القلم للكاتب كالرمح للرامي، والسيف للمحارب، وككل المتلازمات التي لا يتم أمر الكل فيها دون الجزء الآخر منها.. وكثيراً ما تطرأ على خاطر الكاتب فكرة ما وهو في غير ركنه الخاص، حيث أوراقه وأقلامه ومحابره، وتضيع دون أن يدونها لأنه حين يسهو عن حمل قلمه وقرطاسه فإنه يكون كالرامي في معمعة بلا رماح، وكالمحارب في ساحة وغى دون سيف، كلاهما مهزومان.. وهزيمة الكاتب حسرة، فالأفكار المباغتة ربما تؤتي من ثمراتها بما فيها من جديد فكرة، أو نافع رأي، أو مبدع نص.. كل هذا بات مألوفاً معروفاً لدى ذوي النهى من محترفي الكتابة، فأفكارهم الهاربة دون اقتناص، وأخيلتهم العابرة من غير أسر، وكلماتهم عفوية النسج من غير تدوين خسائر.. كثيراً ما غُصَّت بضياعها الحلوق، وتجمدت أسنة الأقلام على الأوراق في محاولة استدعائها، لكنها فرّت في غير رجعة، وتبخرت في فضاء لا جدار له يصدها فترجع.. وكثيراً ما يلجأ العابرون لأقلام الكتّاب في مواقف احتياجهم للأقلام ليدونوا بها أمراً، فيسألونهم إعارتهم هذه الأقلام، فإن كانت في معيتهم تباهوا بها، فالقلم مصدر قوة واعتزاز وإن نحت من خشب، وغالباً ما داعب الكتّاب الآخرين بقولهم: هو القلم، لكن السر في الكاتب..
** لكن.. هل يكسب القلم الصولة والجولة ومرامي الرماح ومواقع السيوف لو أنه خلا من قارئ حصيف مريد يميز بين كلام جيد وفكر نير وإبداع خلاق؟..
وبين حشو وهدر وتراكيب صياغات هزيلة ركيكة؟..
** القارئ هو الذي أبقى للمفكرين والمبدعين من شعراء وناثرين آثار أقلامهم حية بدءاً بحداء القوافل، وأهازيج الرعاة، وانتهاء لأسفار الأدب والنقد ومروراً بكل حرف تشكلت به جمل في مضامينها ما أثرى ويثري ذائقة القارئ على اختلاف الحقب والأيام..
فصنو السيف والقلم والرمح القارئ..
* * *
شكراً لكلِّ من عقب تحت المقالات مباركاً، وهاتف مشاركاً، وراسل معبراً عن ريادة كرمها خادم الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، لماء روح سكبت منذ لثغة الحرف، لتكون كلُّ امرأة في هذا الوطن هي أنا حين يكون هو عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- من يقدمها لمنصة الحقيقة. وشكري موصول لمعالي أخي القدير الدكتور عبدالعزيز خوجة صاحب المبادرات الوضيئة في الاعتراف النزيه لمسيرة العطاء.. شكراً... مع أنكم تعلمون أن إيماني المطلق هو أن قرائي وحدهم هم الثمن الغالي.. منذ الحرف الأول وحتى نقطة الانتهاء.