د. حسن الشقطي
سادت سوق الأسهم خلال هذا الأسبوع حالة من التذبذب الشديد في ضوء مخاوف حدوث جني أرباح عنيف يليه استعادة للمسار الهابط من جديد؛ فقد أغلق مؤشر السوق عند 5789 نقطة خاسراً حوالي 263 نقطة في ضوء الهبوط الذي ضربه من الأحد إلى الثلاثاء، والذي تسبب في فقدانه لحوالي 330 نقطة.. ورغم ذلك، فقد تمكن المؤشر العام من التماسك في نهاية تداولات الأسبوع والإغلاق إيجابيا. ويأتي هذا التذبذب رغم وجود العديد من المحفزات التي تدعم تماسك المسار الصاعد، والتي من أبرزها صعود البورصات الأمريكية ومواصلة أسعار النفط تحقيق مستويات فوق 62 دولاراً.. فضلاً عن التطمينات الرسمية المتتالية حول قوة الاقتصاد السعودي ومقدرته على الخروج من الأزمة المالية العالمية سليماً. والسؤال الذي يفرض نفسه هو: هل فعلاً وضعية سوق الأسهم والمستجدات المحيطة به تستدعي كل هذا القلق؟ وهل هو جني أرباح أم نهاية مسار صاعد إلى إشعار آخر؟
محفزات جديدة
بعض الشركات الخليجية بدأت تثير قلقاً بأن الأزمة المالية بدأت تؤثر على أوضاعها المالية، بل إن بعض المستثمرين بدؤوا يلحظون تراخي في حركة النشاط الاقتصادي في الداخل.. وكل هذه الظواهر ليست بجديدة، ولكنها توابع منطقية ومتوقعة للأزمة المالية.. فمن الطبيعي أن تشعر الدول الخليجية كاقتصادات ناشئة بتأثيرات متأخرة لهذه الأزمة.. هذا في الوقت الذي صدرت فيه العديد من التصريحات الرسمية على أعلى مستوى حول قوة وسلامة الاقتصاد السعودي وقدرته على تجاوز أية تداعيات سلبية من جراء هذه الأزمة.. بل إنه لحسن الحظ فإن هذه التداعيات السلبية المتأخرة جاءت في وقت بدأت فيه ملامح الانفراج تظهر بوضوح على الاقتصاد العالمي من خلال التحسنات التي سجلتها غالبية أسواق المال العالمية هذا الأسبوع، وعلى رأسها داو جونز والأسواق الأوروبية وحتى الآسيوية.. فضلاً عن هذا، التحسن الذي سجلته أسعار النفط، التي أصبحت مستقرة فوق مستوى 62 دولارا برسوخ في ضوء تحسن مؤشر ثقة المستهلكين الأمريكي.. بل إن التوقعات انعكست اليوم لتشير إلى احتمالات حدوث طفرة جديدة في سعر النفط مشابهة لطفرة الـ145 دولارا خلال عام 2008.. أي أن البيئة المحلية والعالمية تسير في طريق تحفيز سوق الأسهم المحلي.
المؤشر كسر نقاط مقاومة مهمة.. ولكن!!!
التفاؤل بصعود المؤشر إلى مستويات تفوق 7000 نقطة شائعة ولا تجد لها سندا منطقيا، خاصة أن الأوضاع المحلية والعالمية لا تدعم مثل هذا الادعاء؛ فهذه الفترة لا تزال تموج باضطرابات الأزمة المالية التي قد تستمر لنصف عام آخر على أقل تقدير.. فحتى رغم الدعوم الحكومية لمساندة النشاط الاقتصادي، إلا أن الأزمة ستستمر وتسبب اضطرابا لقطاعات عديدة، أبرزها سوق الأسهم.. لذلك، فإن أي صعود قوي للمؤشر ليس في صالح استقرار السوق؛ لأن هذا الصعود قد يعرض المؤشر لسقوط عنيف مع أي تغيرات اقتصادية آتية من الخارج.. وخلال هذا الأسبوع لامس مؤشر السوق أدنى قاع له عند 5729 نقطة، كاسراً مستوى 5800 التي يعتقد المحللون الفنيون أن كسرها يقود إلى سيادة روح عدم التفاؤل بانتهاء وليمة الصعود الأخير، إلا أنه لا يزال هناك دعم بوجود المؤشر فوق مستوى متوسط 200 يوم.
صعود القطاعات ككتلة واحدة.. يمثل ضغطاً وتفريغاً للمؤشر
لسوء الحظ أن السوق لا يزال يتحرك ككتلة واحدة، وكنا نتمنى أن تصعد قطاعات ولا تصعد أخرى.. كنا نتمنى أن يمتلك السوق الآن قطاعات لديها فجوات أو بقية صعود يمكن أن يساند المؤشر الآن.. فالبتروكيماويات والمصارف والاتصالات وهي القطاعات الثلاثة القادرة على دعم المؤشر - على الأقل من السقوط العنيف - جميع هذه القطاعات صعدت خلال الأشهر الثلاثة بشكل قوي ربما تكون قد استنفدت من خلاله قوتها في تقديم أي دعم للمؤشر الآن.. فقد صعدت البتروكيماويات بنسبة 59%، في حين صعدت المصارف بنسبة 32%، وصعدت الاتصالات بنسبة 20.1%؛ لذلك فإن المؤشر الآن بلا داعم من القطاعات القيادية.
ثمار والباحة ومبرد... تحركات غير عادية..
من جديد عادت بعض الأسهم إلى تصدر قائمة النشاط أو بمعنى آخر تصدر قائمة المضاربات الشديدة، وعلى رأسها ثمار والباحة ومبرد التي أحرزت أرباحا لافتة للنظر هذا الأسبوع في ظل زيادة الكميات المتداولة من كل منها.. فقد جاءت هذه الأسهم الثلاثة ضمن قائمة الأعلى ربحية خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، حيث ربحت على التوالي 105%، و78%، و67%.. وبالطبع لا يوجد داخل القوائم المالية لهذه الشركات أو داخل أخبارها السوقية أي مبررات تدعم هذه الأرباح.. فقط عاد اهتمام المضاربين بها الذين كل يوم لديهم اهتمام بأسهم جديدة من هنا أوهناك.
الفر والكر بين الصناع وعموم المتداولين...
لا يوجد منهج ولا نظرية ولا تحليل يمكن أن يفسر ماذا سيحدث بالسوق الأسبوع المقبل ولا الذي يليه؛ لأن النظريات تتم صناعتها على نحو مختلف من قبل كبار المضاربين من يوم لآخر.. فيمكن أن يحدث هبوط ولا يكون بداية هبوط، ولكن يكون بداية لصعود جديد، ويمكن العكس كبداية لهبوط أقوى.. وهنا ينبغي الحذر من التعويل على التنبؤ الفني للسوق بشكل متكرر..
غياب صانع التوازن يهدد استقرار السوق
رغم وجود ثلاثة صناديق حكومية (صندوق الاستثمارات العامة والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية والمؤسسة العامة للتقاعد) في السوق، ورغم أن هذه الصناديق الثلاثة تمتلك في السوق ما يزيد على 35% تقريبا من إجمالي رسملته، ورغم أنها تعتبر من المستثمرين الرئيسيين وذات استثمارات طويلة المدى، رغم كل ذلك إلا أن السوق لا يزال يفتقر للصناع أو حتى الصانع الرئيسي للتوازن.. ففي الماضي كان الجميع لا يعلمون شيئا عن حصص هذه الصناديق، وكان الجميع لا يدرك على وجه التأكيد مدى تواجدهم أصلا من عدمه.. أما الآن فإن قوائم كبار الملاك أصبحت تفصح عن حصص كل صندوق وعن استقرار هذه الحصص إلا في حالات خاصة ضيقة.. فالقيمة السوقية لحصة صندوق الاستثمارات العامة في السوق وحده تزيد على 250 مليار ريال تقريبا، ويندر أن تحدث تغيرات في هذه الحصة في أي من الأسهم المستثمر فيها.. رغم كل هذا، فإن الجميع يتحدثون عن سيطرة المضاربات على السوق، وعن افتقاره لصناع التوازن.. فكيف يحدث ذلك؟ ولماذا لا تتأثر قرارات المستثمرين الأفراد في السوق بمعرفة أن هناك جهات استثمارية طويلة المدى لن تبيع مهما حدث؟
تدني نسبة الأسهم
الحرة في السوق
إننا نود أن نثير تساؤلا في غاية الأهمية هو: كم نسبة الأسهم الحرة إلى إجمالي الأسهم المصدرة في السوق؟ فحسب بيانات تداول فإن هذه النسبة تصل إلى 37.4% فقط، أي أن هناك 62.6% من أسهم السوق هي أسهم غير حرة وخارج التداول.. ولكن هذه النسبة الكبيرة (62.6%) من يمتلكها؟ هناك أربعة أطراف مستبعد أسهمها من حساب المؤشر هي: الحكومة أو مؤسساتها، والشريك الأجنبي إذا كان محظورا عليه البيع دون موافقة جهة إشرافية، والشريك المؤسس خلال فترة الحظر، ومن يملك 10% أو أكثر من أسهم شركة مدرجة بالسوق المالية السعودية.. أي أننا نستنتج أن كافة اضطرابات السوق الآن هي نتيجة لتداول نسبة 37.4% فقط من أسهمه.
مزيد من الضغوط على
سهم جبل عمر
يعتبر سهم جبل عمر من الأسهم القليلة المشهود لها بالنشاط والاستثمارية التي لم تنل الحظ الوفير من الربح خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة.. حيث لم تتجاوز ربحية السهم أكثر من 1.1%، رغم أن مؤشر السوق ربح خلال نفس هذه الفترة حوالي 32%.. أكثر من هذا، يتعرض سهم جبل عمر الآن لضغوط جديدة نتيجة جدل مثار حول ضوابط التخطيط وغيرها، التي يمكن أن تتسبب في مزيد من الضغوط على حركة تداول السهم خلال الشهر المقبل إذا استمرت على منوالها الحالي.
السوق خلال المسار الصاعد الأخير.. ربح قليل وخسارة موجعة
هذه عبارة يعبر بها أحد المتداولين عن حاله في السوق.. فما هو السبب؟.. السبب هو التفاوت بين المتداولين في مستويات المهارة والخبرة بعملية التداول والمضاربة في السوق.. فالاعتماد على نصائح الفضائيات والمنتديات لا يمكن أن يحقق ربحاً لأي متداول على المديين المتوسط أو البعيد.
(*) محلل اقتصادي
Hassan14369@hotmail.com