Al Jazirah NewsPaper Monday  25/05/2009 G Issue 13388
الأثنين 01 جمادىالآخرة 1430   العدد  13388
بالذكرى الثامنة والعشرين لإنشاء التجمع الخليجي..في عالم يعج بالتحالفات والمحاور
مجلس التعاون اتحاد كونفدرالي عريق وأجندة متكاملة من الإنجازات

 

إعداد - بندر الحربي - القسم السياسي:

عندما نتحدث عن مجلس التعاون الخليجي في ذكرى إنشائه الثامنة والعشرين والتي تمر اليوم فإن سياق الحديث يقودنا إلى عدة مفاهيم ومصطلحات أضحت في عالم اليوم من أصعب الأمور والأهداف تحقيقاً وتنفيذ اً، ولاشك أن مسيرة هذا الاتحاد الكونفدرالي العريق قد شهدت تحقيق هذه المفاهيم الآنفة الذكر سواء على المستوى الداخلي المنظومة الخليجية وذاك ما انعكس إيجابا على شعوبها أو على مستوى التجريدات والمنطلقات العليا في المحيط العربي والدولي المتمثلة في منظومة العلاقات والمصالح المتبادلة بين الدول الخليجية والفضاء الخارجي في عالم يعج بالتكتلات المنافسة ومحاور المصالح السياسية القائمة على التخادم السياسي.

بداية الانطلاق والتكوين:

جاءت بداية المجلس في 25 مايو 1981م عندما توصلت القيادة السياسية في من كل من دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان ودولة قطر ودولة الكويت في اجتماع عقد في أبو ظبي إلى صيغة تفاهم وتعاون لخلق تكتل يضم الدول الست يهدف إلى تنسيق الجهود والمساعي وتقريبها في جميع المجالات وصولاً إلى تحقيق التكامل الشامل ولم يكن إنشاء المجلس الخليجي بناء وليداً للحظة أو الصدفة أو حتى البرغماتية السياسية البحتة بل جاء كتجسيد لما بين الدول من علاقات خاصة وسمات مشتركة وأنظمة متشابهة أساسها وحدة التراث والانتماء والعقيدة والمصالح المشتركة واقتناعا بأن التنسيق والتعاون والتكامل فيما بينها يخدم الأهداف السامية للأمة العربية..

النظام الأساسي يحدد الأهداف والاستراتيجيات العليا

حدد النظام الأساسي لمجلس التعاون أهداف المجلس في تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها وتوثيق الروابط بين شعوبها ووضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين الاقتصادية والمالية والتجارية والجمارك والمواصلات وفي الشؤون التعليمية والثقافية والاجتماعية والصحية والإعلامية والسياحية والتشريعية والإدارية ودفع عجلة التقدم العلمي والتقني في مجالات الصناعة والتعدين والزراعة والثروات المائية والحيوانية وإنشاء مراكز بحوث علمية وإقامة مشاريع مشتركة وتشجيع تعاون القطاع الخاص، و يعتبر مجلس التعاون الخليجي اليوم أرسخ منظمة إقليمية عربية تضم في عضويتها ست دول تطل على الخليج العربي هي السعودية والإمارات والكويت وقطر وسلطنة عمان ومملكة البحرين كما يعد كل من العراق باعتباره دولة عربية مطلة على الخليج العربي واليمن/ الذي يمثل الامتداد الاستراتيجي لدول مجلس التعاون الخليجي/ دولا مرشحة للحصول على عضوية المجلس الكاملة حيث يمتلك كل التحديات السياسية والإنجازات.

يهدف التنسيق والتعاون في مجال السياسة الخارجية للدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي إلى صياغة مواقف مشتركة موحدة تجاه القضايا السياسية التي تهم دول مجلس التعاون في الأطر الإقليمية والعربية والدولية والتعامل كتجمع مع العالم في إطار الأسس والمرتكزات القائمة على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ومراعاة المصالح المشتركة وبما يصون مصالح دول المجلس ويعزز أمنها واستقرارها ورضا شعوبها.

كما يرسخ وجود مجلس التعاون موقفا موحدا من القضايا الإقليمية والعربية والدولية حيث تتخذ الدول الأعضاء بالمجلس موقفا موحدا من قضايا العراق فلسطين وبتوافق تام مع توجهات الدول العربية.

وقد حقق المجلس إنجازات سياسية واضحة خلال العقود الثلاثة الماضية أهمها.. الحفاظ على أمن دول المجلس واستقرارها من خلال التصدي لمسببات عدم الاستقرار ومصادر الخطر التي تمثلت بشكل أساسي ومباشر في الحرب العراقية الإيرانية الأمر الذي تطلب تحركا جماعيا لدول مجلس التعاون للحيلولة دون انتشار رقعة تلك الحرب.

في التسعينيات مثل عدوان النظام العراقي السابق على دولة الكويت واحتلالها التحدي الأمني الأكثر خطورة منذ قيام المجلس حيث حظي تحرير دولة الكويت بأولوية مطلقة بعد التحرير تطلب الموقف عملا دبلوماسيا مشتركا مكثفا لمساندة الشرعية الدولية في سعيها لإلزام العراق بتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بعدوانه على دولة الكويت.

تبنى المجلس ولا يزال مساندة ودعم دولة الإمارات العربية المتحدة في حقها باستخدام كافة الوسائل السلمية لاستعادة سيادتها على جزرها الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى التي تحتلها إيران منذ عهد الشاه عام 1971 وحتى الوقت الحاضر.

وفي الوقت ذاته تسعى دول المجلس إلى تحسين العلاقات مع إيران وهو ما شرعت فيه دول المجلس منذ أواخر الثمانينيات بوضع إطار جماعي للعلاقات معها مما أسفر عن توقيع العديد من الاتفاقات والبروتوكولات ذات الطابع الاقتصادي والأمني مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية مما يمهد لحل القضايا العالقة بين إيران ودول المجلس.

وعلى صعيد الحوار مع الدول الصديقة والمجموعات الدولية يلاحظ المتتبع لمسيرة الحوار الذي يجريه مجلس التعاون مع الدول والمجموعات الدولية أن هذا الحوار قد قطع شوطا لا بأس به ولاسيما الحوار الذي يجريه مع الاتحاد الأوروبي وكذلك الحوار الذي يتم على مستوى وزراء الخارجية مع الدول والمجموعات الأخرى على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في شهر سبتمبر من كل عام.

سياسة خارجية موحدة ومتجانسة:

وقد انتهجت السياسة الخارجية الخليجية مسارات وأطر اتسمت بالتجانس الدبلوماسي والسياسي في العديد من القضايا السياسية المعاصرة كان من أهمها ما يلي:

1- التأكيد على احترام الشرعية الدولية والدعوة إلى ضرورة التوصل إلى حل سلمي لأزمة الملف النووي الإيراني مع الإقرار بحق دول المنطقة في امتلاك الخبرة في مجال الطاقة النووية للأغراض السلمية بإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية. جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من كافة أسلحة الدمار الشامل بما فيها منطقة الخليج ومطالبة إسرائيل بالانضمام إلى معاهدة عدم الانتشار.

2- الحرص على وحدة وسيادة العراق ورفض أي توجهات لتقسيمه إلى أسس عرقية أودين.

وعلى المستوى العربي تمثلت أبرز الانجازات السياسية في اتفاق الدوحة/ الذي رعته دولة قطر/ ونجح في تحقيق انجاز تاريخي بالتوقيع على اتفاق الدوحة بين الفرقاء اللبنانيين لحل الأزمة اللبنانية التي أدت إلى شلل في المؤسسات الدستورية وكادت تفاعلاتها أن تصل إلى شفير حرب أهلية وتم التوقيع على الاتفاق في الدوحة في 22 مايو 2008.

3- تشكيل لجنة عربية لحل أزمة دارفور للترتيب والإعداد لرعاية مباحثات سلام حول إقليم دارفور بين الحكومة السودانية والأطراف المعنية لحل هذه الأزمة في العاصمة القطرية الدوحة.

التحديات الاقتصادية والإنجازات

ونظراً إلى أهمية تلك العلاقة التفاعلية بين الاقتصاد والسياسة ولما يحتله الاقتصاد في عالم اليوم من مكانة في التأثير والتحريك ولما لذلك من أهمية في ترسيخ أعمدة الاتحاد فإن المطلع على المنجزات الاقتصادية لدول مجلس التعاون الخليجي يبرز له بوضوح التسهيلات التي تمت بين هذه الدول من حيث الضرائب والجمارك وحرية الحركة إلى غير ذلك من تسهيل حرية المرور والسلع بين دول المجلس بالإضافة لقيام المشاريع الاقتصادية المشتركة بين هذه الدول ويتمحور التعاون الاقتصادي الخليجي على فلسفة التكامل الاقتصادي الشامل، ولذا تسعى دول المجلس حثيثا لترسيخ الاتحاد الجمركي والعملة الموحدة.

التعاون في المجال التجاري..

اهتمت دول مجلس التعاون ومنذ إنشاء المجلس بالمجال التجاري وعملت على تعزيزه وتطويره بما يعود بالنفع على دول ومواطني دول المجلس فقد قرر المجلس الأعلى لمجلس التعاون منذ 1986م السماح لمواطني الدول الأعضاء بمزاولة تجارة التجزئة في أي دولة عضو ومساواتهم بمواطني الدولة و السماح لمواطني دول المجلس بتملك أسهم الشركات المساهمة بالدول الأعضاء وتطبيق المساواة التامة في المعاملة بين مواطني دول المجلس في مجال تملك وتداول الأسهم وتأسيس الشركات وإزالة القيود التي قد تمنع من ذلك وإقامة مركز التحكيم التجاري لدول المجلس وعلى نظام المركز وقد أقيم المركز في مملكة البحرين وأعلن عن قيامه رسميا في مارس 1995م وتأسيس لهيئة المحاسبة والمراجعة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بمدينة الرياض.

السوق الخليجية المشتركة:

يأتي التوجه نحو إنشاء السوق الخليجية المشتركة التي أعلن عنها في الدوحة في القمة الـ28 لدول مجلس التعاون الخليجي التي اختتمت بالدوحة في 4 ديسمبر/ كانون الأول، في إطار اهتمام الدول الست الأعضاء بتعزيز وتطوير المجال التجاري بما يعود بالنفع على مواطني المجلس، إفادة من حجم النتائج الإيجابية التي حققها المجلس ومنها ارتفاع حجم التجارة البينية بين دول المجلس من 12.215 مليار دولار في العام 1980 إلى نحو 33.943 مليار دولار في العام 2005.

ويهدف إنشاء السوق إلى إذابة الفروقات والاختلاف في السياسات الاقتصادية الوطنية لتوحيد ودمج قوى العرض والطلب في الدول الأعضاء عن طريق التحرير الكامل للتجارة بالسلع والخدمات وعناصر الإنتاج.

المجلس النقدي الخليجي بالرياض

شكل قرار اختيار الرياض مقرا للمجلس النقدي الخليجي المشترك حدثا غير عادي بالنسبة لتنفيذ مشروع الاتحاد النقدي الخليجي الذي يعد نواة للمصرف المركزي. وتكمن الخطوة التالية بالكشف عن تفاصيل المجلس النقدي فضلا عن استكمال البنية القانونية والتشريعية والمؤسساتية، وخصوصا التصديق على اتفاقية الاتحاد النقدي، وكان قادة دول المجلس قد أقروا مشروع الاتحاد النقدي الخليجي أثناء قمتهم ألـ 29 في العاصمة العمانية مسقط نهاية عام 2008.

التعاون في الشؤون العسكرية.

اتسم التعاون العسكري بين دول المجلس بالعمل الجاد في بناء وتطوير القوى العسكرية الدفاعية بدول المجلس حيث تطور التعاون بشكل نوعي وكمي منذ بدء تشكيل مجلس التعاون وحتى اليوم.

ومر التعاون العسكري بمراحل عدة من بدئه وكانت المرحلة الأولى هي مرحلة التأسيس ووضع أطر ومبادئ التعاون العسكري المشترك وتوحيد التخطيط وتنفيذ التدريبات المشتركة.

وكان أهم الانجازات في تلك المرحلة هي إنشاء قوة درع (الجزيرة) عام 1985 وتنفيذ تمارين درع (الجزيرة) في كل دول المجلس بالتناوب كل سنتين ومن ثم انتقل التعاون الى مرحلة الدفاع المشترك وذلك من خلال توقيع الدول الأعضاء على اتفاقية الدفاع المشترك لمجلس التعاون في الدورة الحادية والعشرين للمجلس الأعلى في ديسمبر 2000م انطلاقا من مبدأ الأمن الجماعي المتكامل والمتكافل لدول المجلس معتمدة في ذلك على الإمكانات الذاتية للدول الأعضاء لغرض الدفاع عن كيان ومقومات ومصالح هذه الدول وأراضيها وأجوائها ومياهها.

التعاون في الشأن الأمني

تنص أدبيات مجلس التعاون على وحدة وترابط أمن دول مجلس التعاون ومبدأ الأمن الجماعي وأن أمن دول المجلس كل لا يتجزأ وأن أي اعتداء على أية دولة مسؤولية جماعية يقع عبؤها على جميع الدول الأعضاء ويجتمع أصحاب السمو والمعالي وزراء الداخلية بشكل دوري/ سنوي/ صدر عنها قرارات تهدف لتعزيز العمل الأمني المشترك ووضع وتفعيل السياسات الأمنية التي تعنى بالتصدي لكافة أنواع المخاطر والتحديات ومكافحة الظواهر الإجرامية وتحصين دول المجلس من إفرازات وانعكاسات تلك المخاطر وتوثيق التعاون في مجال الدفاع المدني مكافحة المخدرات التحقيقات والمباحث الجنائية مجال المرور.

وأقرت الاستراتيجية الأمنية الشاملة لدول مجلس التعاون في الاجتماع الاستثنائي الثاني لوزراء الداخلية الذي عقد في مسقط في فبراير 1987م وهي عبارة عن إطار عام للتعاون الأمني بين الدول الأعضاء بمفهومه الشامل ولهذه الاستراتيجية أهداف عامة كما حددت وسائل تنفيذها.

كما روجعت الاستراتيجية في الرياض مايو 2007م بهدف تحديثها من قبل لجنة مختصة فيما أقر وزراء الداخلية في لقائهم التشاوري التاسع بالدوحة مايو 2008م مشروع تحديث وتطوير الاستراتيجية الأمنية الشاملة وبحيث تعمل على تحقيق أهداف هامة ومحددة منها توطيد الأمن وحماية الحدود وتنمية الوعي الأمني ورفع كفاءة الأجهزة الأمنية وتعزيز التعاون والتنسيق بين تلك الأجهزة ومواجهة التحديات والمخاطر الإقليمية مثل المخاطر النووية والصراعات الإقليمية والكوارث والتعرف على مصادر الخطر والتصدي لها ومكافحة الإرهاب والتطرف وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي في مجال مكافحة الجريمة وتعزيز مشاركة وتعاون القطاع الخاص في تحقيق الأهداف الاستراتيجية والتفاعل معها وتنظيم العمالة الوافدة مع عدم التأثر باعتبارات لا تتفق مع المصالح العليا لدول المجلس.

أقرت دول مجلس التعاون الاستراتيجية الأمنية لمكافحة التطرف المصحوب بالإرهاب

في عام 2002 وأصدرت في العام ذاته إعلان مسقط بشأن مكافحة الإرهاب.

كما توصلت دول المجلس في عام 2004م إلى التوقيع على اتفاقية دول مجلس التعاون لمكافحة الإرهاب وتم في عام 2006م تشكيل لجنة أمنية دائمة مختصة بمكافحة الإرهاب تعقد اجتماعاتها بشكل دوري/ سنوي/ كإحدى اللجان الأمنية المتخصصة لتعزيز التنسيق والتعاون الأمني في هذا المجال.

كما أقرت اتفاقية نقل المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية بين دول المجلس وتم إقرار وتنفيذ تسهيل التنقل وانسياب السلع حيث يحظى يعتبر ذلك أحد المقدمات الأساسية لتحقيق السوق الخليجية المشتركة وتم تنفيذ مبدأ تنقل المواطنين بين الدول الأعضاء بالبطاقة الشخصية والاتفاق على إصدار الدول الأعضاء الجواز المقروء آليا لمواطنيها الربط الآلي المحدود المعلومات الخاص بتنقل مواطني دول مجلس التعاون بين المنافذ.

يظل مجلس التعاون الخليجي في إطاره الإقليمي خير نموذج على نجاح جهود وأهداف الاتحاد التدريجي القائم على التنسيق وتبادل وجهات النظر بين الأطراف واحترامها كما أن ما حققته وحداته السياسية من نجاحات وإنجازات في شتى المجالات تعتبر وحدة قياس تؤخذ بعين الاعتبار لتخطي سلبيات وآثار كل تجارب الاتحاد السابقة التي مرت على المنطقة العربية بناء على عوامل العاطفة والتسرع فذهب أدراج الرياح مع مرور الزمن إن لم يكن لها آثار سلبية تطلبت ردحاً من الزمن لتجاوزها.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد