Al Jazirah NewsPaper Saturday  30/05/2009 G Issue 13393
السبت 06 جمادىالآخرة 1430   العدد  13393
في خطبة الجمعة بالمسجد الحرام
السديس يدعو لحسن استخدام معطيات التقنية الحديثة

 

مكة المكرمة - عمار الجبيري:

أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ عبدالرحمن السديس المسلمين بتقوى الله حقَّ التّقوى. وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها يوم أمس في المسجد الحرام إنه في مَعَارِج الكُشُوفاتِ والعِرفان، اسْتَقَرَّ إنسان هذا الزّمان، في عصر الثَّوْرَاتِ التِّقَانِيّة الهائلة، التي أسْفرت عن وسائل الاتصال السريعة المُتطوِّرة، فَخوَّلَتِ الإنسان أنْ يَتَواصل مع من شاء في أيِّ شِبْرٍ من المعمورة شاء، وفي أيِّ لحظةٍ شاء، في بثٍّ مُبَاشِرٍ مُفَصَّل، يَحْمِل الصَّوت والصُّورَة مَعَا. وما ذلك إلاَّ دليل عظمَة الخالق البارئ المُصَوِّر -سبحانه-، الذي هَدَى العُقولَ والأفكار فَصَنَعَتْ واخْتَرَعَت؛ وطوَّرت وأبْدَعَت، قال -جَلَّ جَلاله- مُمْتَنًّا على عِباده: (عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ).

وأضاف يقول: ومِمَّا ابْتَكَرَهُ العَقْل البَشرِي وجوَّدَه، وبما يذهل من العجائب أرْفَدَه، آلات ووسائل قد عَمَّ بين الخَلِيقة انتشارُها، وجَلَّتْ مَنَافِعُها وآثارُها، وكذَا أضرارها وأخْطارها، كَمْ أظْفرت مِنَ المُنَى والأرَبْ، مَتَى التُزِم فِيها الحِجَى والأدب، وكَم نَشَرَت مِنْ هُدَى واستقامَةٍ ومعروف، وحِكمةٍ ومَوعظةٍ وإغَاثةِ مَلْهُوف، يَسَّرت بُلُوغَ الأخْبَار، ونَتائج الأفكار، في لَمْحِ الأبْصار، بَيْن القرى والأمصار، مهما شط المَزَار، قَرَّبت البعيد، وجَدَّدَت العهيد، وغَدَت للعَالَم أجْمَعْ قطب رحى التّخاطب، ومَدَارُ الاتصال والتواصل. ولكنها في مُقابل ذلك، إنْ أسَاءَ حَامِلها وانْحَرَف، وللإثْم بِها اقْتَرَف، أصْبَحت بُوتَقَةً للشُّرُورِ والنِّقَم، فكم أوْقَعَت في مَصَائد المصَائِب، وألْقَت كثيرًا مِن مستخدميها بين أنْيَاب الغوائل والنَّوائب. ربَّاه ربَّاه، كم نَكَأت بِجهل مستخدِميها جُروحًا لم تَنْدَمِل، وجَرَّت أخطر افْتِضَاحٍ وَوَجَلْ، وقصَارى القول: مَنْ يَسْمَع يَخَل!! تلكم هي -يا رعاكم الله- وسائل الاتصالات الحديثة بما فيها الهواتف المحمولات، والحاسوبات وأجهزة التقانات، وشبكات المعلومات.

وأردف يقول: ومع تهافُتِ الناس على أرقى تِقانات تِلك الوسائل وأحدثِها، إلا أنك تُلْفِي لَدَيهم جهلاً ذريعًا بِحُسْنِ اسْتِعمالها وأَمْتَا، وخَطرًا مُحْدِقًا كالسَّبَنْتى، مِن: جَفافِ الرُّوح، وضعْف القِيم، وعجز الهِمَمِ دُون التَّحَدِّيات التي استهدَفت كثيرًا من قضايانا العقديّة والفكريّة، والثقافية والأمنية، كان رَافِدُها هذه الوسائل والتقانات المعاصرة، ولن يُرْتقى بالوعي الشرعي والأدبي والثقافي في ذلك، إلاَّ إذا قُوِّمت العقول، وشُذِّبَت الثَّقافات، وهُذِّبت التعاملات والانطباعات، إزاء تلك المتوارِدَات. وما أحرانا أن نُزجي للعالم الإسلامِيِّ دُرَرًا من كنوز شريعتِنا الغرَّاء عَبْرَ بَصَائر وإلْمَاحات، ووقفات سَنِيَّات، تكون تذكرة بأخْلاقِيات تلكم الوسائل وإيقاظا، وتسْدِيدًا إلى حُسْن استثمارها وإنْهَاضا؛ تطلُّعًا واستشرافًا لخيرٍ يَعُمّ، وتحذيرًا من شرور وبَوَائق تَغُمّ، بل لِيُؤجَرَ مُسْتعمِلوها ويَغْنَموا، ولا يَأْثَموا ويَغْرَموا، ومن المولى نَسْتَلْهِم الأيْد والتوفيق، والهدَى لأقوم طريق.

وعدد الشيخ الدكتور السديس الآداب والبَصَائر، وقال إن أولها إخلاصٌ للمولى، وحمدٌ وشكرٌ للمنعم -سبحانه- على هذه النِّعم الجُلّى، والادِّكار والاعتبار بما سلف من الأحوال والأعصار.

ومضى الشيخ السديس يقول: معاشِر الأحِبّة وما كان لهذه القضِيّة المهمّة، أن تُنَكِّبَنا عن أحوال أهالِينا وإخواننا في محافظتي أملج والعِيص وما جاورهما، حيث لا غنى لهم عن رِفْدِكم، وصَادِق دعائكم في جوف الأسْحار أن يكشف الله كُربتهم، ويزيل غُمَّتَهم، ويخفف لوعتهم، ويَرُدّهم إلى دورهم سَالِمين آمِنِين، وغير خاف على الجميع، أن التسلح بالإيمان بالله، والصبر على قضائه وقدره، واحتساب أجره، والإنابة إليه واستغفاره، وصدق اللجئ إليه، ودعائه مع عدم التهويل والإثارة، والسير وراء الإرجاف والشائعات، على أن الجُهد الرّائد المَشكور لولاة الأمور، ورجال الأمن والدفاع المدني، السَّاهرين على رعايتهم وعِنايتهم، مُضْفٍ بحمد الله للارتياح والسّرور، وبَلْسَمٌ دون وطأة القلق والوجوم، ضاعف الله لهم الأجر والمثوبة، وبَارك لهم آلاءه الهامية، ونعمه النّامِية، آمين.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد