تقرير- عبدالله الرزقي:

من أهم الدواعي والدوافع التي كانت وراء كتابة هذا التقرير أن عدن قد استضافت فعاليات الأسبوع الثقافي السعودي، ورأينا أن علينا أن نغوص في أعماق تاريخ هذا المكان العزيز. وعدن في اللغة: قال ابن منظور في لسان العرب مج 6-ص 128 إلى ص 130 ما نصه (عدن) عدن فلان بالمكان يعدن ويعدن عدنا وعدونا أقام، وعدنت البلد توطنته. إلى قوله: والعدن موضع باليمن ويقال له عدن أبين، أي أنه نسب إلى أبين رجل من حمير لأنه عدن به أي أقام. وقال الأزهري: وهي بلد على سيف البحر في أقصى بلاد اليمن، وفي الحديث ذكر عدن أبين هي مدينة معروفة باليمن أضيفت إلى أبين بوزن أبيض، وهو رجل من حمير.

ومما تقدم فإنه قد تلاشت في هذا الزمن الإضافة فيقال عدن فقط، وقليل من الناس في هذا الزمان من يعرفها بالإضافة (عدن أبين). والاختصار الحاصل في الأسماء المضافة من شأنه يضيع ويطمس جانباً من تاريخ المكان، وحفاظاً على ذلك فإن كلاً من مجمع اللغة العربية والمؤسسات الثقافية والجغرافية والسياحية وأمانة المدينة تلتزم بالأسماء الأصيلة وعدم المساس بها، وللتفريق لذلك باليمن عدنان عدن لاعة وعدن أبين.

الحموي كذلك أوضح في معجمه ج4 ص 89 (لغة المكان) وسبب التسمية على نحو ما تقدم، إلا أنه أضاف قول الطبري نسبة عدن وأبين. قال الطبري: سميت عدن وأبين بعدن وأبين ابني عدنان. وتعجب الحموي من ذلك، لكن الحموي توسع كثيراً في سرده عن عدن، نأخذ منه على الإيجاز مما أورد ونناقش. قال عن عدن أبين: هي مدينة مشهورة على ساحل بحر الهند من ناحية اليمن. وفيما يتعلق بإضافة عدن لأبين فقد قال الحموي: أبين هو مخلاف عدن من جملته، ونقل الحموي عن الهمذاني فيما يتعلق بتهامية عدن، وسوف نأتي على ذلك.ومما أورده الهمذاني عن عدن بعد أن حدد موقعها الجغرافي في صفة الجزيرة بقوله بما نصه في صحيفة رقم 70 من الصفة: عدن جنوبية تهامية، وهي أقدم أسواق العرب، وهي ساحل يحيط به جبل لم يكن فيه طرق، فقطع في الجبل باب بزبر الحديد وصار لها طريق إلى البر ودرب وموردها ماء يقال له الحيق أحساء في رمل في جانب فلاة إرم، وبها في ذاتها بؤر ملح وشرب وسكنها المربون، يقولون إنهم من ولد هارون الرشيد. وأورد الهمذاني في سرده عن عدن أعلاماً من عدن منهم: ابن منادر الشاعر وابن عمر المحدث. وفي تحقيق ابن عم المحدث يتحقق الأكوع بما نصه: واسمه محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني قاضي عدن شيخ سلم، وعدن في اليمن اثنان هو ما نحن بصدده والثاني كما قال عمارة وأورده الحموي.

عدن لاعة: لاعة مدينة في جبل صبر من أعمال صنعاء.

ومن العجائب التي في اليمن وليس لها مثيل في بلد مثيلها وفق الهمذاني في الصفة ص 344 بقوله (منها عدن وهو شصر، والشصر: بكسر الشين المعجمة وسكون الصاد الهملة هو الشق وتنصرف منه الفعل والمصدر وغيره ومنه قولهم شصر الأرض إذا شقها للفلاحة (كلمة يمانية). وأبان الدكتور طه عبدالعليم رضوان عن جغرافية عدن بقوله: فخليج عدن يبدو على شكل هلال له قرنان قرن شرقي به جبال شمسان وتلال بركانية قامت عليها المدينة القديمة، وقرن غربي قام عليه الميناء الحديث. إلى قوله ومدينة عدن القديمة تحصر في تلال المنصوري شمالا وتلال شمسان من الجنوب مع الانفتاح غربا على خليج عدن البيضاوي.

وضمن رحلة ابن بطوطة المشهورة نأخذ منه مشاهداته التي ضمنها رحلته إلى اليمن وذلك في صحيفة رقم 276 من كتاب الرحالة ابن بطوطة قال: سافرت منها إلى عدن مرسى بلاد اليمن على ساحل البحر الأعظم والجبال تحف بها ولا مدخل إليها إلا من جانب واحد وهي مدينة كبيرة. وقال: تأتي إليها المراكب العظيمة من كنابايت وتانا وكولم وقاقوط وفندرانيا والشاليات ومنجرو وغيرها، وتجار مصر والهند ساكنون بها. وذكر ابن بطوطة قصة طريفة لبعض تجار عدن فيها كناية عن مباهاتهم في جمع الأموال ونحو ذلك وقال: ذكر لي بعضهم بعث أحدهم غلاماً ليشتري له كبشاً وبعث آخر منهم غلاماً له برسم ذلك أيضاً فاتفق أنه لم يكن بالسوق في ذلك اليوم إلا كبش واحد فوقعت المزايدة فيه بين الغلامين فانتهى ثمنه إلى 400 دينار فأخذه أحدهما وقال: إن رأس مالي 400 دينار فإن أعطاني مولاي ثمنه فحسن وإلا دفعت فيه رأس مالي ونصرت نفسي وغلبت صاحبي، وذهب بالكبش إلى التاجر فلما عرف التاجر بالقضية أعطاه ألف دينار وعاد الآخر إلى سيده خائباً فعاقبه. ويستطرد ابن بطوطة مشاهداته عن عدن فيقول: نزلت في عدن عند تاجر يعرف بناصر الفاري فكان يحضر طعامه كل ليلة نحو عشرين من التجار.. إلى قوله: ومع هذا كله فهم أهل دين وتواضع وصلاح ومكارم أخلاق، ويحسنون إلى الغريب ويؤثرون على الفقير ويعطون حق الله من الزكاة على ما يجب. ولقيت بهذه المدينة قاضيها الصالح سالم بن عبدالله الهندي.