرون الأهم والركيزة الأولى لمستقبل أكثر تطوراً لهذه البلاد وهم يعيشون في ظروف لا تساعدهم على الاستمرار ولا على التحليق والإبداع فكيف ينتجون؟ إنهم المهندسون والذين أبرزوا ل(الجزيرة) معاناتهم وأسرارهم اليومية وكيف أن هؤلاء بلا كادر هندسي يحميهم ويعينهم على مواصلة العطاء أسوة بمخلصي الوطن، فأين الحل؟ وما المعالجة؟ ولن أطيل ففي زوايا هذا الموضوع الكثير من الخفايا التي نكشفها لأول مرة بالإضافة إلى مشاكل تأخر إنجاز المشاريع في حائل كمثال لبعض مناطق المملكة، وكيف أن بعض الإجراءات البيروقراطية تكون عائقا أمام سرعة الإنجاز وتساعد المقاولين المتلاعبين على الاستمرار بإفشال العديد من المشاريع المهمة والعملاقة، وإلى المزيد ومع البداية:
مشاريع تموت واقفة!!
فأكثر ما يخشاه أهالي المناطق في المملكة ومنطقة حائل تحديدا أن تمر السنوات دون الاستفادة من الدعم السخي في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني ولهم في مخاوفهم الحق خصوصا أنهم كلما فرحوا بمشروع وجدوا ما يعكر تلك الفرحة إما بتأجيل تنفيذ المشروع أو تأخر الإجراءات البيروقراطية لدى الوزارات ذات العلاقة أو عدم إنجاز مقاول لخطط تنفيذ مراحل المشروع، وفي هذا الاتجاه أصبحت حائل في مرحلة شد الحبل بين طموح القيادة الحكيمة وأبناء حائل بالتقدم إلى الأمام وبين الكثير من المعوقات التي تشدها إلى الخلف فهل كتب على مشاريع حائل أن تموت واقفة؟ وما الاحتياطات التي اتخذت لتحصين كافة المشاريع من أن تصاب بمرض مشاريع حائل المعدي وفق التجارب السابقة؟ وأين دور الجهات ذات العلاقة بالمنطقة والوزارات خصوصا أن في حائل مشاريع عملاقة الآن تحتاج إلى آليات تنفيذية دقيقة وعيون متابعة أمينة وفاعلة وقوة قرارات رادعة لكل من لا يؤدي الأمانة على أفضل وجه. ولكي نكون أكثر إنصافا وعدلا ويكون طرحنا طرحا عقلانيا متزنا فإن الكثير من الجهات في بعض الوزارات وفي بعض الإدارات في حائل تستحق الإشادة في إنجاز بعض المشاريع أو حسن الإعداد لها بتوجيه ودعم من القيادة الحكيمة ومن صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز أمير منطقة حائل وسمو نائبه صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سعد بن عبدالعزيز، إلا أن الطموح لا يقف عند حد والمشاريع العملاقة متعددة وبحاجة للنقد وإبراز العوائق أكثر من الإشادة حتى تكتمل ويستفاد منها وتكون شاهدا حقيقيا على الدعم السخي من القيادة لجميع المناطق!!
صحة تغتالها المشاريع!!
فتخصصي حائل ذلك المستشفى الحلم والذي استبشر به المواطنون ووضع حجر أساسه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد الامين نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام عام 2005 وبلغت تكاليف إنشائه أكثر من 170 مليون ريال، لا يزال قيد الإنشاء دون أن تستكمل مراحله وربما ستمتد مراحل إنشائه لعدة سنوات قادمة قبل أن ينجز ويخدم المواطنين فمن المسؤول وما الحل؟
وكباري وجسور حائل اصبحت عنوانا غير حضاري لمشاريع لا تنجز إلا بعد ولادة متعسرة ويساعد على ذلك الآلية التي استخدمتها وزارة النقل بطرح مشروع الجسر الواحد على عدة مقاولين وعلى مراحل فعندما ينهي المقاول الجزء الأول تقوم وزارة النقل بطرح استكمال المشروع على مقاول آخر لتمنحه من جديد ثلاث سنوات جديدة لتزيد من تعقيد الأمور وتسهم في تأخير المشروع أكثر من اللازم، والسؤال المحير: لماذا مشاريع جسور حائل تطرح بهذا الشكل؟ لماذا لم تطرح كمشروع واحد على مقاول قوي وسريع الإنجاز؟ وهل كتب على مشاريع حائل أن تسير كالسلحفاة؟ ولماذا؟
والنقطة الأهم: ماذا لو حصل للجسر أي أمر خطير لا سمح الله؟ من يتحمل المسؤولية؛ المقاول الأول؟ أم المقاول الثاني؟ إنها عبارات يتناقلها الشارع الحائلي حاليا ولا يعلمون متى تنتهي مشكلة حائل مع جسورها؟
معادلة غير عادلة!!
ففي حائل مثلا كمنطقة تستعد لمرحلة مهمة وجديدة نطمح بإنجاز أكبر المشاريع العملاقة وبأسرع وقت ممكن ولكن ليس لدينا أعداد من المهندسين والفنيين في الإدارات الحكومية بما يكفي.. وفي عالم المشاريع الإنشائية العملاقة في مملكتنا الغالية نطمح إلى نقلة نوعية وتاريخية في كافة المشاريع والمجالات ومهندسونا بلا كادر هندسي وبلا مزايا وبلا رواتب وحوافز مالية ولك أن تتخيل مهندسا في إدارة ما لا يملك سيارة خاصة تنقله إلى مواقع المشاريع لمتابعتها، وحتى الإدارة التي يتبعها لم تؤمن له وسيلة نقل، فيا ترى كيف يتصرف؟ وماذا لو قام المقاول الذي يشرف على أعماله هذا المهندس بتأمين وسيلة النقل له؟!
إن الجوانب الهندسية وأعمالها ومشاريعها في وقتنا الحالي تحتاج إلى آليات تواكبها لا أن تشهدها إلى الخلف ودراسة أوضاع المهندسين في كل إدارة خدمية وإيجاد الحوافز المشجعة التي تعد من أهم الخطوات التي لا بد للجهات ذات العلاقة أن تدرسها وتعمل على إصدار لوائح وأنظمة جديدة لها لتسهم فعاليا في دفع مشاريع التنمية في مناطق المملكة إلى الإمام!
من عمق التجربة والمعاناة!!
ولكي نغوص أكثر في أعماق هذه القضية المهمة وجدنا أن المهندس فواز هليل الشمري ينقلنا إلى ذلك الواقع فيقول بمرارة: هل تصدق أنني عملت مهندسا في إدارة المشاريع لمدارس حائل لمدة أربع سنوات دون أن أمنح وسيلة نقل تنقلني بين مواقع المشروع والتي تتوزع في أنحاء منطقة حائل؟ فهناك مشاريع في ضرغط ومشروع في الشيحية ومشروع في السعيرة والجميع يعلم كم تبعد هذه المواقع عن حائل ولهم أن يتخيلوا كيف يستطيع المهندس أن يؤدي مهامه على أكمل وجه.
وقال: إن تعثر المشاريع في حائل والمناطق المشابهة لها يرجع إلى ضعف بعض المقاولين وقلة الكوادر الهندسية في الإدارات المعنية بالإضافة إلى ندرة تأهيل المهندسين والفنيين والحصول على دورات في حل مشاكل المشاريع وليس للوصول إلى عقوبة المقاول والتي ربما تنعكس سلبا احيانا على المشاريع والمنطقة.
مهندسون بلا كادر!!
وأضاف: ماذا تريد منه وهو لا يزال بلا كادر يحميه ويحمي حقوقه ولك أن تعرف أننا معرضون أكثر من غيرنا للإصابات وأحيانا للكسور وعند حدوث ذلك لا سمح الله يقول النظام عليك بمعالجة نفسك على حسابك. ولا يوجد أي بدلات ونحن نعمل في الشتاء والصيف وفي أجواء صعبة وفي مواقع بعيدة في منطقة مترامية الاطراف.
ثم قال: لا تزال تلك الاقسام الهندسية تسير بالبركة. وأوضح أن المهندس يتم تعيينه على المرتبة السابعة الدرجة الثالثة كأي موظف من الموظفين الإداريين ودون تمييز سوى أنه على الدرجة الثالثة والموظفون الإداريون على الدرجة الأولى. ويقول: المهندس يقحم بالعمل من أول يوم دون تأهيل ودون النظر إلى انه قليل خبرة ثم يحمل مسؤولية مشاريع أقلها (600) ألف ريال كمشروع ترميم أو إضافة ملاحق ثم يكلف ب (20) مشروعا بمبالغ تتراوح ما بين أربعة ملايين إلى (24) مليون ريال وهو مطالب بتسليمها والإشراف عليها ومتابعتها، وخلاصة القول: إن المهندس مجحف حقه في نيل الدورات بل إنه أحيانا لا يستطيع أخذ إجازته السنوية لكثرة الأعمال.
تلاعب المقاولين والحل!!
ثم كشف أن بعض المقاولين المتلاعبين أصبحوا محترفين في معالجة الأمور لصالحهم بدءا من العروض التي يتقدمون بها فأول ما يضع في حساباته التي يضيفها على المشروع هو مبالغ تماثل قيمة الجزاءات المتوقعة وكذلك الفجوة الكبرى بين الشركات القائمة على الحصول على الربح فقط مقابل أي عطاء والإدارات القائمة على الإنتاج للمشروع الراغبة بإنجازه بسرعة البرق دون النظر إلى الجودة!
أما المهندس خلف العقل من فرع مديرية المياه بمحافظة بقعاء فقال إن الجهود المبذولة من المهندس في عمله ومسؤوليته بحكم إدارته للمشاريع وإشرافه على تنفيذها يجب أن يكافأ عليها، بالتطوير والتحفيز بالترقيات وزيادة الرواتب والبدلات، حيث يقوم المهندس بأعمال من دون أي تحفيز يذكر. وقال: بالنظر إلى الترقية تجد أن أغلب المهندسين لا تتم ترقيتهم إلا بعد جهد ووقت مما يؤخره عن موعد الترقية بسنة أو سنتين أو أكثر وبالنظر إلى الراتب الشهري تجد أن جهد المهندس في دراسته وعمله لا يستحق هذا الراتب البسيط الذي يتقاضى أكثر منه معلم جديد في أول مربوط له، حيث إن رواتب المهندسين في القطاع الخاص تفوق رواتب مهندسي القطاع الحكومي بل تصل إلى الضعف في أكثر الحالات نظراً لكثرة المشاريع الحالية وطلبها للمهندسين السعوديين.
هجرة إلى القطاع الخاص!!
لذا أطلب من معالي الوزراء الذين لا تخلو وزاراتهم من وجود المهندسين ولا تستغني عن جهودهم النظر في إقرار كادر المهندسين الذي سيسهم في إيقاف نزوح المهندسين السعوديين من القطاع الحكومي إلى القطاع الخاص وسيحل في أماكنهم التي تركوها في القطاع الحكومي مهندسون أجانب أو تحت ما يسمى (الاستشاريين) وذلك بزيادة الرواتب والبدلات وأن تكون الترقية بشكل مباشر في مقر عمله بعد استحقاق المهندس للترقية في عمله.
أما المهندس بندر الشهيل فيرجع السبب الأول في القصور الحاصل في عدد من يعمل في مهنة الهندسة إلى الضعف المادي في مقابل العمل والمسؤوليات التي تقع على عاتق المهندس السعودي.
وقال في الدول المتقدمة ينظرون إلى مهنة الهندسة كمهنة ثانية بعد الطب من حيث الأهمية ولا أقلل من شأن المهن الأخرى.
مضيفا أنه لا بد من سرعة إقرار الكادر الهندسي حيث إنه هو المخرج الوحيد لحل هذه المشكلة وإلا فسوف يكون هناك عزوف عن مهنة الهندسة التي تقاس بها تقدم الأمم في شتى العلوم حيث إن تقدم الأمة اليابانية كان بتقدم مهندسيها وإن البرمجيات وصناعة السيارات والإلكترونيات هي مهن هندسية بحتة.
سوق مقاول من الباطن!!
وازدهرت سوق مقاول بالباطن في الآونة الأخيرة وأصبح بعض المقاولين يحرصون على أخذ أكبر عدد من المشاريع دون أن يقيس مدى قدرته على تنفيذ كل المشاريع التي رسيت عليه لأنه يقول أنا كاسب سواء نفذت أو نفذها مقاول من الباطن وهذا يجعل من المهم دراسة مثل هذه الظواهر وإيجاد حلول ملائمة.
دور غرفة حائل والتطوير!!
وتبرز جهود صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز أمير منطقة حائل وسمو نائبه وسمو مساعده في تطوير منطقة حائل والتي حظيت بدعم سخي من القيادة وبات من المهم وعلى ضوء المشاريع العملاقة التي تنفذ حاليا في المنطقة أن تكون هناك جهة اشرافية تنسيقية فاعلة تدرس وتتابع كافة المشاريع ليس بعد ترسيتها بل حتى من قبل ذلك لتعمل على تحفيز المقاولين الناجحين للدخول في منافسات مشاريع حائل وبالتالي تكون نظرتنا أشمل وحلولنا استباقية بالإضافة إلى أن وجود مثل هذه الجهة وبخطط واضحة يساعد على إيجاد حلول أسرع لمشاكل تأخر المشاريع.
كما أن عدداً من الأهالي لا يزال يتساءل عن دور غرفة حائل في تبني إنشاء شركات عملاقة في العديد من المجالات تكون ذراعاً تنفيذياً لتطلعات المنطقة ويذهب البعض إلى ما هو أبعد في مدى الاستفادة من رجل الهندسة الأول معالي الدكتور ناصر الرشيد في قيادة سفينة معالجة بعض مشاكل المشاريع المتأخرة بالمنطقة سواء بدعوته من قبل مجلس المنطقة أو الهيئة العليا لتطوير المنطقة أو المجلس البلدي لكي يسهم بفكره وخبرته وتجربته في حل العديد من تلك الإشكالات أو تكون بمبادرة سخية من مكتبه الهندسي بإعداد دراسات شاملة تتضمن حلولاً وآليات عمل ملائمة للمشاريع في حائل. والكلام نفسه ينسحب على المهندس علي الزيد كما يتساءل البعض عن دور الجهات ذات العلاقة في إقامة مؤتمرات وندوات ولقاءات مفتوحة حول أوضاع المشاريع بمنطقة حائل وفتح مناقشات جادة ومثمرة حول هذا الإطار تسهم على الأقل بحل جزء من المعوقات!!
الخلاصة!!
تبقى مشاريع الخير في جميع المناطق شاهدا على عهد الخير لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني إلا أن تأخر بعض الجهات التنفيذية في إنجازها يجعل الاستفادة منها من قبل المواطنين محدودة، وآن الأوان لإيجاد منهجية جديدة تبدأ بسن أنظمة للمنافسات الحكومية أفضل من الحالية ومن ثم دعم الوزارات والإدارات الحكومية الخدمية بعدد كاف من المهندسين وقبل ذلك النظر في أوضاعهم ومشاكلهم بدءا بإيجاد كادر هندسي لهم يساعدهم ويشجعهم على الإبداع وخدمة الوطن على أكمل وجه ولا شك أن إطلاق مثل هذا الكادر الهندسي في هذا الوقت يجعل منه حدثا مهما لهذه الفئة التي انتظرت طويلا وضحت كثيرا وأعطت الوطن بإخلاص.