وحين تفعل الأرض لا يحتمل البشر، أنفاسها حمماً وأتوناً..
تلك آية من آيات الله سبحانه وتعالى، له في خلقه شؤون وشؤون..
ونبقى الضعفاء أمام كونه العظيم، بأسراره التي يؤتنا من علمها ما يشاء، ويرزقنا في شأنها ما يحدد، لكننا لا نملك أن نرد، أو نصد، نغيّر أو نبدّل في أمرها أمراً.. نعلم أن الأرض تتبركن وتزلزل، وحين تميد من تحتنا نوجل ونتسارع هرباً وخوفاً، تلك لحظات ضعفنا الأشد، ومواجهتنا لأنفسنا في غير غلالة أو تعمية، باب كبير نتذكر أنه مفتوح لنلجه، مشرع لنطرقه، واسع لكلنا، يحتوينا دون أن يضيق بنا، نسائمه رطبة، وهواؤه برد، وسلامه نجاة، باب الله الكبير الذي لا يغلق أبداً ولا يُرد عن أحد ولا يصد مُقبلاً.., وآيات الله تذكير لنتدبر، وبقدر قسوتها علينا، مكتنفة برحمته فيها لنا، فالأرض التي تتبركن وتغلي وتزبد ناراً، وتميد وتهز دماراً، تأتي بالماء وتفيض بالرواء، وبين لحظة وأخرى وعشية وضحى تستقر وما من عابئ بطبيعتها غير الإنسان، فإن بسطت على رواء تمتع، وإن اهتزت على حمم تنافر وهاب وتشتت، وبينهما يميد فوقها يتعالى وهي في النهاية مأواه ومستقره..
آيات الله لا تأتي من فراغ فسبحانه من خلق فأوعى، ومن نظم وأتم، ومن وعد فأنجز، ومن علم ويسأل، وحده خالق الخلق، جامعهم إليه، موفٍ ما هو لهم، محقق فيما هو عليهم..
الأرض بطبيعتها تتغير، لكنها في متغيراتها دلائل وإشارات، حِكم وعِبر، أسئلة تنتظر إجابات، مواقف تحتاج للمدارك، استدعاء لما في أقاصي الذاكرة البشرية، فما نقول والأرض هناك بالقرب تتنفس حممها؟ تميد بالإنسان، فتفرغ من أنفاسه وظله؟..
اللهم هوّن علينا، وارحم ضعفنا، وجنبنا فتن المحيا والممات، اللهم تمادت الحياة بغرورها فينا، فلا تجعلنا عرضة لغرورها ولا طعماً لفتنها، اللهم قوِ فينا يقيننا وإيماننا، واجعل بيننا وبينها حجباً من رحمتك ولطفك، واكنفنا في كنف حصنك وسترك، وهيئ لنا أسباب رضاك ووفقنا للعمل من أجله، ولا تجعلنا من الذين تذكرهم بآيات عقابك, بل من الذين تطمئنهم بآيات رحمتك..
اللهم اجعل كل نداء بين يديك خالصاً، وكل سعي لطاعتك صادقاً، وكل يد تمتد بخير صافياً، وكل عمل نؤديه نشداناً لرضاك، وكل قول نطلقه بهداك... يا واسع المغفرة، خلقتنا وتعلم ضعفنا، فقوّه بموجبات مرضاتك فينا، اللهم واحفظ إخوتنا في العيص وثبت الأرض من تحتهم، ولا تفزع المؤمنين وأنزل علينا منك رحمة تغنينا عن رحمة من سواك أو أنفسنا..لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين.. لك الحمد حتى ترضى، وتعفو وتصفح.. وترحم وتنجي.. يا من بيدك الأمر وإليك منتهاه.. توكلنا عليك ونلجأ إليك، فاحفظ البلاد والعباد، وهيئنا لمرضاتك ظاهراً وباطناً.. والحمد لك طيباً مباركاً فيه، والصلاة على نبيك وآله وصحبه وسلم.