درستُ على يدي معلمات من مصر الحبيبة. كما قرأت كثيراً من كتب الأدباء المصريين وتأثرت بها، ولا زلت على تواصل معهم قراءة واطلاعاً.
وأرى أن مصرَ حضارة لا تندثر! بل إنها تكاد تكون فعلاً (أم الدنيا).
ولعله من باب الامتنان ورد الجميل لها أن أقول ذلك، وعسى ألا أكون قد قصرت في حقها!
ورغم اختلاف الظروف البيئية والثقافية والاقتصادية، إلا أننا نسير على خطى المصريين بكل شيء! وأستعجب كيف تحولنا إلى شعب يعشق الفرفشة والنكتة والوناسة! ربما بحكم التقارب أو المحاكاة لأهل مصر، أو بسبب كثرة ما نشاهده من أفلام ومسلسلات تجذرت في دواخلنا وأصبحت تطرح ثمارها!
وأزعم أننا قد تعلمنا من الشعب المصري كل شيء إلا شيئاً واحداً، وهو كيفية تدبير المعيشة وما يصاحبها من حكمة بالاقتصاد في الصرف والبحث عن دخل إضافي.
فالمصريون يؤمنون بحكمة عظيمة ومثل يجري على ألسنتهم كجريان النيل في بلدهم، وهو (اللي ما عندوش ما يلزموش)!
ترى كم واحد منا لا يملك شيئاً ويُلزم نفسه بكل شيء، وكأنه مطلوب منه؟! ومثل ذلك: رب أسرة متوسطة الحال يطلب منه أبناؤه أحذية وملابس لحضور مناسبة ومقابلة الناس فيرفض بدعوى ضيق ذات اليد، بينما تجده يذبح خروفاً ويقدمه مع ملحقاته لضيوفه، مكلفاً إياه أكثر من مبلغ شراء أحذية لأبنائه وأبناء جيرانه! والطامة الكبرى عندما يستلف مبلغ الوليمة، والأشد إيلاماً حين تجده يسكن بيتاً مستأجراً وسيارته بالأقساط ومع هذا يقترض ليسافر في الإجازة! فأينه وتطبيق المَثل الحكيم (اللي ما عندوش ما يلزموش)؟! فهل يخجل هذا الشخص من ظهوره أمام أقاربه بصورة العاجز وهو بالفعل لا يستطيع؟!
والأدهى من ذلك استخدام خدمة (كلمني) عند الاتصال بشخص معين وإلزامه بدفع فاتورة (حكي وهذر) لا داعي له، لدرجة أن أصبحت هذه الرسالة وكأنها ملزمة بالاتصال لمن يتلقاها، وقد لا يكفي رصيده فيضطر لشحن جواله لمكالمة ذلك الشخص الذي يرغب فقط ب(الفضفضة)!
أتعرفون الفضفضة؟! إنها أكبر حارق للمال والوقت و...الفكر! حتى اقتنعتُ بعدها أن السكوت فعلاً يكسبك الذهب باعتبار أن الكلام عبر وسائل الاتصال يكلفك أموالاً طائلة.
وهنا تحولت الحكمة إلى: (إذا كان الكلام يخسرك حتى الفضة فإن الصمت يكسبك الهيبة والذهب) وإن كنتَ لا تملك الذهب أصلاً فإنه لا يلزمك الكلام استناداً على المثل المصري الشهير!
أيها المصريون الأعزاء: لم تتركوا لقادم الأيام شيئاً من الأمثال! فحضارتكم لا تنحصر بالمكتبات والآثار والتراث فحسب، بل حتى بالحكمة! أليست بلادكم أرض الكنانة والأهرامات؟! أما نحن فبدلاً من فخرنا ببلاد عظيمة واسعة تحتضن الحرمين وتقع بين بحرين وتزخر بالخيرات، أصبحنا نتفاخر بالمظاهر والشكليات والولائم، في الوقت الذي نجتر فيه الشكوى والسخط والتذمر من الفقر وضيق ذات اليد والنظر لما عند فلان وعلان، بينما لدينا دخلٌ كبير يكفينا ويزيد! أيها المصريون الحكماء: استوردنا منكم النكتة بهدف البسمة، وتركنا الحكمة وأخذ العبرة!!
rogaia143 @hotmail.Com
ص. ب 260564 الرياض11342