في ورقته التي قدمها إلى (المؤتمر الوطني الأول للأمن الفكري) الذي أقيم في مدينة الرياض، أشار الدكتور مشرف الزهراني إلى (اعتماد الوسطية طريقاً إلى الحل، بما لا يتعارض مع أخذ عناصر الواقع المعاصر في الاعتبار). مثل هذه الحلول والتوصيات كثيراً ما نسمعها ونقرأ عنها كعناوين يتفق عليها الجميع، غير أننا عندما نذهب إلى التفاصيل في محاولة إلى تحديد ما هي الوسطية المطلوبة، وما هو منها، وما هو خارج عنها، تبدأ المشكلة لتؤكد أن مثل هذه العبارات عبارات فضفاضة، ومبهمة، وغير منضبطة، لتصبح عند التحليل والتطبيق مثل نصحية الطبيب الذي يطلب من مريضه أن يهتم بصحته، ويحرص على عدم ممارسة ما يضر بها، ثم يترك للمريض تحديد ما هو المضر بصحته حسب اجتهاده الشخصي.
لو سألت -مثلاً - ابن لادن أو الظواهري: هل أنت وسطي؟ لما تردد للحظة في أن يجيبك بنعم، وعندما تنتقل إلى تحديد ما هو من (الوسطية) وما هو خارج عنها تبدأ الهوة بالاتساع حتى تنتهي عند نقطة معينة إلى التضاد، لنعود وإياه إلى مرحلة الصفر من جديد، وهكذا دواليك.
يقول الباحث السوري معتز الخطيب: (والمتتبع لهذا المصطلح واستثماراته سيجده يتردد في مجالات شتى، فمن مجال الاعتقاد وأن الأمة الوسط هي التي تلتزم بمذهب السلف في الأسماء والصفات، إلى أن الوسطية هي التي تدين التطرف في كل صوره وأشكاله بوصفه لا يتفق مع القيم الإنسانية، وبذل الجهود لعرض الصورة الصحيحة للإسلام بصفته دين الوسطية والاعتدال، واعتماد خطاب إسلامي معتدل مقيد بالزمان والمكان والأحوال، وتطوير المناهج الدينية بمدارسها المتنوعة، وتعزيز ثقافة السلام في المدارس والمجتمعات، وتعزيز الحوار بين الأديان، وصولاً إلى القول بوسطية الفتوى، ووسطية الجهاد، والوسطية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلاقة الوسطية بالحضارة الإسلامية والإنسانية، وغير ذلك، بل وجد هناك من يتحدث عن (وسطية مستنيرة) وضرورة وضع خطة شاملة لبلوغ الوسطية المستنيرة بما يتفق مع تعاليم الإسلام).
لذلك فإنني أرى أن التركيز على هذا المصطلح الفضفاض، وترديده في كل مناسبة، دون أن نحدد محتواه، وماذا يعني عند التطبيق، لن يفيد في حل الأزمة التي نعاني منها مع التطرف والإرهاب. فطالما أننا نتفق من حيث المبدأ على أن الوسطية والاعتدال والتسامح هي الحل، فيجب أن ننتقل إلى تحديد ماهية هذه المصطلحات بالتفصيل وعلى وجه الدقة، وبالذات تحديد موقفنا من (الآخر) غير المسلم، و(الآخر) الذي يتمذهب بمذهب إسلامي غير مذهبنا، ومن نختلف معه ممن هم يشتركون معنا في المذهب نفسه، وكيفية التعامل معهم بوضوح ودون مواربة.
إن من يقرأ في أدبيات كل من كتبوا عن (الوسطية) سيلحظ أنهم ينأون بأنفسهم عن الغوص في قضايا الخلاف مع الآخر بجرأة، ويكتفون بإطلاق الوسطية كشعار والتحلي بالتسامح مع الآخر، ويتحاشون قدر الإمكان إثارة القضايا الحساسة، وكأنهم يمشون في حقل من الألغام، وعند أول اختبار تجد هؤلاء الذين ينادون بالوسطية أنفسهم لا يترددون في ممارسة التكفير والتفسيق والتخوين وكيل التهم على المخالف باندفاع لا يمت للوسطية بصلة، لتبقى الوسطية التي يرفعون شعارها في النتيجة دونما مضمون حقيقي.
إلى اللقاء.