Al Jazirah NewsPaper Monday  25/05/2009 G Issue 13388
الأثنين 01 جمادىالآخرة 1430   العدد  13388
ربيع الكلمة
الجود يفقر والإقدام قتّال
لبنى الخميس

 

تروي لنا الأيام وتسرد لنا السنون قصصا وحكايا كتبت بماء الذهب عن رجال العرب.. أصحاب الأخلاق الكريمة والخصال النبيلة.. ابتداءً بالشجاعة والمروءة وإغاثة الملهوف، مرورا بالغيرة والحمية، وانتهاء بالسخاء والكرم وإكرام الضيف.

هذه بعض من صفات رجال العرب الذين خلدوا ملاحم الرجولة وأساطير البطولة منذ الجاهلية الأولى ومن ثم جاء الإسلام ليعززها وينميها ويجعلها واجبا دينيا تكافأ عليه السماء بسخاء.

هذه هي خصال الرجال لا خصال الذكور الذين لا يستحقون أن يطلق عليهم رجالاً.

في هذا الزمن (زمن العجايب) الذي قل فيه الرجال وكثر الذكور في شكلهم ومضمونهم فترى بعض الشباب وتستغرب نعومة أشكالهم ومظهرهم الخارجي وتستنكر ضحالة ثقافتهم وقيمهم وتواضع مضمونهم وتفاهة فكرهم وطموحهم - إن كان هناك طموح- وتركيزهم المطلق على المظاهر والقشور التي تكشف من لقاء أو حديث يبدأه، فتجده لا يحفظ آية أو حديثا للرسول صلى الله عليه وسلم أو بيت شعر شهير جرى مجرى الحكمة والمثل أو قصة فيها عبرة أو عظة للسامعين كيف لا وهم من يضيعون أوقاتهم في الاستراحة بين قشور (الفصفص) ودخان (الشيشة) وأوراق (البلوت).

فهم لم يقرأوا كتب التاريخ التي سطرت أمجاد العرب وبينت صفاتهم وخصالهم الحميدة ولم يبحروا في دواوين الشعر التي تغنت بمروءة القادة والرجال الأفذاذ مثل: عنترة بن شداد وعلي بن أبي طالب وخالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص وأسامة بن زيد وغيرهم كثير مما لا يتسع المقام لذكرهم.

بعض شبابنا اليوم في حال لا تسر صديقاً أو عدوا، وأفعالهم وأقوالهم تزداد رداءةً وسوءا ومن يعتقد أنني أبالغ فليخرج إلى الشارع.. إلى الواقع.. ويشاهد الحقيقة الجارحة بأم عينه.

اعتقدت لوهلة أن الرجولة بمعناها الأصيل قد اختفت وانمحت، وأن غالبية الرجال أصبحوا ذكوراً - فقط - إلى أن سمعت وقرأت ومن ثم شاهدت مقطعا مصورا بثته قناة العربية لشباب أنقذوا امرأة في حائل من موت محقق بشجاعة منقطعة النظير في عملي بطولي عظيم، حيث كادت أن تغرق جراء سيول الأمطار الغزيرة التي انهمرت بسخاء على حائل ولكنهم خاضوا المعركة وانتصروا على الخوف وضحوا بحياتهم وكل ما فيها لإنقاذ هذه المرأة، وإعادة الأمل والسعادة بداخلنا أن الدنيا ما زال بها رجال أكفاء لا يخافون الموت، ولا يتوانون عن خوض غمار التجارب والمواقف والأخطار العظيمة (والجود بالنفس أقصى غاية الجود).

إن مثل هذا المقطع المصور يستحق أن نتداوله عبر البريد الالكتروني أو الجوال بدلا من مقاطع التفحيط والفضائح ومشاهد العري والرذيلة التي تعكس شخصية وفكر حاملها وناقلها.

أعتقد لا بل أجزم أنه بعد هذا المشهد البطولي سوف تجد الأم قدوة وأسوة لأبنائها بالشجاعة والإقدام ولن تكون تلك المواقف والقصص من حكايا ما قبل النوم الخيالية غالباً.

فما أصعب أن تجد الوالدة في هذا الزمن قدوة حسنة لأولادها ليكونوا ذرية صالحة تنفع المجتمع والأمة.

حتى أنني وافقت بألم على ما قالته لي أحد معارفي يوما حيث قالت: أصبحت أفكر ألف مرة قبل أن أتزوج وأنجب أطفالا فكم هو صعب ومهلك تربية طفل في هكذا زمن!.

حيث انتشر الفساد الأخلاقي والفراغ الفكري والعقلي والوقتي وواقعياً يصعب أن يقف الكيس الفارغ منتصبا، كما أن كل شيء فارغ يتدحرج بسهولة.. وهذا ما يحدث اليوم حيث ننجرف ببساطة وبسهولة مطلقة نحو مسارات خطرة خط العودة منها صعب وأحيانا مستحيل.

فالشجاعة والمجد ليس سهلا بل هو مزيج من الآهات والزفرات والتحدي وكما قال المتنبي يوما:

لولا المشقة ساد الناس كُلهمُ

الجود يُفقر والإقدام قتالُ

فالحمد لله حمدا كثيرا.. وشكرا للهمزاني ورفاقه البواسل على إعادة الثقة والأمل والنور لواقعنا، فكثر الله من أمثالكم وجزاء كل خير على ما أنجزتموه من عمل بطولي مشرف.

كما أريد أن أشيد بموقف خادم الحرمين وولي عهده الأمين على هذا الاحتفاء المبارك بهؤلاء الأبطال، وهذا غير مستغرب من عبد لله بن عبد العزيز وأخيه وولي عهده سلطان بن عبد العزيز فقد اعتدنا منهم تكريم الشجاعة وتتويج الإبداع بكافة أشكاله وصوره.

ختاماً أقول.. هناك ألف همزاني بيننا ومن حولنا في الجيش حيث حراسة الأرض والمليك وفي المدرسة والجامعة وكافة صروح التعليم حيث حراسة القيم والدفاع العظيم عنها وفي البيت حيث الأب والأم الذين يكافحون ويقاتلون لإخراج أبناء صالحين لرفع راية الإسلام وهناك شجاعة أرباب الأقلام الذين لا يخشون في الحق لومة لائم وغيرها الكثير من صور الشجاعة وأشكال الإقدام.

فهنيئا لوطننا بكل شجاع يذرف الدمع والعرق والدم في سبيل هذا الوطن.

نبض الضمير: (جميل أن يموت الإنسان في سبيل الوطن، ولكن الأجمل أن يموت من أجل هذا الوطن).

* * *




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد