لقد تحولت ثلاثة طوابق من مبنى البرلمان في مولدوفا إلى خرائب متفحمة. وهذه هي نفس حال الديمقراطية في مولدوفا، الجمهورية السوفييتية السابقة التي أصبحت الآن أفقر دولة في أوروبا. من بين سكان مولدوفا الذين بلغ تعدادهم 3.5 مليون نسمة عند الاستقلال رحل حوالي 15% عن البلاد سعياً إلى حياة أفضل في أي مكان آخر. وأكثر من 36% من شباب مولدوفا الحاليين يقولون إنهم يريدون الرحيل.
في مطلع شهر إبريل-نيسان كان النصر الانتخابي المتنازع عليه الذي أحرزه الشيوعيون الذين يحكمون مولدوفا سبباً في اندلاع الاحتجاجات في كل مكان. ونزل المعارضون السياسيون وأفراد الشعب الساخطون إلى الشوارع، وأغلبهم من الشباب الذين تكاد تكون فرصتهم في الحصول على عمل معدومة. واقتحم قِلة من المؤمنين بالعنف مقر رئيس البلاد ومباني البرلمان فأشعلوا فيها النيران.ورداً على ذلك ألقى الشيوعيون المسؤولية عن العنف على عاتق الأحزاب السياسية المعارضة، التي وصفوها بالأحزاب الفاشية. وفرضت الشرطة إجراءات صارمة ضد الشباب واحتجزت المئات منهم. ولقد توفي العديد منهم نتيجة للضرب فيما يبدو. وفي وقت لاحق أصدر الرئيس فلاديمير فورونين قراراً بالعفو العام عن المحتجزين. غير أن العديد منهم ما زالوا محتجزين وما زال فورونين مستمراً في كيل الاتهامات للمعارضة ورومانيا بتنظيم انقلاب ضده. هذا فضلاً عن الدعاوى القضائية التي أقيمت ضد أحزاب المعارضة. إن استعادة الاستقرار والنظام الديمقراطي العادل في مولدوفا يشكل أهمية كبرى، أولاً وقبل كل شيء لأن أهل مولدوفا يستحقون حكومة قابلة للمساءلة. والاستقرار مهم أيضاً لأن البلاد تشترك في حدودها مع رومانيا، ورومانيا من البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. ويشترك البلدان في اللغة والثقافة، وقبل أن يفصل ستالين بينهما كانا جزءاً من دولة واحدة. ويعتقد أفراد قلة ذات صوت مسموع في مولدوفا أن دمج بلدهم مع رومانيا من شأنه أن يضع الدولة على مسار سريع نحو الالتحاق بعضوية الاتحاد الأوروبي، بما يحمله ذلك من امتيازات مالية سخية، بل وربما كان الأمر الأكثر إغراءً يتمثل في حصول مواطني مولدوفا على جوازات سفر تمكنهم من الإفلات من الاقتصاد الميئوس منه وبناء حياتهم في مكان آخر. الواقع أن العديد من مواطني مولدوفا يحملون جوازات سفر رومانية تسمح لهم بالسفر والعمل في الاتحاد الأوروبي. ولقد ناقش بعض المسؤولين الرومانيين، ومنهم الرئيس ترايان باسيسكو، بصورة غير رسمية، فكرة توزيع جوازات سفر رومانية على عدد قد يصل إلى المليون من مواطني مولدوفا، أي ربع سكانها تقريباً.
وبطبيعة الحال فإن حكومة مولدوفا تحول دون أي محاولة لإغراء مواطنيها بالرحيل. يتعين على الولايات المتحدة أن تفعل المزيد للمساعدة في تحقيق الاستقرار لمولدوفا.
وبمشاركة الاتحاد الأوروبي تستطيع الولايات المتحدة أن تساعد في ضمان إجراء تحقيق جاد في أعمال العنف التي اندلعت في أعقاب الانتخابات وفي الشكاوى المقدمة ضد قوات الشرطة.
وينبغي لأميركا أن تكون أكثر قوة في مطالبة السلطات في مولدوفا باحترام حكم القانون، وإصدار قائمة بأسماء كافة الأشخاص المحتجزين، والسماح لهم بالوصول إلى المحامين وأفراد الأسرة، وضمان عدم تعرضهم لمضايقات أو تحرشات من أي نوع.
يقول زعماء المعارضة ومنظمات حماية الديمقراطية إن العملية الانتخابية في مولدوفا كانت معيبة بصورة أساسية.
ذلك أن منافذ البث الإعلامي في البلاد، وخاصة القنوات التلفزيونية، منحت قدراً غير متناسب من زمن البث للنظام الشيوعي الحاكم أثناء الحملة الانتخابية. ويزعم البعض أن الشيوعيين عمدوا إلى تزوير عملية الاقتراع بإضافة أسماء مختلقة إلى قوائم الناخبين، بل وإصدار بطاقات انتخابية للموتى. في الأمد البعيد، يتعين على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يدعما منظمات المجتمع المدني في الضغط على حكومة مولدوفا لإرغامها على ضمان التوزيع الأكثر عدلاً لزمن البث التلفزيوني، ووقف التحرشات من جانب قوات الشرطة بزعماء المعارضة السياسية والعمال والصحافيين، وإصلاح جهاز الشرطة، ومنع استغلال الحزب الحاكم لمؤسسات الدولة، والسماح لكافة الأحزاب السياسية بتفقد القوائم الانتخابية ومراقبة مراكز الاقتراع.
كما يتعين على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أن يصرا على إشراك أحزاب المعارضة في حوار وطني. تستطيع الولايات المتحدة أن تمارس الضغوط اللازمة لتنفيذ مطالبها وذلك بوضع شروط للمساعدات المالية التي تقدمها لمولدوفا. ويتمتع الاتحاد الأوروبي بقدر أعظم من النفوذ. ذلك أن مولدوفا أكثر اعتماداً على الاتحاد الأوروبي من أي جمهورية أخرى من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة.
ويستحوذ الاتحاد الأوروبي على نصف التجارة الخارجية للبلاد، وتتلقى مولدوفا مساعدات مالية كبيرة من الاتحاد الأوروبي. كما يعمل أغلب المهاجرين من مولدوفا في الاتحاد الأوروبي، ويؤيد أكثر من 75% من مواطني مولدوفا الالتحاق بعضوية الاتحاد.
يتعين على رومانيا أيضاً أن تلعب دوراً في هذا الأمر وأن تعرض على مولدوفا التوقيع على معاهدة أساسية واتفاقية حدودية.
إن آخر ما يحتاج إليه الفقراء في مولدوفا هو حكومة استبدادية غير مسؤولة وتفتقر إلى القدر الكافي من الخيال لإيجاد السبيل إلى إحياء البلاد. وآخر ما يحتاج إليه الاتحاد الأوروبي هو تدفق مئات الآلاف من المهاجرين الفارين من الفقر، والقمع السياسي، واليأس في مولدوفا وغيرها من بلدان الاتحاد السوفييتي السابق.
***
أركادي بارباروسي المدير التنفيذي لمعهد السياسات العامة في تشيسيناو بمولدوفا. وإيجور بوتان رئيس رابطة ديمقراطية المشاركة والتي تتخذ من تشيسيناو مقراً لها.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2009.
www. project-syndicate. org
خاص «الجزيرة»