Al Jazirah NewsPaper Saturday  30/05/2009 G Issue 13393
السبت 06 جمادىالآخرة 1430   العدد  13393
بين الكلمات
كاميرات الهيئة..
عبدالعزيز السماري

 

تحاول الإدارة الجديدة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جاهدة التطور ومواكبة التغيرات الاجتماعية، وأن تبحث عن موقع جديد لها في المجتمع، فقد كانت ولا زالت تحتل موقع الصدارة في أحاديث الناس الجانبية، وقد كانت مهمتها الأساسية الدعوة بالالتزام بالأخلاق الإسلامية، وتأدية الفرائض الدينية، لكن دخولها الرسمي إلى الميادين العامة زاد من حدة المواجهات مع المجتمع، وفي نفس الوقت ازدادت حدة النقد لها على صفحات الجرائد اليومية.

فقد دفعت الخلافات والاتهامات المتبادلة بين هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والناس إلى التفكير في استخدام التكنولوجيا لرصد وتسجيل الأخطاء تلفزيونياً سواء من العامة أو من رجال الهيئة، فقد نشرت معظم الصحف أحدث التطورات التي تفكر الهيئة في تطبيقها، وهي دراسة مشروع تركيب كاميرات في الأسواق.

هي بلا شك ستكون خطوة مكلفة جداً على جميع المستويات، ليس فقط لأن مدينة الرياض من أكبر مدن الأسواق في العالم، ويتضاعف أعداد أسواقها سنوياً، ولكن لأن مراقبة سلوك الناس ستجعل من موقفهم في غاية الصعوبة إذ سيحتاجون إلى قاعدة بيانات واسعة، وربما إلى جيش من الوعاظ المسلحين من أجل ملاحقة المخطئين سلوكياً في أسواق الرياض، فسكان المدينة يرفهون عن أنفسهم من خلال التسوق في شوارع الرياض، وهي ما يفسر سر الازدحام الكبير في المدينة.

كذلك يوحي هذا التوجه بتحول غير عادي في مهام هيئة الأمر بالمعروف التي تم تأسيسها من أجل الوعظ والمناصحة، وليس لمراقبة المجتمع في الأماكن العامة، فالدخول إلى مرحلة رصد وتسجيل الأخطاء في سلوكيات البشر شيء خطير حسب وجهة نظري، قد يفسد العلاقة تماماً بين الهيئة التي تمثل رمزياً مرجعية الأخلاقيات الدينية في المجتمع، وقد يعني اللجوء إلى هذا الدور خروجها من القيام بمهام المرشد الأخلاقي وتحولها إلى مرجعية أمنية هدفها وضع رجالها والناس تحت المراقبة المستمرة.

لكن الملاحظة الأجدر بالذكر هي أن هذه الخطوة المفصلية قد تعطي إشارة على نهاية دور الهيئة في بناء الأخلاق العامة، أو بعبارة أدق عدم نجاح المشروع الأخلاقي التي كانت تدعو إليه هيئة الأمر بالمعروف، والدليل إلى ذلك انهيار الثقة بينها وبين المجتمع، ولجوءها إلى التكنولوجيا للدفاع عن مواقفها في الأماكن العامة..، وهذا الخطوة تستحق وقفة من الدعاة والمثقفين في المجتمع، فالقرار قد يُفسر على أن البناء الأخلاقي الذي يستمد قوته من الوعظ الديني لم يعد يلتزم به الناس ولذلك يجب مراقبتهم من خلال كاميرات لضمان تطبيقه، مما يسقط الثقة تماما بين المرشد الديني والعامة.

باختصار ما يحدث في المجتمع في الوقت الحاضر هو صراع اجتماعي خطير بين مرجعية الأخلاق الدينية وغزوة الأخلاق المادية، والتسليم بوضع كاميرات في الأسواق التي هي ميدان الأخلاق المادية، قد يكون بمثابة إعلان غير مباشر للهزيمة والانحسار أمام المد المادي الذي تقوده الليبرالية العالمية، فالأسواق والاستهلاك والدعايات والإعلام الحالي هم أركان السلوك المادي، والذي يجتاح العقول، وينزع نحو الفردية في اتجاه الاستمتاع بملذات الحياة الشرعية أو غير الشرعية.

لذلك على الإدارة الجديدة وفقها الله إعادة النظر أولاً في وضع الكاميرات في الأسواق، والتفكير في وسائل أكثر تطورا وشمولا في وسائل الحماية والاتصال مع المجتمع، وبالخصوص مع الجيل الجديد، فالتمرد على القوانين والأخلاق تجاوز الحد الطبيعي، والظاهرة لا تنحصر فقط فيما تواجهه الهيئة، والمرور أيضا يواجه تحديا من نوع آخر في شوارع المدينة، فالسرعة وتجاوز قوانين المرور العامة تثير الرعب في أنحاء المدينة.

كذلك تواجه الشرطة انتشار ظاهرة سرقات السيارات والمنازل، وهي أيضا ظاهرة جديدة على المجتمع، ويجب مواجهتها من خلال منظومة الأمن الشامل أي أن الرؤية الأمنية الشاملة هي الحل وذلك من خلال تضافر الجهود من جميع الجهات من أجل وضح حد للمخالفات التي تخل بالأمن العام للمواطن والوطن، وليس فقط من خلال رؤية ضيقة لا تخدم المصلحة العامة.. وقد تزيد من جرأة نزعة التمرد التي تجتاح عقول الجيل الجديد.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد