المؤتمر الدولي الثامن لوزراء الأوقاف والشئون الإسلامية، الذي ستستضيفه محافظة جدة، هو خامس مؤتمر تستضيفه المملكة العربية السعودية ضمن مسيرة المؤتمرات الثمانية، بل إن فاتحة هذه المؤتمرات كان في مهبط الوحي، ومنطلق الرسالة، وقبلة المسلمين، مكة المكرمة عام 1399هـ.
هذه المؤتمرات المتلاحقة التي تستضيفها المملكة لها دلالاتها، وخلال هذه العقود الثلاثة فقط التي شهدت انطلاقة المؤتمر الأول، وحتى هذا المؤتمر، شهد العمل الإسلامي نمواً مطرداً، وكان للمملكة العربية السعودية قصب السبق، والنصيب الأوفر في خدمة الدعوة إلى الله في داخل المملكة وخارجها، وهي براهين صادقة على عناية المملكة بالدعوة، والشأن الإسلامي.
ومما يميز الأعمال التي تمت في هذه المدة، العمل الإسلامي المنظم الذي تعمل على إدارته، وتنسيق الجهود فيه، مؤسسات حكومية، ومنظمات شعبية في عالمنا الإسلامي، وتم تأصيل هذا العمل، ووضع الأسس له، وكل هذه الأعمال آتت أكلها وثمارها، وهي بالتأكيد ليست وليدة أو حديثة أو مقتصرة على هذه المدة الزمنية، وإنما هي شواهد ونماذج لما واكب هذه المؤتمرات من أعمال تفعّل القرارات، وترجمة للرغبات الصادقة، مما أدى إلى تطور العمل الإسلامي.
والاهتمام بالأمر الإسلامي كما أشرت، مرتبط بأساس هذه البلاد منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى، وقيامها على هذا الدين، ولكنني أعود إلى ماضٍ قريب مازلنا نتفيأ ظلاله الوارفة، ونقطف ويقطف العالم الإسلامي ثماره اليانعة، وذلك بما قيض الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة من قيام المملكة على يد الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- الذي حمل أمانة الحرمين الشريفين، وحمل معهما أمانة جمع كلمة المسلمين، ومساندتهم، والدفاع عن قضاياهم.. ولقد دعا الملك عبدالعزيز -رحمه الله- لأول مؤتمر إسلامي عام 1344هـ (1926م)، بحضور عدد من الزعماء والقادة في العالم الإسلامي في حينه، وتم تأسيس المنظمة الإسلامية الأولى (مؤتمر العالم الإسلامي)، بل وطالب -طيب الله ثراه- بتواصل الاجتماعات، وتكرارها في كلمته التي ألقاها في افتتاح المؤتمر.
إذن فلا غرابة أن تحتضن المملكة العربية السعودية هذا المؤتمر، وهي الراعية دائماً، والحاضنة للعمل الإسلامي، فهذا المؤتمر الثامن امتداد لما بدأه الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-، وسار على نهجه واقتفي أثره أبناؤه الذين حملوا هذه الرسالة والأمانة، أمانة جمع كلمة المسلمين، ومساندتهم، والدفاع عن قضاياهم، بل إن هذا الأمر أصبح يشكل دائماً معطى من معطيات سياسة المملكة، وخصيصة من خصائصها، ولعلي أستذكر مقولة لأحد الباحثين والمهتمين بالشأن الإسلامي، وهو معالي الشيخ الفاضل صالح الحصين رئيس شؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي حينما قال: (إن أساس القوة المعنوية للدولة السعودية هو الدعوة إلى الإسلام بمعنى إرجاع الناس إلى الإسلام النقي الصافي، كما جاء به صلى الله عليه وسلم عقيدة وعملاً ومنهجاً شاملاً للحياة، وهو ما يشكل هوية الدولة، وقاعدة الانتماء إليها، وأساس الولاء لها ولهذا فإن العمل على تطبيق الإسلام خالصاً نقياً من الشوائب، ووسيلة ذلك الدعوة - ليس مجرد وظيفة من وظائف الدولة السعودية، وليس فقط مجالاً من مجالات نشاطها- بل هو روحها وحياتها والغاية التي لا محيص عنها لكل نشاط من أنشطتها، وهو هويتها، ويستحيل أن يكون لها هوية غيرها، فلاهي تنزع إلى لغة تتميز بها، أو تاريخ يختص بها، أو عنصر سكاني متميز، أو أيدلوجية متميزة غير العمل على أن يكون الإسلام المنهج الشامل للحياة، وأن يكون الدين كله لله).
نعم إن هذه المملكة المباركة قامت على أساس التوحيد الخالص، وتطبيق الشريعة الإسلامية، وجمع كلمة المسلمين على الخير والمحبة والتضامن (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ).
alomari 1420 @ yahoo. com