غيب الموت في نهاية الأسبوع المنصرم علماً بارزاً من أعلام الخدمة العامة - ذلكم هو الرجل الكبير - رمز الوفاء والمحبة - معالي الشيخ محمد بن عبدالله النويصر - رئيس الديوان الملكي السابق الذي أمضى زهاء ستين حولا متواصلة في الخدمة العامة - كان رحمه الله مثالا حيا للإخلاص في العمل والصدق في المعاملة ووضوح المنهج ورحابة الصدر وسعة الأفق.
كان بحكم مراكزه الوظيفية قريباً جداً من قيادات هذا الوطن ولصيقاً بمواطن صنع القرارات ومتواصلاً مع مواقع تنفيذ قواعد الشأن العام. شهد أثناء خدمته العامة مراحل متصلة من التطور والإصلاح العام التي سادت جميع مناحي الحياة وساهم مع الرعيل الأول في كتابة وصياغة الكثير من فصولها وملاحمها. امتدت خدمته العامة زهاء ستين عاماً متواصلة تحت رايات أربعة ملوك هم الملك فيصل والملك خالد والملك فهد -رحمهم الله جميعاً- ومليكنا الحالي الملك عبدالله أطال الله بقاءه ومتعه بالصحة والعافية. ولو أسعفت - أبا عبدالرحمن - الأيام ولم تخنه الليالي ويبلغ منه الضعف والوهن الجسدي مبلغه لواصل خدماته بنفس الحيوية والصفاء المعهودين منه رحمه الله. ولكنه آثر أن يستريح لبعض الوقت الذي لم يدم طويلاً حيث وافاه الأجل المحتوم في نهاية الأسبوع المنصرم رحمه الله رحمة واسعة. كان على مدى خدمته المتواصلة مع ملوكنا الأربعة محل ثقتهم جميعاً. أميناً ومؤتمناً لديهم وكانت له حظوة لم ينلها من سبقوه في هذا الموقع.
كان - رحمه الله - يعمل بصمت وحكمه بعيداً عن وهج الأضواء ويتمتع بصبر وجلد مشوباً بالحزم والصرامة في أداء الواجب. كان قوياً في شخصه واثقاً من نفسه وفى قسمات وجهه رجولة ومهابة تبعث على الاحترام والإجلال. عاصر جميع المراحل الحديثة لتكوين الدواوين الملكية وعايش فترات الانتقال السلسة من مرحلة إلى أخرى. كوّن خلالها رصيداً من الإدراك الشامل لواجبات مركزه الوظيفي ومعرفة دقيقه بحساسية المسؤوليات المناطة به. ومع هذا وذاك كان - رحمه الله يعتمد على صفوة متميزة من الأعوان والمساعدين نشأت بينه وبينهم علاقات متينة وقويه من المودة والاحترام والثقة المتبادلة، والحرص والتفاني في تقدير المسؤولية وتأدية الواجب ساهمت جميعها في سلامة البناء وفى حسن الأداء. كان مكتبه في الديوان مشرع الأبواب للجميع دون استثناء ودون قيود أو بروتوكولات أو مواعيد مسبقة.
وإلى جانب إخلاصه في العمل وحضوره المتميز وذكائه الفطري الحاد وذاكرته القوية وصرامته في القول والعمل ودقته المتناهية في عرض ونقل المعلومات على حقيقتها إلى أولياء الأمر كان -رحمه الله- يحمل في مكنونات صدره خصالاً حميدة ويحتفظ بسجايا نبيلة لازمته طيلة حياته - وهي صفات لا يقدر على المحافظة عليها وصونها إلا القلة من الرجال الموهوبين - ذلك أنه رغم مشاغله الوظيفية الكثيرة ومسؤولياته الجسام كان وقوراً يتصف بالهدوء والتسامح في جميع مناحي حياته عزوفاً عن المظاهر ومباهج الحياة كان محباً للخير ومشجعاً عليه. يشعر بسعادة غامرة عند قضاء حاجة المحتاجين وتقترن استجابته لما يطلب منه ببشاشة وخلق نبيل حيث تصدق بشأنه مقولة (كأنك تعطيه الذي أنت سائله).
رحم الله أبا عبدالرحمن وأسكنه فسيح جناته وأجزل لأسرته الأجر والمثوبة والعزاء من قبل ومن بعد لنا ولهم وللوطن بأسره.