كما العلوم وكل مناحي الحياة والكون تطورت، فإن العلاقات الإنسانية وبالذات العلاقات الدولية شملها هذا التطور لتلاحق المتغيرات التي يشهدها العالم. فلم يعد الأمر محصوراً على المكان الذي يعيش فيه المرء مهما كانت أهمية الدولة أو الإقليم الذي ينتمي إليه. فبعد أن أصبحت الأزمات والمشكلات أممية التأثير وأصبحت إفرازاتها السلبية تلقي بظلالها على الجميع مهما بعد مركز الأزمة ليصبح العالم شريكاً في كل ما يشهده من أحداث سواء كانت إيجابية أو سلبية، وقد لمسنا كم تأثر العالم بجميع دوله من مشكلات التغير المناخي والإرهاب وتفشي الأوبئة والأزمة المالية العالمية والتي أكدت أنه ليس بمقدور دولة عظمى واحدة فقط، أو حتى من قبل مجموعة من القوى العظمى أن تعالج مثل هذه المشكلات وأن تضع الحلول لها ما لم يتكاتف الجميع. وهذا مما أعطى أهمية لتعاون الدول جميعاً مهما كان وضع الدولة من ناحية الموقع والحجم والسكان والنفوذ والقوى. فالكل مؤثر مهما صغرت المساحة وقل عدد السكان فلابد من وجود شيء ما يحتاجه المجتمع الدولي من دولة ما.
هذا الفهم المنطقي والبرغماتي للمتغيرات الدولية فرض على أساتذة العلاقات الدولية والعلوم السياسية ومهندسي السياسة الدولية من وزراء الخارجية ومستشاريهم والدوائر السياسية أن تعيد صياغة التعاملات الدولية، وهو ما فرض نوعاً جديداً من التعامل بين الدول بخاصة ذات التاريخ الطويل من العلاقات المتأزمة كالعلاقات بين العالمين الإسلامي والغربي، فمن المعروف أن الدول الإسلامية عانت كثيراً من تسلط وعدوانية الدول الغربية منذ الحروب الصليبية إلى حرب بوش التي شنها على عدد من الأقطار الإسلامية بحجة مواجهة الإرهاب مروراً بفترات الحروب الاستعمارية ومراحل الاستعمار الغربي للدول الإسلامية وما خلفته في مأسٍ وآلام ومشكلات ومنها لا يزال قائماً كاستلاب فلسطين وتسليمه لليهود.
وهنا وانسياقاً مع المفهوم الجديد للعلاقات الدولية ولحاجة الدول بعضها الى بعض وبخاصة الدول الإسلامية والدول الغربية، فعلى الغرب أن ينتهز مناخ التغير الحالي لتحسين تعامله مع الدول ليس فقط تكفيراً عن كل الآثام والجرائم التي ارتكبت ضد المسلمين في مراحل الاحتلال والاستعمار بل أيضاً لأن مصالح الغرب كثيرة في العالم الإسلامي كما أن الدول الإسلامية بكثرتها وأهميتها لا يمكن تجاوزها والتعامل معها بغطرسة وفوقية مثلما كان يفعل الغربيون من الحملات الصليبية إلى حملات بوش.
***