كل ما أقرأُ أو أسمعُ أو أشاهدُ هذه الأيام يتحدّثُ عن (طاعون) العصر الحديث، ذلكم هو الإرهابُ، ووصيفتُه الجريمة، فرديةً كانت أو جماعية!
* هو داءٌ لا يمكن أن يُنسبَ إلى حيوان، بدءاً ب(جنون) البقر، مروراً (بإنفلونزا) الطيور وانتهاءً ب(زكام) الخنازير، ومن يدري ماذا يمكن أن (تهدينا) الإبل مستقبلاً، لا قدر الله!
* الإنسان وحده هو المسؤول عنه بدءاً ونهاية!
* هو (الفاعل) له، وهو (المفعول به) بسببه وهو (المفعَّل) من أجله!
* وهو البلاءُ المستطير الذي لا يقهرُ شبحه دواءٌ، ولا تُجدي معه وقاية.. ولا تصدُّ عنه (حمية)!
* وهو الابتلاءُ المبين الذي (يروج) له في بعض (أدبيات) الجريمة والإرهاب بألف وسيلة وسبب، لكن الغاية منه واحدة، هي تحقيقُ نازلةِ الدمار على كل شيء حي!
***
* والحديثُ عن الإرهاب تحديداً يفرز سؤالاً كهذا (هل كلُّ عنفٍ إرهاب)؟
وأقول: ليس كلُّ عنفٍ في كل حال إرهاباً؟
* نعم.. هو (إرهاب) متى استهدفَ حياةَ أو عرْض أو حرية أو مال أبرياءٍ من الناس لا حولَ لهم معه ولا قوة ولا شأن!
* وهو إرهاب متى خلط (منظّروه) و(مموّلوه) و(ممارسوه) والمعتذرون له أو المتعاطفون معه الأوراقَ، لتتحكَّمَ فيه عشوائيةُ الهوى، وشهوةُ الفتك، وساديةُ التدمير!
***
* والإرهاب بكل أشكاله وأصنافه ووسائله وغاياته.. نفسٌ كريهٌ في حلق البشر، وغصةٌ مكتومةٌ في الحناجر، وآهة مثخنة بالحزن وسط القلوب.. وهو الشغل الشاغل لحكومات الأرض وشعوبها، لا فرق في ذلك بين شرقي أو غربي، ولا بين شمالي أو جنوبي.. الكلّ في هم الإرهاب سواء!
***
* ومثل الإرهاب الجريمة، بكلّ تصنيفاتها وأسبابها ونتائجها، وفي مقدمتها الأنماط المألوفة من السلوكيات الفردية غير المسؤولة التي تتحدث عنها دوائر الأمن في كل مكان، يقترفها أفرادٌ وجماعات خانهم العقل، وخذلتهم الذمة، فاستهانوا بأنفسهم.. وبالآخرين، وراحوا يعيثون في الأرض فساداً، بين قتلٍ وتدميرٍ وسرقةٍ واغتصابٍ واختطاف، وقسْ على ذلك كثيراً!.
***
* وقد ساعد على استشراء السلوك الإجرامي في المجتمع الغربي الحديث (استرخاء) بعض أنظمة الحساب والعقاب، وبات النظر في أعتى القضايا يعتمد على حذق المحامي، أكثر من حيثيات الجريمة، فهو يُعمل عقله، ويسخر خبراته في استنباط مداخل ومخارج البراءة لموكله، إن استطاع إلى ذلك سبيلاً.. فإن عاقه في بلوغ ذلك عائقٌ، التمس حكماً مخففاً.. معتمداً في ذلك على عواطف المحلفين.. وبراعته لغوياً عند الترافع أمامهم، فإن شعر (بغلبة الروم) عليه، حاول إسقاط القضية على زعم (المس الجنوني) لموكّله لحظة تنفيذ الجريمة، ليدخلَ المحكمة بأسرها، قضاةً ومحلفين وشهوداً، في متاهة طويلة ومعقدة من التحري والإثبات والنفي وغير ذلك من أدوات (المناورة) القانونية!
***
* وربما التمس المحامي عثرةً في التحقيق المبدئي للقضية، أو في تعامل وسائل الإعلام معها بنصرة أحد طرفي القضية تحريضاً ضد الآخر، علّ ذلك يحمل القاضي على النطق ببطلان الدعوى ضد المتهم، بحجة غياب الحيدة في التحقيق والطعن في نصاب العدل إزاء موكله.
***
* أما إذا رجحت شواهد الاتهام، فإن هناك أكثر من احتمال في فوز المتهم ببعض التعاطف لصالحه، إما باختلاف يصل حدَّ الانقسام بين المحلفين الذين سيقررون مصير القضية، فيعطلون النطقَ بالحكم، وإما الحكم عليه حكماً يترك أبواب الرأفة مشرعةً أمامه، ومن عجبٍ أن المسؤولين عن السجون في بعض الولايات الأمريكية ينادون بل ويجاهرون بالرغبة في تقليص نزلاء السجون، إما لترشيد الإنفاق عليها، أو بسبب الحاجة الملحة إلى إخلاء أماكن داخل العنابر لاستيعاب (الضيوف) القادمين!!
***
وبعد..،
* فقد سقتُ هذه الفذلكةَ اليسيرةَ لأدلل على ضعف ضوابط الردع للجريمة والإرهاب بكل أشكالهما، في بعض مجتمعات العالم، خاصة تلك التي تجاهر بحرية الإنسان وحقوقه، حتى ولو كان المقترف مجرماً أشراً، ويتساءل الكثيرون من العقلاء هناك: كيف يستوي أن نحميَ الإنسانَ السويَّ من عبث العابثين.. إذا كنا في الوقت نفسه نلتمس الرخص والأعذار لهم عبر ثقوب القضاء والأنظمة المساندة له؟! كيف ننصِّبُ أنفسنا دعاةَ للحرية وحقوق الإنسان في كل مكان.. إذا كنا عاجزين عن توفير الأمن وصيانة الحقوق وحفظ الحريات داخل حدودنا؟!
* تلك هي محنة الإنسان في الغرب.. فهل نحن في شرقنا معتبرون؟!.