في حياة كل منا أيام مهمة ومفصلية ومؤثرة فيما بعدها وتختلف غالباً عمّا قبلها، فيوم الميلاد الذي انتقلت فيه من دار البطن والظلمات الثلاث إلى الدار الدنيا التي لها مواصفات وحسابات تختلف عمّا قبلها وجزماً ليست مثل ما بعدها يوم مهم، ويوم دخول المدرسة الذي انتقلت فيه من دائرة المنزل الصغير إلى محضن جديد.. ويوم امتلاك الدراجة (السيكل) الذي جعلك تجوب شوارع الحي وتتعرف على أطفال الحارة وتربط صداقات أوسع بعد العصر.. ويوم شراء السيارة التي بها اتسعت الدائرة حتى أطراف المدينة وربما خارجها ومعها تعددت الصدقات وتنوعت النشاطات وتعززت الاهتمامات.. ويوم دخول الجامعة الذي به تحددت أبرز معالم مستقبلك المعرفي والوظيفي غالباً.. ويوم التخرج الذي معه بدأ التخطيط لمرحلة جديدة من العمر.. وأول يوم لك في الوظيفة.. وليلة العرس.. ويوم المولود الأول لك.. والحال يتكرر مع الأولاد والأحفاد.. هذه الأيام هي في نظري أهم أيام العمر لدى الغالبية من الناس ويختلف الترتيب وتتباين الأولويات من شخص لآخر حسب الوراثة والبيئة والظروف والتنشئة، ومع أن الكل له أثر في بقية أحداث الحياة لكن اليوم الذي يحظى بشبه إجماع عالمي على تميزه وتفرده وأثره الأقوى على مستقبل الإنسان هو يوم التخرج في الجامعة إذ إن ما بعده غالباً يبنى عليه، وهو عنوان التفوق ومن ثم الانطلاق لميدان العمل والحياة العامة ولذا عالمياً تحتفي الجامعات كل الجامعات هذه الأيام - حسب علمي- في زف طلابها الذكور والإناث إلى ميدان العمل، وتختلف الطقوس والمراسم من بلد لآخر بل إن لبعض الجامعات أعرافها الاحتفالية الضاربة في التاريخ والتي ما زالت موجودة وقائمة حتى هذه اللحظة وربما إلى الغد، وفي هذه البلاد كان الولد عندما يجيد حفظ سور من القرآن ويتقن تلاوة كتاب الله عز وجل، ويعرف أحكام الصلاة، ويدرس أصول الإسلام، يسير به (المطوع) وقد يقال (الشيخ) أو (الملا) أو (الستاذ) ومعه بقية الصغار الذين يدرسون في حلقة المسجد وسط أحياء القرية يزفونه حتى منزله ويشهرون صنيعه في مجتمعه الصغير، كما كانت الإذاعة قبل سنوات معدودة تعلن أسماء الناجحين وتنشرها الصحف، واليوم تحتفل الجامعات السعودية بتخريج طلابها احتفالية عامة يسجلها ثم يعرضها من الغد التلفزيون الرسمي وتغطيها الصحف والمجلات، والجميل في هذه المناسبة السنوية التي تعد - كما ذكرت - من أجمل أيام العمر في رزنامة الخريج أن يُشّرف أصحاب السمو الملكي الأمراء الحفل ويرعون المناسبة ليباركوا لأبناء الوطن إنجازهم وليشهدوا ليلتهم التي ستظل محفورة في الذاكرة، وهذه سنة حسنة عودنا عليها أمراء المناطق -رعاهم الله- ولها وقع في النفس كبير ليس فقط لدى الخريج بل عند ولي الأمر وعضو هيئة التدريس الذي يشارك طلابه الفرحة في هذه المناسبة السعيدة ويمتد الأثر النفسي الرائع لجميع منسوبي الجامعة وعلى رأسهم مديرها الذي يقف خلف هذا الإنجاز الوطني المبارك، فالشكر لأصحاب السمو هذه المشاركات الإيجابية في هذه المناسبات التاريخية التي هي وإن كان البعض من الخريجين لا يكترث بها كثيراً ولا يعرف قيمتها اليوم ويعتقد أنها مناسبة عارضة إلا أنها وعن تجربة ستكون من الأحداث المهمة في حياتك أخي العزيز وستؤرج بها وقد تسأل عنها كثيراً وربما كانت صورتك مع راعي حفل تخرجك والزملاء الذين درست معهم ومن درّسك و... صورة غالية يراها أولادك وتريها أحفادك وما يدريك فقد تضعها في كتاب سيرتك الذاتية في مستقبل أيامك، دعائي للخريج بدوام التوفيق في حياته العلمية والعملية والأسرية وأبارك لأولياء الأمور (الأب والأم) هذا الإنجاز لأبنائهم فهم من كان خلفهم منذ الصغر وحتى جاء يوم الحصاد، وكلمات الشكر تتقازم أمام عضو هيئة التدريس الذي بذل جهده ووقته من أجل الوصول لهذه اللحظة التاريخية الباقية في سجل كل خريج وهنيئاً للوطن هذه الأفواج من أبنائه الذين سيكونون بإذن الله سواعد عاملة وعقولاً مبدعة سنراهم في الميدان التنموي العام يعملون جنباً إلى جنب مع من سبقهم من أجل البناء والرقي وفي سبيل التنمية الوطنية المستدامة حماة وطن وجنود حق وحراس عقيدة ودمت عزيزاً يا وطني وإلى لقاء والسلام.