ازدهرت حركةُ التأليف في بداية القرون الأولى وأصبحَ لبعض الولاة اهتمامٌ بالكتب فقام بعضهم بتأسيسِ مكتبات عامّة وصرفوا لها أموالاً وفَرغوا لها نُساخاً.
يذكر الدكتور عبد القادر سعود: (إنَّ ظهور المكتبات في المجتمع الإسلامي يدلُ دلالةً واضحةً على التطور الفكري والحضاري الذي أسسه المسلمون على ركائز متينة، كما تدلُ على اهتمام المسلمين بجمعِ التُراث الإنساني المكتوب والحفاظ عليه). ويذكر الأستاذ محمَّد كرد علي: (ما برحت خزائن الكتب تزيد على الزمن بازدياد الحضارة في الإسلام). (خطط الشام 6-191).
ومن مظاهر انتشار الكتب في القرون المتقدمة ما يُروى عن بعضِ الملوك أنَّه أرسلَ إلى الصاحب ابن عبَّاد يسألهُ القدوم عليه فقال الصاحبُ له: (ت 385 هـ): أحتاجُ إلى ستين جملاً أنقلُ عليها كتب اللغة التي عندي،ويُعلقُ الحافظ السيوطي على هذه الحادثة بقوله: (وقد ذهبت جلُّ كتب اللغة في الفتن الكائنة من التتار وغيرهم بحيث أنَّ الكتب الموجودة الآن في اللغة من تصانيف المتقدمين والمتأخرين لا تجئ حِمْل جملٍ واحدٍ !!) المزهر للسيوطي 1-97 ط المكتبة العصرية 1986م.
وقال بعضُ المؤرخين المصريين: (إنَّ الباقي من الكتب التي ألفها المسلمون ليس إلاَّ نقطة من بحر ممَّا أحرقهُ الصليبيون والتتر والأسبان). انظر التراتيب الإدارية 2-455 .
وابتليت كثيرٌ من المكتبات الإسلامية العامّة بالعديد من النكبات عبر التاريخ، مما أدى إلى فُقدان الكثير من الكتب التي لا نعرفُ اليوم إلاَّ عناوين بعضها!!
واقتصرتُ في مقالي على المكتبات الإسلامية العامة التي ابتليت بنكبات إذ لم أتطرق إلى المكتبات الخاصة التي أصابتها نكبات سواء بفعل أصحابها أنفسهم ! أو بأمرٍ من السلطان كما فعل المعتضد بن عبَّاد بكتب الإمام ابن حزم الأندلسي (ت 456 هـ) حيثُ أمرَ بإحراقها فحرقت !
أمَّا أنواع النكبات التي تعرضت لها المكتبات فهي أضرب مختلفة:
1- الحرائق وتُمثل غالب النكبات.
2- رمي الكتب في الماء أو وصول الماء إليها نتيجة الإهمال!.
3- السرقة.
4- انتشار الأرضة ودودة الكتب فيها.
وقد رتبتُ المكتبات التي سوف أتناولها هنا بحسب البلدان:
الحجاز
* مكتبة الحرم المكي. قال الأستاذ رشدي ملحس في مُلحقٍ له على كتاب أخبار مكة للأزرقي ص 314 ط الخامسة سنة 1408 هـ مكتبة الثقافة (سيل عام 738 هـ ليلة الخميس العاشر من جمادى الآخرة سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة جاء سيلٌ وغيم، ورعودٌ مُزعجة، وبروقٌ مُخيفة، ومطرٌ وابل.... دخلَ الحرم الشريف من جميع الأبواب... وبلَّ جميعَ الكتب التي كانت في قُبة الكتب).
وقال الأستاذ المذكور في ص 324 (في سنة 1278 هـ شهر جمادى الأولى لثمانٍ خلونَ منه أتى سيلٌ قبلَ صلاة الصبح ومعه مطر كأفواه ا لقِرب ودام المطر نحو ساعة ثم هجم السيل ودخل المسجد الحرام دُفعةً واحدة... فامتلأ المسجد الحرام وصارَ يموج كالبحر ووصلَ الماء قناديل الحرم... وغرقت الكتب التي بالحرم).
* مكتبة الحرم النبوي. يقول السمهودي في كتابه خلاصة الوفا - ص: 322 (ثمَّ احترقَ المسجد النبوي في الثلث الأخير من ليلة الثالث عشر من شهر رمضان عامَ ستٍ وثمانين وثمانمائة... ومات في هذا الحريق المذكور زيادة على عشرة أنفس، وعظمت النار جداً، واستولت على سائر سقف المسجد وما فيه من خزائن الكتب والرباعات والمصاحف غير ما بادروا بإخراجه).
* مكتبةُ شيخ الإسلام عارف حكمت. وصفها: (قد بذل شيخ الإسلام في اقتناء كتب مكتبته وشرائها، أمولاً كثيرة، وجهوداً كبيرة، وهي تزخرُ بالجم من تراث العربية والإسلام، وفهارسها الحالية تُشير إلى أنها تحوي زهاء خمسة آلاف مخطوط) من كلام الدكتور محمد الخطراوي بتصرف.
نكبتها: (قام العثمانيون بنقل موجودات مكتبة عارف حكمة إلى دمشق تمهيداً لنقلها إلى استانبول ولكن الطرق أغلقت أمام القوات العثمانية بسبب الحرب العالمية الأولى، فبقيت الكتب بالشام، ثم أعيدت إلى المدينة المنورة عام 1337 هـ، وكانت قد وضعت هناك في تكية السلطان سليم، وفاضت مياه نهر بَردى القريب من التكية، ووصلت المياه إلى صناديق الكتب، ولم تتعرض جميع الكتب لذلك) انظر كتاب عارف حكمة حياته ومآثره ص: 40 ط مكتبة دار التراث 1403هـ.
وقال السيد عبد الحي الكتاني: (بلغني أنَّ مُعظم ما كان بها تفرقَ شذرَ مذر). التراتيب الإدارية 2-461 .
المغرب
يقول مُجيزنا العلاَّمةُ الموسوعي محمد المنوني -رحمه الله- في كتابهِ دور الكتب في ماضي المغرب ص: 20 (نُلاحظ أنَّ المكتبة المغربية نالها حظها من المحن التي نزلت بالمغرب، من جراء احتلال البرتغال والأسبان للكثير من شواطئ المغرب خلال هذه المدة. ويعلمُ الله كم ضاعَ بسببِ ذلك من كتبٍ ومكاتب، فإنَّ هؤلاء المحتلين وبالأخص الأسبان الذين أحرقوا كل كتابٍ عربي لما انتصروا على المسلمين في إسبانيا لا بُدَّ أن يبيدوا بالمغرب كل ما وقفوا عليه مما يرجعُ للعربِ والإسلام، أو على الأقل ينهبوا ما عثروا عليه من ذلك)
* مكتبةُ الجامع الأعظم بمكناس قال عنها المنوني: (لقد كانت قبل أن تمتد إليها يد النهب والاختلاس جامعة لمحاسن الكتب القديمة).
أما حالُ هذه المكتبة اليوم فيصفها لنا المنوني بقوله: (وإذا شئت أن ترى كيف ضاعت الخزائن المغربية، وإلى أي حدٍ بلغَ إهمال المغاربة لكتبهم ومكاتبهم، فتعال إلى مكتبة المسجد الأعظم بمكناس، فلا شكَّ أنَّكَ لا تجدُ مكتبةً علميةً، وإنما تجدُ مخزناً هائلاً للغبار، ومرتعاً خصْباً للحشرات). دور الكتب في ماضي المغرب ص 66.
* مكتبةُ ضريح الشيخ محمد بن عيسى المتوفى في القرن العاشر الهجري قال المنوني عنها: (وكان مصيرها أنها أصابها حريقٌ لم يبقَ منها شيئا). دور الكتب في ماضي المغرب 69.
* مكتبةُ الجامع الأعظم بآسفي قال المنوني عنها: (وتبلغ كتبها الآن بعدما اختلست منها كتبٌ عديدة، نحو أربعمائة كتاب في مختلف الفنون والعلوم). دور الكتب في ماضي المغرب 71 .
* مكتبةُ زيدان بأسبانيا وتُسمى مكتبة (الاسكوريال) قال المنوني في وصفها: (فإنَّ من حديثها أنَّه لما حاصر مراكش الثائر الشهير أحمد بن أبي محلي أرادَ زيدان نقل كمية منها على البحر من مرسى آسفي إلى مرسى أكادير فوقعَ عليها الأسبان واستولوا عليها فيما بعد سنة 1020هـ، وهي اليوم ألفا مجلد غالبها بخط مؤلفيها، وكانت قبل القرن السابع عشر أكثر من هذا القدر نحو ثلاثة آلاف مخطوط عربي، ولكن النار التي شبت في الدير التهمتها مع ما التهمت من الكتب غير العربية الأخرى). دور الكتب في ماضي المغرب بتصرف 86 -87. وانظر تاريخ المكتبات الإسلامية، ومن ألف في الكتب للكتاني ص 78.
* مكتبةُ ابن عبد الجبار الفكَيكَي يقول المنوني عنها: (هذه المكتبة كانت فاتحة مصراعيها في وجه البعض من الباحثين المستفيدين).
قال شيخ شيوخنا الحافظ عبدالحي الكتاني وفي رحلة ابن عبدالسلام الناصري الكبرى: (كانت لهذا الإمام وبنيه من بعده خزانة كتب عظيمة احتوت على دواوين غريبة، ثمَّ تلاعبت بها أيدي الحدثان، وممر الدهور والأزمان، فتفرقت شذر مذر حتى لم يبقَ منها إلاَّ الأثر)،وقال الكتاني: (وأخبرني من دخلها قريباً أنَّه لم يبقَ منها إلاَّ بعض مُجلدات من تفسيرٍ لم يعرف مصنفه، ولله الأمرُ من قبلُ ومن بعد). تاريخ المكتبات ص: 79 .
وفهرس الفهرس 2-899 ? 900 .
مصر
* خزائن الكتب بالقاهرة وصفها: قال المقريزي: ويُقال إنه لم يكن في جميع بلاد الإسلام دارُ كتبٍ أعظم من التي كانت بالقاهرة في القصر، ومن عجائبها أنه كان فيها ألف ومائتا نُسخةٍ من تاريخ الطبري إلى غير ذلك. ويُقال إنَّها كانت تحتوي على ألف ألف وست مائة كِتاب. المواعظ والاعتبار 2-358 .
وقال المقريزي أيضاً:(وقعَ بها الحريقُ يوم الجمعة رابع صفر سنة إحدى وتسعين وست مائة، فتلفَ بها من الكتب، في الفقهِ والحديثِ والتاريخ وعامة العلوم، شيءٌ كثيرٌ جداً كانَ من ذخائرِ الملوكِ. فانتهبها الغِلمان، وبيعت أوراقاً مُحرقة ظفر الناسُ منها بنفائسَ غريبة ما بين ملاحم وغيرها، وأخذوها بأبخس الأثمان). المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار 3-683 .
* خزانة الفاطميين بمصر. قال القلقشندي: (كانت من أعظم الخزائن، وأكثرها جمعاً للكتب النفيسة من جميع العلوم. ولم تزل كذلك إلى أن انقرضت دولتهم بموتِ العاضدِ آخر خلفائهم، واستيلاء السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب على المملكة بعدهم، فاشترى القاضي الفاضل كتب هذه الخزانة، ووقفها بمدرسةِ الفاضلية بدرب ملوخيا بالقاهرة، فبقيت إلى أن استولت عليها الأيدي فلم يبقَ منها إلاَّ القليل). صبح الأعشى 1-467 .
العراق
العراق بلاد الكتب والمكتبات، والمآسي والنكبات. يقول السيد عبد الحي الكتاني: (أجمعَ الباحثون على أنَّ الذي فُقدَ من كُتب المسلمين أكثرُ بكثيرٍ ممَّا وجدَ أو حُفظَ اسمه. وكانَ أكثر المفقود بسببِ وقعةِ التتر).
* حريقٌ في بغداد سنة 451: يقول ابن الأثير في الكامل 8-88 ط دار الكتاب العربي: (في هذه السنة - أي سنة 451 - احترقت بغداد الكرخ وغيره وبين السورين، واحترقت فيه خزانة الكتب التي وقفها أردشير الوزير ونُهبت بعض كتبها وجاءَ عميد الملك الكندي فاختار من الكتب خيرها وكان بها عشرة آلاف مُجلد وأربعمائة من أصناف العلوم منها مائة مصحف بخطوط بني مقلة، وكان العامة قد نهبوا بعضها لمَّا وقعَ الحريقُ).
ويقول ياقوت الحموي: (بَيْنُ السورين اسمٌ لمحلة كبيرة كانت بكرخِ بغداد، وكانت من أحسن محالها وأعمرها، وبها خزانة الكتب التي وقفها الوزير أبو نصر سابور بن أردشير وزير بهاءِ الدولة بن عضد الدولة، ولم يكن في الدنيا أحسنُ كتباً منها، كانت كلها بخطوط الأئمة المعتبرة وأصولهم المحررة، واحترقت فيما أُحرقَ من محالّ الكرخ عند ورود طُغْرُل بك أول ملوك السلجوقية إلى بغداد سنة 447 هـ)، معجم البلدان ص 534 ط دار صادر.
حريقُ البصرة: قال ابنُ الجوزي في حوادثِ سنةِ 483 (وفي جمادى الأولى وردَ البصرةَ رجلٌ كانَ ينظرُ في علومِ النجوم يُقال لهُ: تليا، واستغوى جماعته، وادّعى أنه الإمام المهدي، وأحرقَ البصرة فأُحرقت دار كتبٍ عُملت من قِبلِ عضد الدولة، وهي أولُ دار كتب عُملت في الإسلام) انظر المنتظم في تاريخ الأمم والملوك 16-289 ط دار الكتب العلمية 1992م.
وقال ابن كثير في البداية والنهاية 16- 116: (... وأحرقَ منَ البصرة شيئاً كثيراً، منْ ذلك دارُ كتبٍ وُقفت في الإسلام).
* التتار في بغداد.
قال ابن العماد في كتابه شذرات الذهب 7-468 ط ابن كثير في وصف هذه النكبة: (ركب هولاكو في مائتي ألف من التتار والكرج، ثم دخلت التتار بغداد، وبذلوا السيف، واستمر القتل والسبي نحو أربعين يوماً، ولم يسلم إلاَّ من اختفى في بئرٍ أو قناةٍ. ويُقال: إنَّ هولاكو أمرَ بعدِّ القتلى، فبلغوا ألفَ ألفٍ وكسرٌ) بتصرف.
أهميتها
قال القلقشندي في صُبح الأعشى 1- 466 الطبعة الأميرية: (ويُقال إنَّ أعظم خزائن الكتب في الإسلام ثلاثُ خزائن. إحداها: خِزانة الخلفاء العباسيين ببغداد، فكان فيها من الكتب ما لا يُحصى كثرةً، ولا يُقوّم عليه نفاسةً، ولم تزل على ذلك إلى أن دَهمت التتر بغداد، وقتل ملكهم هولاكو المستعصم آخرَ خلفائهم ببغداد، فذهبت خزانة الكتب فيما ذهب، وذهبت معالمها، وأعفيت آثارها).
وقال الأتابكي في كتابه (النجوم الزاهرة) 7-51 ط دار الكتب المصرية 1357هـ (وخربت بغداد الخراب العظيم، وأُحرقت كتب العلم التي كانت بها من سائر العلوم والفنون التي ما كانت في الدنيا، قيل: إنهم بنوا جسراً من الطين والماء عوضاً عن الآجُرّ).
قال الأستاذ الباحث الفيكنت فيليب في كتابه (خزائن الكتب العربية في الخافقين) 1-107 (تمادى هولاكو في التخريب والتدمير أثناء زحفه إلى بغداد. فلم يُبقِ فيها أثراً للمخطوطات القديمة والذخائر الثمينة التي كانت مكنوزة منذ قرون في قصور الخلفاء وبيوتات الأمراء. واقترفَ مثل تلك الفظائع في (دار الحكمة) وفي خزائن كتب المدرسة النظامية والمدرسة المستنصرية وفي غيرها من خزائن الكتب العامة والخاصة. فألقى بعضها في نهر دجلة فسدَّ مجراه وجاز الناس على الكتب من جانبٍ إلى جانب كأنها جِسرٌ معقود، وبعضها الآخر استنفد عزم النار الآكلة مدة غير قصيرة من الزمن حتى قضت قضاءها فيه) بتصرف يسير.
* مكتبةُ جامع النجف قال الأستاذ كاظم الدجيلي في مقالةٍ له في وصف خزانة مخطوطات جامع النجف: (جَمعت هذه الخزانة نفائس الكتب وأمهاتها التي عزّ وجود مثلها في الدنيا.. ولكن قد تلف جل هذه الكتب بل قل كلها إذ لم يبقَ منها إلاّ عددٌ يسيرٌ لطلاب العلم والمطالعين من الناس.. ولما كان ذلكَ بهذه الصورة صارَ الداخل إليها إذا خرجَ أخبأ تحتَ عباءته الكتب التي يريد سرقتها ويخرج بها بدون أن يُفتشه أحد. ولكثرةِ السراق ظهر النقص فيها ظهوراً لا يُمكنُ إخفاؤه على ذي عينين إذ لم يبقَ منها إلاّ ما يُناهز المئة. وحينئذٍ أغلقت أبوابُ الخزانة ومُنع الطلاب والمطالعون). انظر خزائن الكتب العربية في الخافقين للباحث الفيكنت فيليب 1-115 .
* نكبة مكتبات العراق عام 2003 م. كانت العراق قديماً وحديثا تزدهر بكثرة المكتبات وقد بلغ عدد مكتباتها العامة حتى نهاية سنة 1960 م (65) مكتبة عامَّة ! كما ذكر الأستاذ كوركيس عواد في الخزانة الشرقية 6-129، ناهيكَ عن المكتبات الخاصَّة فقد أسهب كوركيس عوَّاد بذكر بعضها أيضاً، وفي هذه النكبة الأخيرة للعراق فقدت كثير من المكتبات ما بينَ سرقةٍ وإتلافٍ !
الشام
* مكتبة الجامع الأموي بدمشق. يقول الأستاذ محمد كرد علي: (وقعَ الحريقُ الأعظم الذي في الجامع الأموي سنة 461 ودثر ما كان فيه من الكتب والمصاحف وربما حرق فيه العثماني القديم) انظر خطط الشام 6-191 .
* مكتبةُ بني عمَّار وتُسمى دار العلم يقول الدكتور السيد عبدالعزيز في كتابه طرابلس الشام في التاريخ الإسلامي نشر مؤسسة شباب الجامعة ص 68: (وعمل ابن عمَّار على رفع طرابلس إلى مصاف الحواضر الشامية الكبرى، فأسس بها دار العلم التي حوت من الكتب ما يزيد على مائة ألف كتاب).
ويصفها الأستاذ محمد كامل: (وفيها الكتب العربية والفارسية واليونانية. فاحترقَ هذا الأثر النفيس في افتتاح المدينة، وأحالها الفرنج رماداً، فخسر العالم بفقدها كنزاً ثميناً) طرابلس في التاريخ ص 44 بتصرف.
ويقول الدكتور مصطفى السباعي: (كانت آية من الآيات في العظمة والفخامة). من روائع حضارتنا 158.
ويقول الأستاذ محمد كامل في كتابه طرابلس في التاريخ ط 1415 هـ الأولى ص 42: (فدخلوها بعدما دافع أهلها دفاع الأبطال. فأسروا رجالها، وسبوا نساءها، وقتلوا شبانها، ويتموا أطفالها، ونهبوا ما فيها، فحصل في أيديهم من أموالها وأمتعتها وذخائرها، وكتب دار علمها، وما كانَ فيها من خزائن أربابها، مما لا يُحدّ عدده، ولا يُحصر مدده).
وقال شيخ شيوخنا الحافظ عبد الحي الكتاني: (كان بطرابلس الشام خزانة كتب تعرف بدار العلم قال الشيخ يحيى بن أبي طي حميد النجار الغساني الحلبي فيما نقله عنه ابن الفرات في تاريخه: لم يكن في جميع البلاد مثلها حسناً وكثرةً وجودةً. وقال: حدثني أبي قال: حدثني شيخٌ من أهلِ طرابلس قال: كنتُ مع فخر الملك ابن عمَّار صاحب طرابلس وهو شيزر، وقد وصله أخذ طرابلس (الذين أخذوها إذ ذاك عسكر الصليبين) فأغمي عليه وأفاق ودموعه مُتتابعة وقال: والله ما أسفي على شيء كأسفي على دار العلم، فإنَّ فيها ثلاثة آلاف ألف كتاب، كلها في علم الدين والقرآن والحديث والأدب. وقال: إنَّ بها خمسين ألف مصحف وفيها عشرين ألف تفسير لكتاب الله. قال أبي: وكانت هذه دار العلم من عجائب الدنيا وكان بنو؟ عمار قد عنوا بها العناية العظيمة. ثم قال: وقال: ولما دخل الأفرنج إلى طرابلس أحرقوا دار العلم، وكان السببُ في ذلك أنَّ بعض القُسُس لما رأى تلك الكتب هالته، واتفق أنه وقع في خزانة المصاحف الكرام فمدَّ يده إلى مجلد فإذا هو مصحف، ثمَّ إلى آخر فرآه كذلك، ثم إلى آخر فوجده مصحفا حتى عدَّ عشرين مصحفاً، ثم قال: كل ما في هذه الدار فهو قرآن المسلمين، فلذلكَ أحرقوها وتخطف الأفرنج أشياء من الكتب).
انظر تاريخ المكتبات الإسلامية ومن ألف في الكتب 31 .
ويوقفني بكاء الملك ابن عمَّار ما قالهُ الأستاذ مصطفى السباعي في كتابه من روائع حضارتنا: (بهذه الروح العلمية شُغفَ عُلماؤنا وأمراؤنا بالكتب وجمعها، حتى إنَّهم كانوا يرون نكبتهم في أموالهم وبيوتهم أيسرُ عليهم من نكبتهم في كتبهم !).
وأما عن عدد ما أتلف من الكتب في هذه الحادثة المؤلمة يقول الأستاذ محمد كرد علي: (واختلفت الروايات في عدد المجلدات التي كانت في خزانة بني عمار أو دار حكمتهم في طرابلس، وعلى أصح الروايات أنها ما كانت تقل عن مائة ألف مجلد). انظر خطط الشام 6-191
* حلب (خزانة الكتب) قال الذهبي في تاريخ الإسلام10-128 ط دار الغرب: (وأُحرقت خزانة الكتب التي بحلب، وكان فيها عشرة آلاف مجلَّدة من وقف سيف الدولة ابن حمدان، وغيره ).
* مكتبة المدرسة الأحمدية بحلب. قال الأستاذ كامل البالي الحلبي في كتابه نهر الذهب في تاريخ حلب 1-143: (كانت تجمعُ في خزانتها زُهاء ثلاثة آلاف مُجلد مخطوط في علومٍ شتى. وقد لعبت أيدي الضياع في كثيرٍ من محتوياتها النفيسة).
* مكتبات حلب. عقدَ الأستاذ كامل البالي الشهير الغزي في كتابه (نهر الذهب في تاريخ حلب) 1-142 ط الثانية فصلاً بعنوان: (المكتبات القديمة المفقودة): ومن تلك المكتبات مكتبة الجامع الكبير ومكتبات المدارس الكبرى كالمدرسة السلطانية والعصرونية والحلوية والشرفية والرواحية فإنَّ جميعَ هذه المكتبات فُقدت برمتها في حادثة تيمور لنك ؛ منها ما استأثر به تيمور لنك وابْتاعه ومنها ما انتهبته العامة أثناء تلكَ الحادثة وطرحوه في زوايا بيوتهم ثمَّ باعوه بأبخسِ ثمن).
بخارى وسمرقند
* مكتبات بخارى وسمرقند يقول الأستاذ محمد فريد وجدي: (إنهم لما فتحوا -أي المغول- بخارى وسمرقند غالوا في التخريب والتدمير فحرق ابن هولاكو مدرسة مسعود بك في بخارى سنة 671 وكانت من أوسع دور العلم في ذلك العصر فالتهمت النار كتبها الكثيرة) انظر دائرة معارف القرن العشرين 8-74 ط دار الفكر.
إيران
* مكتبةُ ساوة قال ياقوت في معجم البلدان: (مدينةٌ حسنة بين الري وهمذان في وسط، بينها وبين كل واحد من همذان والري ثلاثون فرسخاً، سُنية شافعية، وفي سنة 617 هـ جاءها التتر الكفار الترك فخُبِّرتُ أنهم خربوها وقتلوا كل من فيها ولم يتركوا أحداً البتة، وكانَ بها دار كتب لم يكن في الدنيا أعظم منها بلغني أنهم أحرقوها) انظر معجم البلدان 3- 179 ط دار صادر بتصرف.
خِتاماً وبعدَ ذكر هذه الفواجع، والمآسي والمواجع، يأتي الشيخ علي الطنطاوي فيخففُ مُصابنا، ويجبرُ كسرنا فيقولُ في مقالتهِ (الحلقة المفقودة) المنشورة عام 1937م (المكتبة العربية أجلّ تراثٍ علمي عرفه البشر وأعظمه، وأنها رغم ما أصابها من نكبات: منها نكبة هولاكو حين ألقى الكتب في دجلة حتى اسودَّ ماؤه -فيما نقلوا- من حبرها، ونكبة الإسبان حينَ أحرقوا الكتب وفيها حصاد أدمغة البشر قروناً طويلة، ولبثوا ليالي يستضيئون بنورها إلى الصباح ؛ ورغم ما أضاعهُ الجهلُ والإهمالُ لا تزالُ مخطوطاتها تُغذِّي المطبعات في الشرقِ والغربِ من مئة وخمسين سنة إلى الآن دأباً بلا انقطاع، ولا يزالُ فيها ما يُغذيها خمسينَ سنةٍ أخرى في كلِ ناحيةٍ من نواحي التفكير وفي كلِ فرعٍ من فروعِ العلم).
ويقول العلاَّمة السيد عبد الحي الكتاني: (إنْ أُحرقَ ما أُحرق ونُهبَ ما نُهب وحُجرَ ما حُجر وأُخفيَ ما أُخفي فالأصلُ الأصيل لتفاصيلِ المدينة الإسلامية القرآنُ الكريم الذي جمعَ فأوعى وكان حفظهُ الذي لا يُنسى على ممر الدهور). انظر التراتيب الإدارية 2-462 .
Alrasheed_777@hotmail.com