إعلان هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر زرع (كاميرات) في المجمعات والأسواق التجارية لمراقبة الممارسات السلبية وضبط السلوكيات المنحرفة، كان سبباً في فتح شهية بعض الكتاب لمناقشة هذه المسألة والتعليق عليها، بل وأخذ نصيبه من كعكة نقد الهيئة،
التي غدت المادة الاجتماعية الأكثر رواجاً في وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية، حيث تباينت مقالات أولئك الكتاب بين رافض رفضاً قاطعاً للكاميرات في سياق رفضه لتجاوزات الهيئة في كثير من تعاملات أفرادها، وبين رفض متحفظ كونها لا تقع ضمن صلاحيات الهيئة أصلاً، وبين رافض متخف في رداء الحياد، من واقع حديثه عن سلبيات الكاميرات في مقابل إيجابياتها وإن كانت الأولى طغت على الأخرى في المحصلة النهائية لرأيه، ما يعني أن هناك تبايناً في الموقف (الرافض)، مع ذلك أرى أن استعراض أبرز تلك الآراء الرافضة ومناقشتها يمكن أن يسهم في تصحيح وجهة نظر مغلوطة، أو تجلية إيجابية مطمورة في غمرة صياح الرافضين، أو على الأقل كسب فضيلة المناقشة الهادئة في إطار الحوار الوطني غير المباشر.
رفض كاميرات الهيئة في الأسواق والمراكز التجارية انطلق بعمومه من خمسة محاور..
الأول أن زرع الكاميرات يخالف مبدأ (الستر) الذي تضعه الهيئة نبراساً في أعمالها وتشدد عليه في تصريحاتها، بحجة أنها لن تضمن عدم تسرب مواد الكاميرات إلى الإعلام أو عالم الإنترنت المفتوح، وانعكاس ذلك (سلباً) على الأوساط الاجتماعية وما ينشأ عنه من مشاكل عائلية، وهذا يقودنا إلى المحور الثاني الذي يركز على أهمية تحديد إطار قانوني للسلوكيات الأخلاقية وغير الأخلاقية بحيث لا تخضع لاجتهادات بشرية من قبل رجال الهيئة، بينما جاء المحور الثالث معتبراً الكاميرات انتهاكاً واضحاً ل(خصوصية) الناس في تحركاتهم وأسواقهم، بل يرى أحد الكتاب أن هذا الإجراء هو مخالف تماماً لشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن المنكر لا بد أن يكون (ظاهراً) ولا يؤدي إنكاره إلى إنكار أكبر منه وهو هتك ستر الناس بهذه الكاميرات، مشدداً على أن مشكلة الهيئة في فكرها (الرقابي).
أما المحور الرابع فيرى أن وضع هذه الكاميرات (غير نظامي) فلم يأخذ هذا الأمر تدرجه النظامي بعرضه على مجالس الوزراء والخبراء والشورى، بحيث ُتعتمد له آلية عمل واضحة ومقننة، فربما يشرعن ذلك لجهات أخرى بوضع كاميراتها أسوةً بالهيئة فنصبح شعب (كاميرا لكل مواطن)، يبقى المحور الخامس الذي يشير إلى الناحية (الأمنية) في عمل هذه الكاميرات، مؤكداً أن الكاميرات في كل أنحاء الدنيا هي للمساهمة في ضبط الأمن العام والحد من السرقات في المصارف والمتاجر والبنايات والشركات وغيرها، وهذه المهمة ليست من مهام الهيئة، إنما مسؤولية وزارة الداخلية والشركات العاملة في هذا المجال تحت ظل الوزارة، وهذا يعني في نهاية المطاف أن الهيئة تمارس أعمالاً ليست ضمن صلاحيتها.
إذاً أغلب الآراء السابقة تتمحور حول (المسألة النظامية) في قضية الكاميرات وارتباطها بفضيلة الستر وقضية الأمن وخصوصية المجتمع، وهذا يمكن علاجه وفق آليات عمل مقننة ومحددة المعالم، بحيث تخضع الهيئة للمحاسبة القانونية والقضائية في حال تم تسريب مواد الكاميرات أو استغلالها من جهتها، وأن يتم التعامل مع الكاميرات من خلال طرف (أمني)، وهذا ما صرح به الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشيخ عبد العزيز الحمين بخصوص التعامل مع الكاميرات من أنه سيكون عن طريق رجال الأمن والسلامة في الأسواق والمجمعات التجارية، أما مسألة (الخصوصية) فليست موجودة أصلاً لأن طبيعة الأسواق والمراكز التجارية (العامة والمفتوحة) تنفي هذه المسألة واقعاً، كما أن الإنسان (الجاد) الذي يدخل الأسواق لغرض التسوق أو تسلية أطفاله أو ارتياد مطاعمها لن يهتم بوجود كاميرا أو مراقبة، وإخوتنا الكويتيين يقولون: (لا تبوق ولا تخاف).
ولكن في المقابل أجد أن أكثر الآراء حجة في تبرير رفض الكاميرات كان الرأي الذي ارتكز على مسألة (التأطير الأخلاقي)، حيث وضّح الكاتب أن الناس لا يعرفون ما هي (قوانين كاميرات الهيئة)!! وكيف يمكن للهيئة تأطير (تحديد) ما هو أخلاقي وما هو غير أخلاقي، مشيراً إلى حالات تتكرر في الأسواق مثل أن تستوقف امرأة رجل وتسأله عن محل معين، أو أن يصادف رجل إحدى قريباته فيتحدث معها أو تقع حركة غير مقصودة في ازدحام..
إلى غير ذلك مما يظنه (المراقبون) خلف الكاميرات أنها معاكسات أو تحرش، كما أن الهيئة لن تستطيع أن تعرف من خلال الكاميرات طبيعة علاقة النساء بالرجال المرافقين لهم وهل هم محارم أما لا.
أما أطرف التعليقات بخصوص هذه الكاميرات فكان وصفها ب(كاميرا خالتي قماشة) في المسلسل الكويتي الشهير.
Kanaan999@hotmail.com