صدر الأمر الملكي الكريم بإعادة تشكيل مجلس إدارة هيئة السوق المالية بدورته الثانية ليحمل معه تغييرا لثلاثة أعضاء من أصل خمسة أي بنسبة 60 بالمائة؛ مما يعني أن المرحلة الهيئة استفادت من دورة المجلس الأولى التي ركزت على التأسيس كاللوائح وتطوير أنظمة السوق وتوسيع قاعدة الشركات المدرجة بنسبة قاربت 75 بالمائة؛ لتنتقل إلى مرحلة جديدة تتطلب اتجاهات أكثر تطورا؛ حيث من الواضح من خلال خبرة الأعضاء الجدد أن التوجهات ستكون لفتح آفاق جديدة في قاعدة تمويل الشركات وتعدد مصادرها وعدم اقتصارها على زيادة رؤوس الأموال التي سادت بالفترة السابقة مع فتح سوق السندات والصكوك، ولكن بشكل محدود مما يعني أن المرحلة القادمة ستكون الخطى فيها متسارعة في هذا المجال خصوصا أن الهيئة تنوي فتح سوق للصكوك لتداولها، ومن المعلوم أن الأسواق الكبرى عالميا تتفوق فيها أسواق السندات على أسواق المال، خصوصا أنه كخيار تمويلي يعتبر الأفضل للشركات من غيره بخلاف تنويع طرق الاستثمار وقنواتها أمام المستثمرين لتقليص حجم التقلبات العالية التي تكتنف السوق المالية سواء خلال الأزمة وما قبلها وتطبيق لوائح الحوكمة لتطوير أداء الشركات وأيضا مساعدتها على تنظيم الجوانب التي تكفل لها تصنيفات ائتمانية تساعدها للحصول على مختلف أنواع التمويل يضاف إلى ذلك أن التوسع بطرح الشركات سيأخذ منحى آخر أكثر تفاعلا وهو زيادة عدد الشركات العائلية لتتحول إلى مساهمة للحفاظ على كيانات اقتصادية ذات أثر مهم بالاقتصاد ومن المعلوم أن هذا النوع من الشركات سائد بكل دول الخليج وفي المملكة تصل نسبة الشركات العائلية إلى 95 بالمائة من مجمل الشركات المرخصة ويبلغ حجم استثماراتها ما يفوق 300 مليار وتوفر قرابة 250 ألف وظيفة بحسب إحصائيات سابقة ونظرا للتخوف من تأثير الانفتاح بالاقتصاد العالمي وانضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية وفتح الأسواق للمنافسة؛ فقد تواجه تلك الشركات مصاعب وتحديات كبيرة بالمستقبل خصوصا أنها ليست منظمة بشكل كافٍ لتتغلب على الظروف السائدة بعالم المال والأعمال وخصوصا في ظل الأزمة العالمية الحالية، كما أن المرحلة القادمة لمجلس الهيئة الموقر سيكون أمامها تحدٍّ من نوع آخر وهو تنظيم الاستثمار الأجنبي المباشر بالسوق المالية، فبخلاف فتح سوق للصكوك والسندات هناك دراسة تجرى حاليا لتوسيع قاعدة التعاملات لكي تشمل المشتقات المالية مما يعني مسؤوليات رقابية وتنظيمية وتوعوية كبيرة ستواجهها الهيئة كون هذه التعاملات على درجة عالية من الحساسية ومخاطرها كبيرة. هذا بخلاف مراجعة ما تم تطبيقه خلال المرحلة السابقة بهدف التطوير كإعادة هيكلة قطاعات السوق مع انضمام المزيد من الشركات بأنشطة مختلفة ليست موجودة حاليا كالقطاع الطبي، وإن كانت هناك شركتان تعملان بهذا المجال هما: الدوائية والكيميائية السعودية، ولم يتم وضعهما بقطاع مستقل إلى الآن خصوصا أن وجوده سيسمح بإضافة العديد من هذه الشركات التي تعتبر ذات جدوى ومنفعة كبيرة للمساهمين وتحديدا بعد إقرار نظام التأمين الطبي الذي سيشمل مستقبلا المواطنين إضافة للمقيمين ويتوقع أن يدرج قطاع خاص بالصناديق الاستثمارية بخلاف الحاجة مستقبلا لقطاع تعليمي فهو كبير جدا بالسوق المحلية وأصبح لدينا شركات تعليمية برؤوس أموال كبيرة هذا بخلاف تطوير لوائح طرح الشركات ودور الجهات الاستشارية والمؤسسات الاستثمارية بدعم تطوير أداء السوق وتطوير العمل البحثي والمعلوماتي والارتقاء بمستوى الإفصاح والشفافية حتى تتحقق العدالة للمتعاملين وتساعدهم على اتخاذ أنسب القرارات لمستقبل استثماراتهم.
نبارك لأعضاء المجلس برئاسة معالي الدكتور عبد الرحمن التويجري الثقة الملكية الغالية بالتشكيل الجديد وهم بالتأكيد يعرفون حجم المسؤولية الكبيرة التي أمامهم للانتقال بالسوق المالية إلى مصافي الأسواق الناضجة خصوصا أن المملكة أصبحت من الدول الأهم عالميا بوجودها في مجموعة العشرين ومتانة اقتصادها وانفتاحه على العالم مما جعله محط أنظاره سواء للاستثمار بالمشاريع المتاحة أو بالأسواق المالية للاستفادة من قوة الشركات ومزاياها النسبية خصوصا في مجالات صناعات النفط ومشتقاته التي تعتبر حجر الزاوية بالصناعة السعودية ومستقبلها الاقتصادي؛ فالعمل الاقتصادي الجبار القائم حاليا في ظل الظروف السائدة بمعاكسة لاتجاهات الدورة الاقتصادية العالمية بنشاط وإنفاق حكومي كبير يتطلب تضافر كل الجهود والتنسيق بين كل الجهات المسؤولة عن الملف الاقتصادي لتحقيق الأهداف الطموحة لاقتصاد المملكة محليا وعالميا والسوق المالية يعتبر المرتكز الأهم كون الأسواق قائد الاقتصاد وحاضن لاتجاهات السياسات المالية والنقدية.