Al Jazirah NewsPaper Monday  25/05/2009 G Issue 13388
الأثنين 01 جمادىالآخرة 1430   العدد  13388

بركان العيص وبركان المدينة اختلفت التواريخ واتفقت الأماكن والرسالة
د. محمد بن ناصر الشثري

 

مع أنه بين بركان العيص والبركان الذي وقع في منطقة المدينة المنورة قرابة الثماني مائة سنة إلا أن هاتين الحادثتين المتفقتين في المكان وهو منطقة المدينة المنورة، واتفقتا على توجيه رسالة للمواطن وكل من يسكن هذه البلاد بأن مثل هذه الحوادث رسالة كل منا للاتعاظ والاعتبار.....

وأخذ الدروس والعبر، سائلاً الله أن لا يري أيّاً من أبناء هذا الوطن المكروه وأن يحفظ لنا بلادنا وولاة أمرنا الكرام.

وقد أحببت أن أنقل للقارئ شيئاً من كلام العلماء والمؤرخين عن هذه الحادثة لما حدثت في النصف الثاني من القرن السابع الهجري لما في ذلك من عظة وعبرة ودعوة للتأمل والتفكر.

فقد قال العلماء في شرح حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى. تفرد به البخاري. وقد ذكر أهل التاريخ وغيرهم من الناس: وتواتر وقوع هذا في سنة أربع وخمسين وستمائة. قال الشيخ الإمام الحافظ شيخ الحديث وإمام المؤرخين في زمانه شهاب الدين عبدالرحمن بن إسماعيل الملقب بأبي شامة في تاريخه: إنها ظهرت يوم الجمعة في خامس جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة وإنها استمرت شهراً وأزيد منه، وذكر كتباً متواترة عن أهل المدينة في كيفية ظهورها شرق المدينة من ناحية وادي شظا تلقاء أحد، وأنها ملأت تلك الأودية، وأنه يخرج منها شررياً كل الحجاز، وذكر أن المدينة زلزلت بسببها، وأنهم سمعوا أصواتاً مزعجة قبل ظهورها بخمسة أيام أول ذلك مستهل الشهر يوم الاثنين، فلم تزل ليلاً ونهاراً حتى ظهرت يوم الجمعة فانبجست تلك الأرض عند وادي شظا عن نار عظيمة جداً صارت مثل طوله أربعة فراسخ في عرض أربعة أميال وعمقه قامة ونصف يسيل الصخر حتى يبقى مثل الآنك ثم يصير كالفحم الأسود، وذكر أن ضوءها يمتد إلى تيماء بحيث كتب الناس على ضوئها في الليل وكأن في بيت كل منهم مصباحاً، ورأى الناس سناها من مكة شرفها الله! قلت: وأما بصرى فأخبرني قاضي القضاة صدرالدين علي بن أبي قاسم التيمي الحنفي قال: أخبرني والدي وهو الشيخ صفي الدين أحد مدرسي بصرى أنه أخبره غير واحد من الأعراب صبيحة تلك الليلة من كان بحاضرة بلد بصرى أنهم رأوا صفحات أعناق إبلهم في ضوء هذه النار التي ظهرت من أرض الحجاز، وقد ذكر الشيخ شهاب الدين أن أهل المدينة لجؤوا في هذه الأيام إلى المسجد النبوي وتابوا إلى الله من ذنوب كانوا عليها، واستغفروا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم مما سلف منهم، وأعتقوا الغلمان وتصدقوا على فقرائهم ومجاريحهم، وقد قال قائلهم في ذلك:

يا كاشف الضر صفحا عن جرائمنا

فقد أحاط بنا يا رب بأساء

نشكو إليك خطوبا لا نطيق لها

حملا ونحن بها حقا أحقاء

قال أبو شامة إنه جاء إلى دمشق كتب من المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، بخروج نار عندهم في خامس جمادى الآخرة من هذه السنة، وكتبت الكتب في خامس رجب، والنار بحالها، ووصلت الكتب إليها في عاشر شعبان ثم قال:

بسم الله الرحمن الرحيم، ورد إلى مدينة دمشق في أوائل شعبان من سنة أربع وخمسين وستمائة كتب من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيها شرح أمر عظيم حدث بها فيه تصديق لما في الصحيحين من حديث أبي هريرة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى) فأخبرني من أثق به ممن شاهدها أنه بلغه أنه كتب بتيماء على ضوئها الكتب. قال: وكنا في بيوتنا تلك الليالي، وكان في دار كل واحد منا سراج، ولم يكن لها حر ولفح على عظمها، إنما كانت آية من آيات الله عز وجل.

قال أبو شامة: وهذه صورة ما وقفت عليها من الكتب الواردة فيها:

لما كانت ليلة الأربعاء ثالث جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة ظهر بالمدينة النبوية دوي عظيم، ثم زلزلة عظيمة رجفت منها الأرض والحيطان والسقوف والأخشاب والأبواب، ساعة بعد ساعة إلى يوم الجمعة الخامس من الشهر المذكور، ثم ظهرت نار عظيمة في الحرة قريبة من قريظة نبصرها من دورنا من داخل المدينة كأنها عندنا، وهي نار عظيمة إشعالها أكثر من ثلاث منارات، وقد سالت أودية بالنار إلى وادي شظاً مسيل الماء، وقد مدت مسيل شظاً وما عاد يسيل والله لقد طلعنا جماعة نبصرها فإذا الجبال تسيل نيراناً، وقد سدت الحرة طريق الحاج العراقي، فسارت إلى أن وصلت إلى الحرة فوقفت بعد ما أشفقنا أن تجئ إلينا، ورجعت تسيل في الشرق فخرج من وسطها سهود وجبال نيران تأكل الحجارة، فيها أنموذج عما أخبر الله تعالى في كتابه: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ *كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} وقد أكلت الأرض، وقد كتبت هذا الكتاب يوم خامس رجب سنة أربع وخمسين وستمائة والنار في زيادة ما تغيرت، وقد عادت إلى الحرار في قريظة طريق عير الحاج العراقي إلى الحرة كلها تشتعل نبصرها في الليل من المدينة كأنها مشاعل الحاج، وأما أم النار الكبيرة فهي جبال حمر، والأم الكبيرة التي سالت النيران منها من عند قريظة، وقد زادت وما عاد الناس يدرون أي شيء يتم بعد ذلك، والله يجعل العاقبة إلى خير، فما أقدر أصف هذه النار.

وقال الحافظ ابن كثير: وفي كتاب آخر: لما كان يوم الاثنين مستهل جمادى الآخرة، سنة أربع وخمسين وستمائة وقع بالمدينة صوت يشبه صوت الرعد البعيد تارة وتارة، أقام على هذه الحالة يومين، فلما كانت ليلة الأربعاء ثالث الشهر المذكور تعقب الصوت الذي كنا نسمعه زلازل.

فلما كان يوم الجمعة خامس الشهر المذكور انبجست الحرة بنار عظيمة يكون قدرها مثل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي برأي العين من المدينة، نشاهدها وهي ترمي بشرر كالقصر، كما قال الله تعالى، وهي بموضع يقال له أجيلين، وقد سال من هذه النار واد يكون مقداره أربع فراسخ، وعرضه أربعة أميال، وعمقه قامة ونصف، وهي تجري على وجه الأرض ويخرج منها أمهاد وجبال صغار، وتسير على وجه الأرض وهو صخر يذوب حتى يبقى منك الآنك.

فإذا جمد صار أسود، وقبل الجمود لونه أحمر، وقد حصل بسبب هذه النار إقلاع عن المعاصي، والتقرب إلى الله تعالى بالطاعات، وخرج أمير المدينة عن مظالم كثيرة إلى أهلها (ج-ص 221/13).

قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة: ومن كتاب شمس الدين بن سنان بن عبدالوهاب بن نميلة الحسيني قاضي المدينة إلى بعض أصحابه: لما كانت ليلة الأربعاء ثالث جمادى الآخرة حدث بالمدينة بالثلث الأخير من الليل زلزلة عظيمة أشفقنا منها، وباتت باقي تلك الليلة تزلزل كل يوم وليلة قدر عشر نوبات، والله لقد زلزلت مرة ونحن حول حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطرب لها المنبر إلى أن أوجسنا منه إذ سمعنا صوتاً للحديد الذي فيه.

واضطربت قناديل الحرم الشريف، وتمت الزلزلة إلى يوم الجمعة ضحى، ولها دوي مثل دوي الرعد القاصف، ثم طلع يوم الجمعة في طريق الحرة في رأس أجيلين نار عظيمة مثل المدينة العظيمة، وما بانت لنا إلا ليلة السبت وأشفقنا منها وخفنا خوفاً عظيماً، وطلعت إلى الأمير كلمته وقلت له: قد أحاط بنا العذاب، ارجع إلى الله تعالى، فاعتق كل مماليكه ورد على جماعة أموالهم، فلما فعل ذلك قلت:

اهبط الساعة معنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فهبط وبتنا ليلة السبت والناس جميعهم والنسوان وأولادهم، وما بقي أحد لا في النخيل ولا في المدينة إلا عند النبي صلى الله عليه وسلم.

ثم سال منها نهر من نار، وأخذ في وادي أجيلين وسد الطريق ثم طلع إلى بحرة الحاج وهو بحر نار يجري، وفوقه جمر يسير إلى أن قطعت الوادي وادي الشفا، وما عاد يجيء في الوادي سيل قط لأنها حضرته نحو قامتين وثلث علوها، والله يا أخي إن عيشتنا اليوم مكدرة والمدينة قد تاب جميع أهلها، ولا بقي يسمع فيها رباب ولا دف ولا شرب، وتمت النار تسيل إلى أن سدت بعض طريق الحاج وبعض بحرة الحاج.

وجاء في الوادي إلينا منها يسير وخفنا أنه يجيئنا فاجتمع الناس ودخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم وتابوا عنده جميعهم ليلة الجمعة، وأما قتيرها الذي مما يلينا فقد طفئ بقدرة الله وأنها إلى الساعة وما نقصت إلا ترى مثل الجمال حجارة ولها دوي ما يدعنا نرقد ولا نأكل ولا نشرب، وما أقدر أصف لك عظمها ولا ما فيها من الأهوال.

وأبصرها أهل ينبع وندبوا قاضيهم ابن أسعد وجاء وعدا إليها، وما صبح يقدر يصفها من عظمها، وكتب الكتاب يوم خامس رجب، وهي على حالها، والناس منها خائفون، والشمس والقمر من يوم ما طلعت ما يطلعان إلا كاسفين، فنسأل الله العافية. هذا ما وجدته ونقلته عن بعض العلماء، والله يحفظ وطننا بمنّه وكرمه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد