كم بقي على امتحانات الفصل الدراسي؟؟؟. تقريباً نحن هناك .. وكما نشعر نحن من يعمل في المؤسسات التعليمية أننا في سباق مع الوقت لإنهاء المتطلّبات الدراسية والتعليمية لكافة متعلّقات الفصل الدراسي، نجد شياطين الظلام من المروّجين يتسابقون في جنون محموم للتصالح ولاستغلال أوقات الطلاب الحرجة والضيقة لنشر سمومهم، عبر الحبوب المنشطة التي تجد رواجها الأكبر بين طلبة المدارس.
في أوقات الامتحانات لمساعدتهم على السهر، ومنحهم طاقات إضافية لمواجهة أعباء الاستعداد لها.
نحن هنا وفي كل الأوقات نعاني من مشكلة المخدرات وبشكل يهدد سلامة هذا الجيل الصاعد، لكننا اليوم نتحدث عن ظاهرة مرتبطة بمواسم معيّنة هي الامتحانات التي تزدهر فيها أنواع معيّنة من الحبوب المنشطة، بما يحتم فهم الظاهرة ودوافعها بين هؤلاء المراهقين، للتعريف باستراتيجيات المقاومة المناسبة.
الإحصاءات والدراسات، وهي محدودة جداً في القطاع التعليمي، تشير إلى أنّ هذه المشكلة تجد رواجاً في كل المدارس على اختلاف المستويات الاقتصادية والتعليمية، فلا فرق بين مدرسة تقع في حي فقير وأخرى تقع في حي غني .. أولاد الذوات خاصة الذكور منهم يتعرّضون بنفس الدرجة وربما أكثر (لتوفر المال في أيديهم) لإغراءات المروّجين، كما يتعرّض لها الطلاب القادمون من أحياء فقيرة، ونحن هنا نتحدث عن المراحل المتوسطة والثانوية على وجه الخصوص، كما أنّ الاستخدامات ودرجة الاعتياد متشابهة بين كافة الأحياء، فيما عدا أنّ الطلاب القادمين من أحياء فقيرة قد تباع لهم حبوب مغشوشة أو أقل جودة.
كم نسب الاستهلاك بين البنين والبنات وما درجة التعاطي ... الخ من الإحصاءات الدقيقة، هي أمر يصعب تماماً الوصول له بدقة في ظل مناخ ثقافي واجتماعي كالذي نعيش فيه، لكننا نعتمد فقط في موجهتنا على نتائج الدراسات التي تتم في مؤسسات تعليمية من مجتمعات أخرى والتي تعاني بنفس أو ربما بدرجة أكبر من مشكلة المخدرات.
و الشيء الذي تشير له معظم هذه الدراسات هي الحقيقة أنّ الصغار والمراهقين حينما يستخدمون بعض أنواع المنشطات أو المخدرات، فهم في الحقيقة لا يرغبون في أن يكونوا مدمني مخدرات، أو أنهم فعلاً يتبنّون هذه الطريقة في الحياة .. كثير من قرارات المراهقين تتخذ لأنهم في حالة قلق من الامتحانات مثلاً أو ملل، أو شعور بالوحدة أو الرفض من قِبل الأصدقاء، أو عدم التمكن والشعور بقلة التأثير على مَن حولهم، أو لشعورهم بالإيذاء أو الخوف من المدرسة أو الأهل .. والبحوث في هذه الفئة العمرية تقول بكل وضوح إنّ هذه الفئة هي الأكثر عرضة للوقوع في شرك العادات الخاطئة لمواجهة حالات القلق وعدم الشعور بالأمان الاجتماعي، وهو ما يعني أنّ أحكامنا في العادة على من نعرف أنه يتعاطى قاسية جداً كمحيطين ومعلمين، بحيث تأسره في حكم المنتهي والمتعاطي الدائم، وهو حقاً ليس كذلك.
لن أتحدث هنا عن كيفية المواجهة الرسمية أو القانونية لأمر كهذا، وهو ما أظن أنّ الجهات المعنيّة تقوم به في حدود ما تتملك من معلومات، لكن ما يهم هو التأكيد على أنّ الاتجاهات الإيجابية من قِبل المحيطين لهؤلاء الطلاب من والدين ومعلمين، ونقل هذه الاتجاهات إليهم لتطمينهم وعدم وصمهم والحكم عليهم بشكل نهائي كما يحدث دائماً، وعدم تناقل الأحاديث حولهم وكأنّ قصصهم الذاتية من الأحداث المثيرة التي تكسر رتابة وملل حياة المعلمين، هي من العوامل الأساسية لمساعدة هؤلاء الطلاب على التخلص من المشكلة لو وقعوا فيها أو مساعدتهم وتوعيتهم حتى لا يكونوا ضحايا سهلة لإغراءات الأصدقاء والمروّجين.
إنّ من المهم هو تعديل اتجاهاتنا نحن الكبار أولاً لننقل الاتجاهات الإيجابية للصغار والمراهقين، فما يحدث من ملاحقة وتفشيل اجتماعي وتذنيب ديني لفئة الواقعين في المشكلة، إنما تعمل على تأزيم موقف المتعاطي، بحيث يشعر بالأسر داخل شبكة التعاطي والتصنيف التي لن يخرج من أسرها أبداً،
وهذا التعديل يركز أيضاً على خلق قنوات التواصل مع هؤلاء المساكين الذين يشعرون بالوحدة والضياع وعدم القبول أو القصور في التعريف بأشكال إيجابية من السلوك الاجتماعي عن أنفسهم وحين يخلق مناخ ملائم من الثقة بين بعض المعلمين على الأقل وهذه المجموعة من الطلبة، فسيتمكنون من الإفصاح عن مخاوفهم، بحيث يتسلل الكبار من خلال ذلك إلى عالمهم لنقل الرسائل الأساسية لهم، وهذه الرسائل يمكن التركيز فيها أولاً على توضيح التبعات القانونية والشخصية التي تترتب على التعاطي، والتي قد لا يعيها هؤلاء الصغار، وللتعرف على حقوقهم وواجباتهم ومعرفة حدود سلطتهم بالنسبة لسلطات المؤسسات الاجتماعية الأخرى، بما يمكنهم من صنع خارطة لسلوكهم ضمن الأطر الثقافية والدينية التي نعيشها.
من المهم أيضاً إعادة تشكيل بعض المفاهيم التي قامت عليها حاجتهم لهذه الممارسات الخاطئة، والتي تتلخّص في رغبتهم لإشباع حاجات محددة ومواجهة مشاعر قلقة، وكلها يمكن إشباعها عبر قنوات مقبولة صحياً واجتماعياً بدل اللجوء لتأثير الأصدقاء والمحيطين. ليس هناك من مشكلة في رغبتنا البحث عن الراحة والاسترخاء. إنه حق الجميع، لكن كيف نقوم بذلك هو ما قد يخلق لنا المشكلات.
المناخ المدرسي الإيجابي يلعب دوراً كبيراً في تكوين اتجاهات إيجابية لدي الطلبة ككل، وقد ظهر من الدراسات التتبعية أنّ الاتجاهات المنتشرة في المكان الذي نتواجد فيه تؤثر كثيراً في موقفنا من هذا الشيء، أي إنّ المدرسة التي يكون بها اتجاهات واضحة للرفض الصحي للمخدرات بأنواعها بما فيها التدخين كأحد أشكال الإدمان على سبيل المثال، هي المدرسة التي تنجح برامجها، وليس فقط لأنّ الطلبة يتجنّبون ذلك نتيجة الخوف أو الرهبة أو التحسب من أحكام الآخرين، وهو ما يحتم ضرورة عمل بعض الدراسات حول اتجاهات الطلاب سواء في الفصول كل على حدة أو المدرسة ككل، حول الموقف من انتشار أي من العادات السيئة ذات العلاقة بالإدمان كالتدخين مثلاً، مع تجنُّب المثالية أو ما يجب أن يكون أو ما نحب أن نكون في وضع هذه الدراسات
إنّ من المهم أن نعرف أننا بالإضافة إلى بحثنا عن حلول عملية لمشكلاتنا، نرغب ونحن وسط المشكلة في التعرف على نماذج إيجابية تحفزنا وتؤكد قدرتنا البشرية على الصمود مثل غيرنا، ومن ثم يمكن أن تدعم استراتيجيات المقاومة بالتركيز ليس فقط على أولئك الذين وقعوا أسرى لهذه المشكلة، بل بأولئك الذين رفضوا الانصياع لضغط أصدقاء المرحلة من الطلاب، وسيكون ذلك صعباً في بيئات ثقافية كالتي نعيش فيها، فمن يمتلك الشجاعة في الإذاعة المدرسية من الطلاب ليعلن أنه قاوم ضغط الأصدقاء لتجريب نوع من الحبوب، لكن يمكن الحديث عن التدخين براحة أكثر وهو أحد الطرق الأولية الأكثر شيوعاً والتي تستخدم للدخول في العادة للمنوعات. المدرسة اليوم ليست فقط المكان الذي نلجأ له كل صباح لتمضية يوم عمل إجباري، إنها المصنع الحقيقي لعالم الرجال والنساء، وحين نتبنّى اتجاهات وطنية واضحة لمساعدة طلابنا على النمو والبناء الذاتي، سنتمكّن من كسب ثقتهم ومساعدتهم على تجاوز صعوبات المرحلة وما أكثرها.