مشكلة كثير من الطيف (المتشدد) في بلادنا أنهم لا يتعلمون من التاريخ، ولا يستفيدون منه، فيكررون أخطاءهم، ويكتشفون - ربما متأخرين - أنهم يراهنون على الفشل. هذا ما تبادر إلى ذهني وأنا أتابع صوت التشدد والمتشددين الذين مارسوا (ممانعتهم) لعرض فيلم (مناحي) الأسبوع الماضي، من خلال ما يسمونه (الإنكار) عندما تجمع بضع عشرات من الشباب المتشدد خارج قاعة العرض في الرياض، وأعلنوا معارضتهم لعرض فيلم (مناحي). وأنا على يقين أن كثيراً من هؤلاء سذج بسطاء، يدارون من بعض المحرضين (المسيسين) بالريموت كنترول، ولو ناقشت أي واحد منهم محاولاً تفهم ممانعتهم وبواعثها وأسبابها لما وجدت إلا (الخواء الفكري) ليس إلا.
كلنا يعرف أن السينما وسيلة، مثلها مثل التلفزيون تماماً، إن وجهت للخير فهي خير، وإن وجهت للشر فهي شر. ومن عاصر زمن السماح بالتلفزيون في المملكة، وخطاب الممانعين له، والحجج التي احتواها خطابهم آنذاك، سيجد أنها (تماماً) ذات الحجج التي يرددها القوم في مواجهة السماح للسينما اليوم.
وفي رأيي أن أفضل من تحدث عن السينما بوعي وموضوعية هو الشيخ الدكتور سلمان العودة، في برنامجه الشهير (الحياة كلمة) على فضائية MBC يقول: (إن شاشة السينما أصبحت قائمة الآن في كل بيت، وإن شئت قل في كل غرفة، توجد شاشة عرض سينمائية، لا تعرض فيلماً واحداً أو مادة جديدة فقط، وإنما تعرض العديد من الأفلام أو البرامج) وأشار إلى (أن مجتمعاتنا العربية والإسلامية بحاجة إلى الانتقال من سياسة المنع إلى ثقافة المناعة). والشيخ العودة من خلال هذا الموقف يثبت أنه موضوعي، يتعامل مع المستجدات الحياتية بواقعية نحن في أمس الحاجة إليها، بدلاً من التشدد والتزمت والرفض والممانعة، وحكاية النعامة والرمل التراثية كما يفعل بعض من يتصيدون أي ممارسة اجتماعية فيرفعون أصواتهم بالممانعة والتصعيد.
النقطة الثانية التي لا بد من الإشارة إليها هنا أن معارضة بعضنا لإقامة صناعة (سينما سعودية) قوية وفاعلة يعني بالضرورة أننا سنبقى كما كنا مجرد (مستهلكين) للإنتاج العالمي، لا صلة لنا بصناعته. وهذا بكل المقاييس (تخلف)، لأننا أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن نغلق أبوابنا، وسماءنا، وموانينا الجوية والبحرية والبرية عن العالم، وعن ثقافة العالم، و(نتكلس) كما كانت تفعل طالبان، أو (ننفتح) ونتعامل مع هذه النوازل التي لا يمكن لنا مقاومتها، بالمشاركة في صناعتها بدلاً من الاكتفاء باستهلاك ما يصنع الآخرون. ولأن الخيار الأول مستحيل، وضرب من ضروب التدمير والانتحار للدول، فلا مناص من أن نتعامل معها بواقعية.
يقول أورين بانوفسكي: (إن السينما - سواء أحببنا أم لم نحب - هي القوة التي تصوغ أكثر من أي قوة أخرى الآراء والأذواق واللغة والزي والسلوك بل حتى المظهر البدني لجمهور يضم أكثر من ستين بالمئة من سكان الأرض)، كما جاء في كتاب (السينما آلة وفن: تطور فن السينما منذ عهد الأفلام الصامتة إلى عصر التلفزيون) لألبرت فلتون.
من يعارضون اليوم السينما، سيكتشفون في الغد أنهم كانوا مخطئين، وسينضمون إلى الركب. ومثلما عارضوا في الأمس (القنوات الفضائية) ثم تنافسوا (اليوم) على استثمارها (دعوياً)، ستمر السينما بما مرت به الفضائيات، وستذكرون كلامي. إلى اللقاء.