يقول أحد أخبار مجلس الشورى في المملكة: (تدرس اللجنة المالية بمجلس الشورى إيقاف طرح أسهم الشركات الجديدة مؤقتاً لمدة عام واحد لتجاوز الانعكاسات المحتملة للأزمة المالية العالمية على الاقتصاد الوطني وعلى سوق المال).
الخبر ربما يكون مُبرراً (اقتصادياً) إذا ما قرأناه بعيداً عن واقعنا المحلي، وبالذات المطالبات التي تضج بها مواقع الإنترنت، ويتداولها الناس في أحاديثهم الخاصة، والتي تعتبر تحويل بعض الشركات (العائلية) الكبرى إلى شركات مساهمة، (مطلباً وطنياً) من مطالب الإصلاح في البلاد، ليتسنى للجهات الرقابية مراقبة أعمال، ومشاريع الشركات العائلية التي يسند إليها مشاريع إنشائية عملاقة. الشركات العائلية تكتنف دفاترها المحاسبية في العادة (السرية)، ويصعب بالتالي تتبع صفقاتها ومدى مشروعية واستقامة هذه الصفقات. بينما أن شركات المساهمة كما هو معروف تخضع لأنظمة محاسبية صارمة، تجعل كل تعاملاتها وقيودها، ومصروفاتها، وبالذات صفقاتها من الباطن، على (المكشوف)، ومتاحة لكل المساهمين، الأمر الذي يحقق قدراً من الشفافية، وبالتالي (الرقابة)، التي قد لا تتاح بنفس القدر في الشركات العائلية الخاصة. وهذا سبب انزعاجي وكذلك انزعاج الكثيرين من اتجاه مجلس الشورى إلى إيقاف طرح أسهم الشركات الجديدة.
قبل فترة كتبت في هذه الزاوية مطالباً بأن يُفرض على شركتي (سعودي أوجيه)، (ابن لادن) أن تتحول إلى شركتي مساهمة، وذلك لكونهما أكبر شركتين تقومان بتنفيذ المشاريع الحكومية الإنشائية العملاقة، وكتبت بعد ذلك عن خطورة أن تضطلع الشركات العائلية بالمشاريع من خلال تعميدات الشراء المباشرة، التي لا تخضع لنظام المنافسات. وقد تلقيت الكثير من ردود الأفعال المؤيدة لهذا الاقتراح؛ على اعتبار أن الشركة المساهمة ستعود أرباحها، وكذلك مشاريعها من الباطن، إلى شريحة كبيرة من المواطنين وليس إلى أشخاص معدودين؛ وفي الوقت نفسه يُسهل على الجهات الرقابية الحكومية مراقبة تكاليف مشاريعها، الأمر الذي يمنع (عملياً) الشركة من المبالغة في عطاءاتها، أو التلاعب في التكاليف؛ لأن التكلفة وتقدير الربح تتم على المكشوف، وبعيداً عن الغرف المغلقة.
وهذا يعني أن التحول من الشركة الخاصة إلى الشركة المساهمة ليس مجرد إجراء اقتصادي بحت، وإنما هو أيضاً أسلوب (رقابة) نموذجي لكبح جماح المبالغات في تكاليف مشاريع الإنشاءات العملاقة، التي يقولون إنها وصلت في بعض المشاريع إلى أرقام لا تصدق، ولا يمكن تبريرها مهما كانت المواصفات، ومتطلبات تنفيذ هذه المشاريع؛ ناهيك عن أن التوجه إلى الشركات المساهمة الإنشائية العملاقة سيوسع في النتيجة قاعدة المستفيدين من عوائد مثل هذه المشاريع من أبناء الوطن، ويضمن بقاء رؤوس الأموال (داخل المملكة)؛ ونساعد في النتيجة الاقتصادي المحلي على النمو.
ولأن من مهام مجلس الشورى الرئيسة الرقابة على المشاريع الحكومية وسلامة تنفيذها، وكذلك (التأكد) من استقامة التعاملات المالية الحكومية، فإن تعطيل مثل هذه الآلية، أو تعليقها، أو تأجيل العمل بها، والتي (نأمل) منها الكثير في تقويم مسار المشاريع الحكومية الكبرى، لن يكون في مصلحة مسيرة الإصلاح التي نعمل على نقلها من النظرية والكتابة والمطالبة إلى التطبيق الفعلي على أرض الواقع.
إلى اللقاء.