تأبت الطائف وتمنعت قبل عدة أشهر، ثم عبست وبسرت وزأرت في وجه ضيف ثقيل، رغب فيها ورغبت عنه، فرحّلت هذا الضيف.. رحّلت (مناحي فيلم)، قبل أن يفتح صندوق الدنيا العجيب الغريب، فيطل عليها منه أبطاله وكمبارسه.
* لا أدري كيف تورطت الرياض العاصمة - ومن قبلها تورطت محافظة جدة - في السماح بعرض فيلم مناحي السينمائي، وهو عمل يقال إنه فني وسينمائي - هكذا يقولون - لكني أقول وأجري على الله - وأنا لم أشاهد هذا الفيلم - إنه عمل لا فني ولا سينمائي ولا ما يحسبون، ولكنه عمل إرهابي..! لماذا..؟ لأنه ببساطة شديدة أيها السيدات والسادة - وهذا قولي وحدي - يروج لبطولات خلايا إرهابية، تنتمي للقاعدة وطالبان بدون شك، ويسوق لأفكارها، ويسوغ لعملياتها، تلك التي تنفذها بكل وحشية وحمق، ضد خلق الله الآمنين، عبر بحار العالم ومحيطاته، وعبر أنهاره وقاراته.
* أنا لم ولن أصدق، ولا يمكن أن يصدق عاقل على وجه البسيطة، أن عشرات من فضلاء القوم، وعشرات مثلهم كانوا من خلفهم معززين وداعمين ودافعين، يقفون على أبواب مركز الملك فهد الثقافي بالرياض يومي السبت والاثنين الماضيين، منددين وشاجبين وساخطين، من أجل فيلم سينمائي فني اسمه مناحي..! فيلم سينمائي (يُفترض) أنه ليس فيه أكثر من صور متحركة، فهو: (لا راح ولا جا)..! لا بد أن في الأمر ما هو أمرّ وأشرّ، وما يحتمل أنه أكبر من هذا بكثير؛ لأن وجود عدد من طلاب العلم الفضلاء، وما صدر عنهم من شجب واستنكار ووصف لمناحي بطل الفيلم والعمل نفسه، دال على ذلك، وكما كان يقول العرب القدامى في أمثالهم، وهم في الصحاري والقفار، يتبعون إبلهم وأمعازهم وأضآنهم، وربما يردد هذا أخلافهم من بعدهم اليوم، وهم يسيرون خلف مزايينهم الإبلية والمعزية والضأنية.. كان أولئك يقولون: (البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير)، سأقول مثلهم إذن: فالقاعدة الإرهابية على ما يبدو، كانت بكامل هيكلها وأجنحتها، وما فوق الأجنحة، وما تحت الأجنحة، تختبئ داخل لبوس الممثلين. وطالبان الخبيثة بكل غبائها وجهلها وغربتها على هذا الكوكب المعاصر، كانت تدور وتحور بين السطور، تعتسف سيناريو النص السينمائي تارة، وتتموسق مع معازف وصلات القطع في الفيلم تارة أخرى، وبين وقت وآخر، تقفز إلى العلن من تحت ألسنة أبطال الفيلم أنفسهم، وحتى الكومبارس، لا بد أن لهم دوراً في نشر الإرهاب في العاصمة السعودية، مستغلين أدوارهم الهامشية، وهم ينطلقون من بين أيدي الأبطال الممثلين في الفيلم، فكل كومبارس واحد منهم، له رسالة يؤديها، وغرض يخدمه، وله هدف يخلص له في سره وعلنه، ومن هذا المنطلق، أصبح وأضحى وأمسى فيلم مناحي، مما يشكل أكبر خطر علينا، بعد خمس وثلاثين سنة بدون مسرح ولا سينما، والقاعدة اللعينة ومعها طالبان الوبيئة، استغلتا لهفتنا وتهافتنا، واستثمرتا تهالكنا على الفن والفنون وما يفنِّنُون، والمسرح والسينما وما يسنِّمُون، فجاءتانا من هذا الباب الغريب العجيب، الذي استطعنا بكفاءة نحسد عليها من كل مخلوق على وجه الأرض، قفله بضبة حرصنا الشديد، وسده بمفتاح خصوصيتنا طيلة ثلاثة عقود ونصف..
* لا أصدق.. ولن يصدق أحد، أن فيلم مناحي، هو فيلم عادي.. هو بكل تأكيد، فيلم غير عادي، وهو عمل توج عدداً من الأعمال المسرحية والسينمائية الخطيرة التي سبقته، وكانت - على ما يبدو - بعضاً من إرهاصاته الإرهابية، التي تثير الغيورين على الوطن وأمنه وحياته ومستقبله في كل مرة.
* مناحي فيلم.. كشف لنا عن نفسه من أول يوم ظهر فيه على المشاهدين من خلف شاشة مركز الملك فهد الثقافي. اكتشفنا - ربما بمحض الصدفة - أن له علاقة بالزلازل في العيص، وله صلة بالزلازل في البحرين، واكتشفنا أن له قربى وثيقة بما مرت به البلاد من تفجيرات ابتداءً من العام 2003م وما تلا ذلك، واكتشفنا أنه كان يختبئ خلف مسرحية (وسطي بلا وسطية)، التي سبق أن عُرضت على مسرح كلية اليمامة في الرياض قبل أكثر من عامين، وأنه هو (مناحي فيلم) ما غيره، وراء حرق خيمة نادي الجوف الشعرية، ووراء الفعاليات الثقافية الشعرية والنقدية وغيرها، التي قابلها أفراد من فضلاء الجماهير بالرفض في أكثر من نادٍ أدبي، وأكثر من منبر ثقافي.
* مناحي فيلم.. عميل قاعدي، وواجهة لخلايا إرهابية، وإلا لما ثار ضده الغيورون على وطنهم ومجتمعهم، ووصفوا شخصية البطل فيه، بالكفر والفسوق والتفاهة..! فصول الفيلم الفني - كما يقولون - واضحة جلية، إلا الأسلحة النارية وحدها، فهي لم تخرج في صور الفيلم الفني، وإلا لاكتمل إرهابه أمام كل ذي عين، عوضاً عن ذي عينين.
* أوصي نفسي وأوصيكم أيها الطيبون، بضرورة وضع (مناحي فيلم)، تحت المجهر الدقيق من اليوم فصاعداً، وأن نفحص كل كلمة تخرج من فيه، وكل حركة أو لفتة تبدر منه، وكل لبس يظهر به، وكل ستارة يرخيها حيناً، ويرفعها حيناً، فلا يغرني ولا يغرنكم، إعلاناته ودعاياته، ولا موسيقاه وأضواؤه، ولا مؤلِّفه وممسرحه وبطله وكمبارسه.
* مناحي فيلم.. أيها الفيلم المزعج: إلى هنا يكفي..!
assahm@maktoob.com