أقيم في مدينة الرياض منذ أكثر من 20 عاماً، وهي عاصمة بحق كونها مدينة كبيرة ومترامية الأطراف، لذا أتصور أنها تضم بين جنباتها آلاف الاستراحات والمقاهي التي يقصدها الشباب للترويح عن أنفسهم، سواءً من عناء العمل.
أو همّ الدراسة، أو لعدم وجود أماكن خاصة بهم في ظل الحصار الاجتماعي، الذي يواجهونه تحت لائحة (للعائلات فقط)، وعليه لم أسمع أو اقرأ خلال إقامتي في الرياض أن أحد مسئوليها الحكوميين أو رجال الأعمال فيها قد خرج على الملأ، وقال إن تلك الاستراحات والمقاهي تسرق شباب الرياض، وتصرفهم عن العمل والإنتاجية الإيجابية، لأن الواقع المعاش يقول ببساطة إنهم يعملون أو يدرسون ثم يروحون عن أنفسهم بالقدر الذي يرونه، غير أن أحد رجال الأعمال في حائل وهو الشيخ علي الجمعية له رأي آخر عبّر عنه في اللقاء المفتوح، الذي أقامته جامعة حائل في يوم الثلاثاء 17 جمادى الأولى 1430هـ الموافق 12 مايو 2009م، ضمن سلسلة (تنمية القيادات الشابة)، حيث اعتبر أن وجود (5000) استراحة في حائل يمثل تهديداً حقيقياً للتنمية في المنطقة، لأن شبابها يقضون (أربع ساعات) يومياً في الاستراحة، ما يعني ضياع (20 ألف ساعة) يومياً، مطالباً شباب المنطقة بضرورة التخلص من ما أسماها (ثقافة الاستراحات)، وقد وافقه في وجهة النظر هذه معالي الدكتور أحمد السيف مدير جامعة حائل، الذي اعتبر الاستراحات جزءاً من معوقات الاقتصاد، وأن على شباب حائل الذين يريدون أن يكونوا من القيادات الشابة الإسهام في تنمية المنطقة، عليهم التخلي عن (ثقافة الاستراحات)، وأن ذلك يستغرق 15 عاماً لكي يتحولوا من هذه الثقافة إلى (ثقافة الإنتاج) جراء الطفرة التي تحدث في المنطقة.
إني أحترم الشيخ الجميعة وأقدر أن وجهة نظره فعلاً تعكس الحقيقة الغائبة لو كانت منطقة حائل هي الوحيدة التي تنتشر فيها الاستراحات بالآلاف، خاصةً أن (الاستراحات الخاصة أو التجارية) غدت جزءاً من تقاليد الحياة الاجتماعية للفرد والأسرة السعودية بشكل عام، فما بالك بالنسبة لحائل التي تعرف على مستوى المملكة بعادة اجتماعية يومية هي الديوانيات (الشبات بلهجة أهلها)، فضلاً عن أن واقع هذه المنطقة لا يؤيد وجهة النظر (المتحاملة) على شباب حائل، وكأنهم (شباب تالف لا خير فيه)، والحقيقة أنهم خلاف ذلك، ولعل واقعة (إنقاذ امرأة في حائل) من الغرق بشجاعة أربعة شبان، التي تزامنت مع اللقاء المفتوح للجميعة تؤكد ذلك بجلاء، بمعنى أنهم عقليات معطلة وطاقات مهدرة تنتظر فرصتها للمشاركة في برامج التنمية.
لقد كان الأجدى بالشيخ علي وهو المتمرس في عالم المال والأعمال أن يستعرض ل(شباب حائل) الأسباب الحقيقية التي خنقت كثيراً من مشاريع المنطقة فصارت بين فاشلة ومتعثرة، أو أن يحدثهم عن شركات أفلست، رغم أنها تملك كل مقومات النجاح وأولها حاجة المنطقة لنشاط تلك الشركات، التي لم تكن ل(ثقافة الاستراحات) أية صلةٍ سلبية بها أو تأثيراً عليها، بل خطط لها وأدارها من كانوا يسمون أنفسهم رجال الأعمال وأعيان المنطقة. إني هنا لا أدافع عن شباب حائل بقدر ما أطالب أن تتاح له الفرصة أولاً، من خلال برامج تنموية عملية تشكل بيئات عمل حقيقية لمشاريعه الخاصة وأعماله الحرة، ومن ثم يكون من المنطقي الحكم عليه وعلى طريقة حياته وتنظيم وقته وإنتاجه العملي، أما أن تكون الفرص الوظيفية قليلة ومقاعد الدراسة الجامعية محدودة والأعمال الحرة مرتبطة بشروط تعجيزية من هذه الجهة أو تلك، فهذا يشبه بمن يلقي أحدهم في البحر ويحذره من أن يبتل بالماء.
Kanaan999@hotmail.com