Al Jazirah NewsPaper Saturday  30/05/2009 G Issue 13393
السبت 06 جمادىالآخرة 1430   العدد  13393
ميدان السلام السماوي مرة أخرى
جون ديلوري

 

كان نشر المذكرات السرية المسجلة بصوت رائد إصلاح الحزب الشيوعي الراحل زهاو زيانج، الذي سعى إلى (استئصال الخلل من جسم النظام الاقتصادي الصيني) ثم توفي تحت الإقامة الجبرية نتيجة لجهوده، كان سبباً في اشتعال النقاش من جديد حول التركة المعقدة التي خلفتها احتجاجات ميدان السلام السماوي التي اندلعت في عام 1989م.

ومع تزايد حجم الصين في الاقتصاد العالمي، فمن الجدير بنا أن نتذكّر أنّ جمهورية الصين الشعبية كانت على وشك الانهيار منذ عشرين عاماً تقريباً.

ذلك أنّ حركة الاحتجاج التي احتشدت في ميدان السلام السماوي في ذلك العام، كانت تشكل خطراً هدَّد وجود دولة الحزب الشيوعي التي أعلن ماو تسي تونج عن ميلادها في نفس البقعة منذ أربعين عاماً.

وكان ذلك التهديد يأتيها من اتجاهين - من جانب أعلى المستويات القيادية في الحزب، حيث تسببت الخلافات الإيديولوجية بشأن الإصلاح في انقسام القيادة السياسية الحاكمة، ومن جانب الجماهير من سكان المناطق الحضرية، الذين وقفوا في الطليعة مع طلبة جامعة بكين في ثورة سلمية صريحة ضد سلطة الدولة.

ومن العجيب في الأمر أنّ الحزب خرج من الأزمة موحداً حول رؤية دنج شياو بينج التي تمحورت حول (اقتصاد السوق الاشتراكي)، ونجح في استعادة شرعيته لدى سكان المناطق الحضرية من خلال تنفيذ هذه الرؤية.

ولقد استعاد الحزب وحدته استناداً إلى برنامج للنمو المتكامل القائم على قوى السوق، وتم تنفيذ ذلك البرنامج دون وساطة من (معبودة الطلبة) الديمقراطية، وبفوائد مادية ملموسة عادت على سكان المدن.

لا أحد يستطيع أن يشكك في تسارع التنمية الحضرية والاستثمار ونمو الناتج المحلي الإجمالي طيلة عقد التسعينيات، غير أنّ الفجوة بين الفائزين في المناطق الحضرية والخاسرين في المناطق الريفية كانت أيضاً في اتساع.

لقد تشتتت طاقة الاحتجاج التي أشعلت أحداث ميدان السلام السماوي إلى خارج المدن وانتشرت عبر المناطق الريفية.

في خضم البداية الحماسية لمظاهرات عام 1989، سار أكثر من ثمانين ألف طالب عبر شوارع بكين مطالبين بحكومة أكثر استجابة لمطالبهم.

وبحلول عام 2005 كان عدد الاضطرابات الشعبية المسجلة عبر البلاد قد تجاوز ثمانين ألفاً - ولكن أغلب هذه الاضطرابات لم يكن في المدن الساحلية المزدهرة، وليس في جامعات النخبة الوطنية بكل تأكيد.

كان العمال المسرحون، والمزارعون الذين انتزعت ملكيتهم، وأتباع حركة فالون جونج، وأهل التبت الغاضبون ينظمون الاحتجاجات طيلة العشرين عاماً الماضية. ولكن لم تقع أية احتجاجات حضرية يقودها الطلبة على غرار تلك التي شهدها ميدان السلام السماوي في عام 1989م.

إنّ الازدهار الاقتصادي في عهد الرئيس جيانج تسه مين وخلفه هيو جينتاو، وهو الازدهار الذي نجح في توجيه تمرد الشباب إلى قنوات المشاريع التجارية والنجاح المهني، لم يكن ممكناً إلاّ بفعل نجاح دنج في منع قيادة الحزب من التفتت أثناء احتجاجات الطلبة في أواخر ثمانينيات القرن الماضي ووسط ردود الفعل المحافظة في أوائل التسعينيات.

ومع بداية اندلاع الاحتجاجات كان زهاو زيانج، وهو الخليفة الذي اختاره دنج، يميل إلى استخدام الحركة الجماهيرية كقوة دافعة للمزيد من الضغط في اتجاه إصلاح السوق، بل وربما الإصلاح السياسي.

ولو كانت الصين لتحظى برجل مثل ميخائيل جورباتشوف لكان ذلك الرجل هو زهاو.

كان دنج يؤيد حملة زهاو لتحرير الاقتصاد، وذلك على الرغم من النتائج المختلطة التي أدت إليها هذه الحملة في العامين 1988 و1989، مع ارتفاع التضخم إلى مستويات غير مسبوقة وتفشي المخاوف الاقتصادية.

ولكن دنج الذي كان متأثراً بعقود من الماوية، وخاصة الفوضى التي أطلقتها الثورة الثقافية، لم يكن ليتسامح كثيراً مع عدم الاستقرار السياسي.

وكان تسامح زهاو مع المتظاهرين سبباً في انقسام المكتب السياسي إلى فصائل. وعلى هذا فقد قرر دنج إلقاء زهاو إلى سِباع الحزب الأشد تحفظاً.

بعد أن عمل دنج على تطهير الإصلاحيين في عام 1989، عاد في عام 1992 إلى انتهاز الفرصة لتهميش المخططين المركزيين، والاستعانة ببطل الليبراليين الجدد تشو رونجي الذي عمل على إعادة تشغيل محركات الاقتصاد.

لقد حكم دنج على مزاج الأمة بقدر عظيم من الفطنة: إذ كان الشعب الصيني على استعداد في ذلك الوقت للاقتناع بأنّ إصابة الثراء أمر مجيد.

ولم تتراجع قيادة الحزب الجديدة أثناء تسعينيات القرن العشرين وسنوات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عن الخط الذي سار عليه دنج: التوسعة المضطردة لإصلاحات السوق، والمشاركة الفعّالة في التجارة الدولية، والتوسع في التنمية الحضرية، والإخلاص التام لوحدة الحزب.

إنّ يوم الرابع من يونيو - حزيران، وهو اليوم الذي أخرجت فيه قوات جيش التحرير الشعبي الطلاب وأنصارهم من ميدان السلام السماوي، يتذكره الغرب باعتباره مثالاً مأساوياً لعنف الدولة ضد المواطنين العزل، ودليلاً على تطلع الشعب الصيني المكبوت إلى الحرية والديمقراطية.

ولكن في نظرة التاريخ الباردة إلى الأمور، فإنّ حركة 1989 وما أعقبها من أحداث ربما تُعَد بمثابة (اللحظة المكيافيللية) بالنسبة للحزب الشيوعي الصيني، حين صمد دنج في وجه شبح فناء جمهوريته، وأدرك متطلبات النجاة التي تمحورت حول وحدة الحزب واستندت إلى النمو الحضري.

وبإعادة توحيد قيادة الحزب وإعادة ترسيخ التضامن بين الحزب وسكان المناطق الحضرية، نجحت الأزمة في تعزيز حكم الحزب الشيوعي الصيني، وعملت على التعجيل باندفاعة الصين على مسارها الحالي من النمو الاقتصادي السريع.

في الدراسة التقليدية التي أجرتها هانا أرينت تحت عنوان (عن الثورة)، ذكرت على نحو لا يخلو من الحزن: (إنّ أي قدر من التضامن الأخوي بين البشر كان منبعه الأصلي قتل الأخ لأخيه، وأي قدر من التنظيم السياسي تمكن البشر من إنجازه فإنّ أصوله راجعة إلى الجريمة).

وتبعاً لهذا المنظور فربما كان ميدان السلام السماوي الملطخ بالدماء في صباح الرابع من يونيو - حزيران 1989 محل ميلاد الصين الجديدة في مرحلة ما بعد الثورة.

خاص «الجزيرة»



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد